بيان من صالون الجولان للحوار حول وضع الجولان ومستقبله

29 تموز (يوليو - جويلية)، 2017
8 minutes

جيرون

كانت قضية الجولان المحتل غائبة عن النقاش في أوساط المعارضة السورية، طوال السنوات الماضية، لكنها كانت حاضرة في خلفية المشهد السوري، وفي صلب السياسات الدولية والإقليمية تجاه الثورة والنظام السوريين.

ظهر اسم “الجولان” مؤخّراً في مبادرة أطلقها حفنة من الأفراد باسم “مبادرة سلام الجولان”، وعلى الرغم من عدم وضوح حدود هذه المبادرة، وما إذا كانت تخصّ أفرادها الذين يروِّجون لها، أم أنها مبادرة مدفوعة إلى الواجهة من الجانب الإسرائيلي، وربما من قبل أطراف أخرى، إلا أننا في صالون “الجولان”، الحواري المنبثِق من مركز “حرمون” للدراسات المعاصرة، نودّ، قبل تقديم رأينا في المبادرة، تثبيت عدد من النقاط المهمة الثابتة في ضمير وعقل السوريين جميعهم:

1- كان في منطقة الجولان نحو ستمئة بلدة ما بين مدينة وقرية ومزرعة، نزح معظم سكانها إلى الداخل السوري، إثر هزيمة حزيران/ يونيو 1967، وهم اليوم يعدّون ما يزيد على ستمئة ألف نسمة، ما زالوا ينتظرون العودة إلى أرضهم وبيوتهم وترابهم الوطني، ومن ضمنهم من بقي منهم في داخل الجولان المحتل، سكان القرى الخمس، ما زالوا ينتظرون علم بلادهم يرفرف فوق قراهم وبلداتهم.

2- ارتكزت سياسة النظام السوري تجاه الجولان، طوال نصف قرن، على أربعة أعمدة رئيسة: الظلم، التجهيل، التهجير، المتاجرة؛ أي ظلم مواطني الجولان سياسيًا واقتصاديًا، وتجهيل السوريين عمومًا بقضية الجولان وبأهله، وتهجيرهم من أماكن إقامتهم في ريف دمشق بعد انطلاق الثورة السورية، والمتاجرة بقضية الجولان داخليًا وخارجيًا؛ داخليًا لقمع المعارضين، محوِّلًا قضية الجولان إلى أداة ضبط وسيطرة في الداخل، وخارجيًا للمقايضة وابتزاز الآخرين ماليًا وسياسيًا، ما يعني في المآل أنه فعل واقعيًا كل ما يمكن أن يمنع استعادة الجولان إلى السيدة السورية.

3- للجولان المحتل عظيم الأثر في مسار المواقف الدولية من الثورة السورية بل إنه ربما حكم مسارها، ومن العبث والسذاجة الحديث عن فصل هذه القضية عن ثورة الشعب السوري ومستقبل سورية وتضحيات شعبها وسيادة سورية غير المنقوصة على هذا التراب، و هذا الحق مؤكد بقراري مجلس الأمن الدولي رقم 242 القاضي بعدم شرعية احتلال أراضي الغير بالقوة وانسحاب “إسرائيل” من الأراضي التي احتلتها في الحرب، والقرار 497 تاريخ 1نيسان/ أبريل 1981، الذي رفض الاعتراف بقرار “إسرائيل” ضم الجولان، وعَدَّها أراضٍ سورية محتلة بالقوة بإجماع 15 دولة، من دون اعتراض أي عضو، نظرًا إلى وضوح الحق والقضية، فالسيادة السورية على هذا التراب أمر محسوم في نظر القانون الدولي، والأمر الواقع لا يغير شيئًا من هذه الحقيقة.

أما بخصوص “مبادرة سلام الجولان” المطروحة مؤخرًا، فإننا نرى أنها لا تعبِّر إلا عن حالة من الخفة والسطحية في الحد الأدنى، وعن سذاجة سياسية، وعن سقوط وطني وأخلاقي في الحد الأعلى لدى أصحابها ورعاتها:

1- إن قضية الجولان المحتل هي قضية وطنية سوريّة كبرى لا يجوز العبث بها، وهي من مسؤولية جميع السوريين، وليس أبناء الجولان فحسب، فالجولان جزء لا يتجزأ من التراب السوري بمقدراته البشرية والجغرافية والطبيعية والاقتصادية.

