سورية شقيقة العراق ولبنان
29 تموز (يوليو - جويلية)، 2017
عمار ديوب
يبدو أن الحرب التي صار إليها الصراع العسكري بين النظام والفصائل الثورية، هي المدخل إلى اجتثاث الثورة ورؤيتها وأنشطتها الوطنية، وكي يصبح السوريون مكونات طائفية. لم يكن السوريون مكونات قبل الثورة، ولا من أهداف الثورة أن يصبحوا كذلك، ولكن ذلك كان الاحتمال الوحيد للخلاص من الثورة كما يبدو. توافق في ذلك كافة المتدخلين في سورية، من دول ونظام وتيارات غالبة من المعارضة؛ أي ليس الأمر خارجيًّا فحسب بل داخليّ أيضًا.
الحرب ذاتها تلوثت، فهي أصبحت بين جهاديين استقدمهم النظام وجهاديين استقدمهم الإقليمي، ولم ترفضهم المعارضة رفضًا قاطعًا، ولهذا مالأت “جبهة النصرة” مرارًا وتكرارًا، بل إن المعارضة مالأت طويلًا الإسلاميين بالتحديد، وآخرها ما فعله جورج صبرا أمام المجلس الإسلامي السوري، حيث أعطاهم الحق بإصدار شهادات وطنية لكل السوريين، وكذلك فعلت المعارضة حينما ألصقت الهوية الدينية بالمعارضين، ولا سيما القادمين من أسَرٍ تنتمي إلى الأقليات وإن لم تكن الأقلية منطقهم أو غايتهم وحتى لو كانوا رافضين لكل تسييس لها؛ وهذا السبب الوحيد لكل ما سمعناه عن مؤتمر للأقليات، منذ 2011.
الجهاديون هؤلاء كانوا سببًا لتدخّل أميركا عبر التحالف الدولي ضد (داعش)، وتدخّلِ روسيا لإيقاف (النصرة) و(داعش) كذلك، بل إن إيران وميليشياتها تذرعت بالجهاديين كمبررٍ لتدخلهم في سورية. إذًا كانت الجهادية الأداة السياسية لمساعدة النظام في الإجهاز على الثورة، والأداة للتدخل الدولي والفتك ليس بالثورة فقط بل بسورية أيضًا.
ما ساعد في تسوّد الهويات الدينية والطائفية على الوعي والسياسية هو توسل الطائفية لتفسير الثورة السورية وتفسير نظام الحكم بأنّه علويٌّ، وليس فقط لديه ممارسات طائفية، وكذلك اشتراط مصادر التمويل تغيير السياسات الوطنية للثورة بسياسات طائفية، وهذا ما تلاقى مع الأطراف التالية: النظام من ناحية والإخوان المسلمين من ناحية أخرى، ومن ناحية ثالثة توافق الأطراف الإقليمية والدولية على الفكرة ذاتها؟ الاستنتاج هنا أن كافة هذه الأطراف رافضة للثورة الشعبية، ولأي دورٍ للشعب في تقرير مصيره ومستقبله، وشكل دولته، وتحقيق أهداف الثورة.
نعم تفاجئُنا بعض الممارسات الديموقراطية للشعب كالتظاهرات ضد (النصرة) أو (جيش الإسلام) والتي كانت بارزة في العام الماضي، وكذلك الانتخابات التي جرت مؤخرًا في سراقب وحرستا، وممارسات أخرى، وهي أفعال تنتمي بأسباب حدوثها إلى أهداف الثورة. هذه الممارسات لا تعني أن الثورة ستتجدّد حالما تتوقف الحرب، وأن ست سنوات من الدمار والقتل والتهجير ستُشطب فورًا، ونضيف أنها أيضًا لن تخمد بشكل كامل، فالثورة كانت سببًا لكل ما جرى في سورية، لناحية دخول الشعب السياسة، وليس لناحية الدمار والقتل طبعًا. هذا تفكير رغبوي بامتياز، فوجود هذه الممارسات أمرٌ إيجابيٌّ، ولكنها ظواهر هامشية. الموجود حاليًّا إضافة إلى ما ذكرنا هو جملة الاحتلالات المتعددة، وهوية طائفية واسعة الحضور في الوعي، ومعارضة فاشلة بالكامل، وغير واعيةٍ لخطورة أسلمة الثورة وضرورة إعادتها لوطنيتها ولعلمانيتها، وهو ما يفرض خيارات جديدة أمام السوريين، ويضع حدًا لتحويل السوريين، وليس فقط (داعش) و(النصرة) إلى أدوات سياسية لصالح الخارج، وهذا سيتحقق في حال استمرت اللعبة السياسيّة بتأجيج الطائفيّة والإقليميّة في سورية.
