الغارديان : التاريخ الخفي للإمبراطورية البريطانية تاريخ مقاومة، وليس تاريخ افتخار


أحمد عيشة

إن التبريريين (الأبولوجيتيقيين) الجدد سيشكلون غشاوة على أعيننا، بخصوص عصر الإمبراطورية. وبدلًا من ذلك يجب أن نحتفل بالأصوات المنسية الكثيرة التي تحدثت بشجاعة عنها.

ثلاثة من الضباط البريطانيين يشكلون كتيبة مدفعية في فوج نيجيريا من قوة الجبهة الملكية الغربية، 1918. تصوير: مجموعة الصور الكونية /صور جيتي

بعض الأخبار أبدًا لا تصبح قديمة. أعطى (تويتر) مؤخرًا حياة جديدة لاستطلاع يوجوف عام 2014، عندما أعاد نيال فيرغسون، المدافع البروتستانتي الإمبريالية، والنجم التلفزيوني، استنتاجه بأن 59 في المئة من المستطلعين يعتقدون أنَّ الإمبراطورية البريطانية كانت شيئًا ما لا بد من “الافتخار به”، في حين كان 19 في المئة يشعرون “بالخجل” منها. قرّر فيرغسون أنه كان قد “فاز” شخصيًا ببعض المنافسة الجارية التي لفقت فيها السكك الحديدية، واللغة الإنجليزية، العبودية، والمذابح، والاستيلاء على الأراضي.

في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واستمراريتها بأحلام نهضةٍ عالمية في احتضان مستعمراتها السابقة، يعتقد عددٌ كبير من الناس على الأرجح بأنَّ الامبراطورية كانت عرضًا رابحًا.

بين مبرراتٍ عذبة، وسهوٍ مناسب لتواريخ شعبية -مكتوبة إلى حد كبير من قبل رجال بيض ذوي تعليم خاص- والفشل المؤسسي لتوفير معرفة معقولة حول الحقائق العارية لتاريخ إمبراطوري، كثير من البريطانيين يعرفون القليل عن الإمبراطورية.

“الافتخار” و “العار” كلمتان عاطفيتان، وليس لهما صلة بالموضوع.

ولكن أولئك الذين هم على استعدادٍ لإجراء تقويمٍ صادق للعصر اليوم، هم أيضًا جزءٌ من تقليدٍ بريطاني مهم، وإنْ لم يكن منسيًّا إلى حدٍّ كبير، فقد دُفع به إلى الهوامش. ستيفن هاو، وغريغوري كلايس، من بين المؤرخين الذين أظهروا أنه، خلال عقودٍ عديدة من الحكم البريطاني، قام العديد من البريطانيين في الواقع بمساءلة الجوانب الأساسية للسياسة الإمبراطورية وممارستها، وفي بعض الأحيان، مشروع الإمبراطورية نفسه.

وخلافًا للمدافعين الجدد عن الإمبراطورية الذين نادرًا ما يسألون لماذا تمت مقاومتها بشدة في ذلك الوقت، بعض الفيكتوريين، مثل هذا القاضي البريطاني في الهند، لاحظ بصراحة: “كان حكمنا حكم السارق والعصابة، ونحن نعاني من النتيجة الطبيعية: العصيان”. في الواقع، كانت هذه المشاعر في كثيرٍ من الأحيان ردًّا على التمرد المناهض للاستعمار أكثر من “الضمير الوطني”.

بعد القمع الدموي لانتفاضة خليج مورانت في جامايكا في عام 1865، أعلنت اجتماعات تضامن (المتكلمون بالإنكليزية) أنه “أراد شعب انجلترا أنْ يثبتَ… أنهم لم يعرّفوا أنفسهم بأفعالٍ قد خدعت الاسم البريطاني”.

كان الاحتجاج حيويًّا، وأشار المؤرخ إدوارد بيسلي إلى أنَّ ما تم عمله في المستعمرات اليوم يمكن أنْ يتمَّ في بريطانيا غدًا. “عندما ترى الطبقات العليا كيف أنّ مثل هذا الظلم في العمل، حتى في مستعمرةٍ بعيدة، يستاء منه الرجال العاملين في إنكلترا، سوف يكونون حذرين من كيفية أنهم يستخفون بمصالح مماثلةٍ في الوطن”.

وتشير تقديرات الموازنة العامة اليوم إلى أنّه إذا قامت بريطانيا بقتل بضعة ملايين من الناس، أقل من سكان بلجيكا مثلًا، وتركت بعض البنى التحتية التي كان يمكن استخدامها قبل الاستعمار السابق، فإن الإمبراطورية يمكن أن تُعلَن اتفاقًا جيدًا للجميع.

طرح النقاد البريطانيون السابقون للإمبراطورية أسئلةً أكثر وضوحًا، وأشاروا إلى أنَّ الجزء الأكبر من الأرباح الإمبراطورية ذهب إلى جيوب قلةٍ من الأغنياء. ودعا الفيلسوف ريتشارد كونغريف، الذي دعا إلى الانسحاب الفوري من الهند في عام 1857، إلى أنّه كان من الخطأ تغطية الدوافع التجارية بـ “دوافع أخلاقية أو مسيحية”. وذكّر العمال البريطانيين بأن هؤلاء الذين يحكمون الهند هم الناس أنفسهم الذين أبدوا “لامبالاة صعبة” و “إهمالًا شنيعًا” تجاههم في الوطن.