2- قضية الجولان المحتل هي قضية الشعب السوري كله، ولا يمكن أبدًا القبول بتنطع مجموعة أفراد للحديث حولها، أو إدارة تفاوض باسم الشعب السوري، من دون أي تفويض شرعي، ولا يمكن مطلقًا أيضًا القبول بالنظام السوري، ممثلًا شرعيًا يبتّ في هذه القضية الحيوية؛ فالجهة الوحيدة التي يحقّ لها التفاوض حول قضية الجولان المحتل هي القيادة السياسية المنتخبة انتخابًا ديمقراطيًا ونزيهًا من الشعب السوري بعد رحيل نظام الاستبداد والقتل والإجرام.

3- في ظل الوضع السوري الحالي؛ حيث لا وجود لنظام سياسي شرعي، ولا وجود لمعارضة سياسية مركّزة ومنظمة ووازنة ورزينة، وحيث التدخلات الإقليمية والدولية في سورية على أشدّها، من المتوقع أن تكون هذه الفوضى على المستويات كافة تربة خصبة لبعض السذج أو الواهمين أو المتحلِّلين من أي التزام وطني، في الداخل والخارج، للعب على تناقضاتنا ومشكلاتنا، والقضاء على مفردات القضية الوطنية السورية بكليتها، ومن ضمنها القضاء على أهداف الثورة السورية، عن طريق تجزئتها إلى مشكلات محلية منفصلة عن بعضها بعضًا، وعن القضية الوطنية السورية.

4- تروِّج المبادرة المزعومة لفصل قضية الجولان عن قضية فلسطين، وهي بالمعنى الصريح مقدمة للهرولة باتجاه “إسرائيل“. إن قضية الجولان المحتل مرتبطة ارتباطًا عضويًا ومصيريًا بقضية فلسطين، ولا يمكن أيضًا فصل القضيتين عن قضايا ثورات الربيع العربي؛ فمن لا يرى القضايا بهذا الوضوح ليس عليه، ولا من حقه، أن يتحدث باسم أي منها. إن نزع قضية الجولان وقضية فلسطين من أيدي المتاجرين بهما هو إحدى مهمات الثورة السورية، إذ أن قضية فلسطين هي قضية حرية وكرامة، كما قضية الجولان وكذلك قضية الشعب السوري، وقضايا الحرية لا تتجزأ.

5 ـ من المفيد أن يدرك الجميع أن أحد أهم إشكالات الثورة السورية، والتنكر لها على الصعيد الدولي، إنما ينبع من وجود “إسرائيل”، لأن أولوية الولايات المتحدة وروسيا ضمان أمن “إسرائيل”، وهذه هي القطبة المخفية في الإرادة الدولية والإقليمية في خراب المشرق العربي، من سورية إلى العراق، بحيث تبقى “إسرائيل” في بيئة آمنة لعقود، أما إيران فلا تتوخى من وراء ذلك إلا التغطية على توسيع نفوذها من طهران إلى لبنان بحجة مقاومة “إسرائيل”، في حين تمعن هي تخريبًا وتمزيقًا للبني الدولتية والمجتمعية في المشرق العربي كله، مقدمة في ذلك أكبر خدمة لإسرائيل منذ قيامها؛ لذا من السذاجة بمكان الظن أن “إسرائيل” سوف تتجاوب مع هذه الفئة أو تلك، وكأنها حمامة سلام، أو كأنها حطت عن غير قصد في الجولان منذ نصف قرن.

أخيرًا، من المهم التأكيد على أهمية أن يأخذ الشعب السوري قضيته بيديه، وأن تستطيع قواه المختلفة التوافق على حد أدنى، برنامج عمل، لكي لا تُفصل قضاياه عن بعضها بعضًا، ولا تُترك بين أيدي السذّج والحمقى أو اليائسين أو الانتهازيين أو المرتبطين بأهداف الدول الكبرى والإقليمية أو بسياسات المحتلين من كل حدب وصوب.

لن تكون هناك خطوة حقيقية في اتجاه الجولان وفلسطين ما لم نسر بشكل حثيث نحو بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، دولة المواطنين الأحرار والمتساوين. لا يمكن التقدم في طريق إنهاء “الأبد” الإسرائيلية التي روّج لها رئيس وزراء الاحتلال في زيارته إلى الجولان المحتل، مستغلًا كارثة الوضع السوري، من دون الذهاب نحو دفن “الأبد” السورية إلى الأبد، تلك التي روج لها -وما يزال- النظام السوري.

صالون الجولان للحوار/ مركز حرمون للدراسات المعاصرة

29 تموز/ يوليو 2017

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]