ما تحقق من المناطق الأربعة والتفاهم بين ترامب وبوتين، بخصوص غرب وجنوب سورية، وكذلك بما يخص الغوطة الشرقية، وما يقال عن احتمال اتفاق جديد يشمل شمال سورية، عدا تواصل المعارك ضد (داعش) في الرقة ولاحقًا دير الزور، أقول هذه المقدمات ربما ستساهم في إخراج قوات إيران من سورية من ناحية والإجهاز على الجهاديين المتبقين من جهة أخرى، وطبعًا سيتحدّد وجود تركيا ضمن توافق روسي أميركي لمستقبل سورية.
للوصول إلى التوافق، هناك مرحلة طويلة، حيث سيتم إعادة تشكيل الوضع السوري في إطار بلد واحدٍ، وهذا يقتضي نقاشًا حول شكل الحكم، وسحب السلاح وهل سيكون الحكم فدراليًا أم لامركزية إدارية، أي حلًا وسطًا بين مركزية سياسية ولامركزية إدارية؛ السؤال هنا: ماذا ستفعل روسيا وأميركا بالتحديد بقوات (ب ي د) وقوات (جيش الإسلام) والميليشيات الموجودة في الساحل والتابعة للنظام، وبقية الميليشيات، ومقابل ماذا سيتم التخلي عن السلاح؟
طبخة الحكم القادمة ستمثل الدولتين العظميين بشكلٍ رئيسيّ والدول الإقليميّة، وفي إطار تمثيل سياسي للطوائف والقوميات، ولن يُسمح بالاعتراف بالشعب وبأهداف ثورته. الأطراف الفاعلة الآن هي من سيحدّد شكل الحكم؛ وبالتالي كل تشكيلات الثورة وما حدث لها من تطورات معنية بالبحث عن خيارات جديدة، فإمّا الانضواء في التشكيلات السورية التابعة للدول، وإما إعادة تفعيل الدور الثوري الوطني والمستقل.
الخيار الأخير، يستند إلى إرث الثورة، ويتناقض مع خيارات الطائفية والخارج ويتناقض مع الجيوش المنتشرة على امتداد المساحة السورية. إذًا يُراد لسورية أن تكون كما لبنان والعراق، أي أن تُحكم بنظامٍ قابلٍ للتفجر في أيّ لحظة، وسيكون نظام حربٍ أهليّة مستمرةٍ، وليس نظامًا قادرًا على النهوض بأعباء المشكلات التي تكدّست في سورية طوال السنوات الأخيرة.
السوريون أمام خياراتٍ صعبة إذًا، والسؤال الآن: كيف يتعزّز الخيار الوطني، أي خيار الثورة بالتحديد؟ طبعًا، لا توجد إجابة واضحة ومحدّدة، ولكن قراءة الواقع كما أصبح عليه، ربما تساهم في البحث عن مرتكزات هذا الخيار. لا شك أنّ هناك خيارات متعدّدة في سورية، فهناك الخيار الطائفي، وهناك خيار فدرالي وهو أقرب إلى الانفصال عند (ب ي د)، وهناك خيار وطني، وهناك خيار معطل كخيار النظام مثلًا، فهو ما زال يرفض كل التطورات التي أصبحت عليها سورية ويريد البقاء.
تبدأ المرتكزات من قراءة الوضع العام، ومن أهداف الثورة ذاتها، التي أصرّت على الحرية، أي الحريات العامة للجميع، وكذلك على الكرامة بما هي إبعاد لكلِّ تدخلٍ من قبل الأجهزة الأمنية في حياة المواطنين، وتتضمن فصلًا للسلطات وتقسيمًا لها بين المركز والأطراف، وهناك العدالة الاجتماعية، أي الاعتراف بحقوق المواطنين في السكن والتعليم والطبابة والعمل بشكل أساسي. هذه المسائل لن تتحقق، قبل اعتماد استراتيجية تنموية لكل أشكال الحياة في سورية.
إذًا سوريّة أمام خياراتٍ سياسيّة متناقضة، وهذا يثير ضرورة الانشغال بالخيار الوطني وتفعيله، بالإضافة إلى ما ذكرناه أعلاه؛ فسورية -كما يبدو- وصلت إلى نهايات مأساتها المفتوحة، والمشكلة في أنّ هناك خيارًا سياسيًّا كارثيًّا، يتحدّد بأن يكون حال سورية كحال لبنان والعراق، فهل يعي السوريون الكارثة القادمة؟
[sociallocker] [/sociallocker]