“في الخمسينيات، أدان كيث ووتر هاوس “المحاربين بنظارة واحدة من إمباه “الذين غطوا” الكاتالوغ السميك من الأشياء المخزية التي وقعت في كينيا باسم الإمبراطورية البريطانية”. فوتوغراف: إيمون مكابي للغارديان.

وذهب الميثاقي (الميثاقية حركة عمالية هدفت إلى الإصلاح في بريطانيا في القرن التاسع عشر) إرنست جونز إلى درجةٍ أبعد، وحثَّ الطبقة العاملة البريطانية على التقاط أو معرفة “عدوى مجيدة”، من الهند وممارسة نفس “الحق المقدس في التمرد”، ضد أوليغارشيةٍ قمعية.

وتساءل العديد من النقاد: لماذا كان حقًا أن تحمي السيادة البريطانية، بمعاقبة المواطنين المستعمرين الذين دافعوا عن سيادتهم. وقد فعل كاتب الرحلات ولفريد بلنت ذلك طوال تحدي القوالب النمطية المألوفة من “المتعصبين” المسلمين و “الطغاة” المستخدمة لإضفاء الشرعية على غزو مصر في عام 1882. بلنت قد يصف حال المولعين بالإمبراطورية اليوم عندما لاحظ كيف تم دعوة البريطانيين إلى “الفشل كأمة، وعبادة صورتنا الذهبية في سجلٍ رائع من الأعمال البطولية والنبضات النبيلة”. إذا كانت الإمبراطورية على وشك أنْ تنشر الخير، سأل فريدريك هاريسون، وهو صديق بلنت، كيف حدث أن كان “المصريون مزدرين مثل هذه الحضارة”؟

في القرن العشرين، تحدى البريطانيون السود والآسيويون الإمبراطوريةَ أيضًا. رفض النائب البريطاني الهندي شابورجي ساكلاتفالا بشدةٍ فكرة أنَّ الآسيويين، والأفارقة ليس لديهم فكرة عن الديمقراطية، وكان يجب أن يتعلموا “تدريجيًا” أن يحكموا أنفسهم. كما هاجم الحركة العمالية لعدم رؤيتها أنّ استغلال العمال المتعمد في المستعمرات جعل ظروفها أسوأ.

ذكر الشاعر المولود في جامايكا كلود ماكاي من أرصفة لندن لصحيفة العمال (دريد نوت) التي تديرها سيلفيا بانخورست المناهضة للإمبريالية. وقال: “إنَّ إثارة شغف العمال ضد الأجانب هو لعبة رأسمالية” لا يجب أن يلعبها “الموظفون الذين يأكلون ويلبسون بشكل جيد”. وقد لاحظت بانخورست نفسها: “يجب أن تعتبر الحضارة كفشل، إذا لم تجد وسيلةً أفضل لنشر المعرفة أكثر مما يوفره السيف”.

بإلهامٍ من قادة آسيويين وأفارقة للعصبة ضد الإمبريالية التي كان لها جناح بريطاني نشط في الثلاثينيات من القرن الماضي، سخر النائب جورج لانسبري، من اعتقاده السابق بأنَّ “الرجال البيض ينظمون ويتحكمون في الناس الملونين لصالح الخاضعين للسيطرة”.

كان النائب كونراد نويل، الناشط في العصبة، لاذعًا حول الكذبة بأنَّ الإمبراطورية البريطانية كانت فريدةً من نوعها في كونها “لا تقوم على القوة بل على حسن النية”. وقال: إنَّ هذه “التبريرات الأخلاقية” اُستخدمت من قبل جميع الإمبراطوريات.

في الخمسينيات من القرن الماضي، أدان الكاتب كيث ووتر هاوس “المحاربين في الإمباه” الذين غطوا “الكتالوغ السميك من الأشياء المخزية التي حدثت في كينيا، باسم الإمبراطورية البريطانية”. كما انتقد النائب فنر بروكواي التناقضات غير المقبولة: “الجوع الأفريقي للأراضي، ومساحة اليابسة الأوروبية، وأجور المجاعة الأفريقية، والراحة الأوروبية”.

في عصر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من المهم أنْ يعرف البريطانيون أنَّ لديهم تقليدٌ بقول الحقيقة، والصدق، والتضامن الدولي ليفتخروا به ويحافظوا عليه على قيد الحياة. إنها ليست الأمور التي قيل لهم عنها.

اسم المقال الأصلي The British empire’s hidden history is one of resistance, not pride الكاتب بريامفادا غوبال، Priyamvada Gopal مكان النشر وتاريخه الغارديان، The guardian، 28/7 رابط المقالة https://www.theguardian.com/commentisfree/2017/jul/28/british-empire-hidden-history-solidarity-truth-resistance ترجمة أحمد عيشة




المصدر