اللاجئ السوري ليس إرهابيًا


بهنان يامين

“وإننا، إذ ندعو العقلاء في المجتمع اللبناني للوقوف بوجه هذه الأفعال، وتقويم المسار قبل وصوله إلى الهاوية، نُعلن أيضًا عن استغرابنا لتصريحات البطريرك الراعي، التي اتهم بها اللاجئين بانتزاع اللقمة من فم الشعب اللبناني، ونذّكر هنا بالآية التي ذكرها المسيح ألّا يخاف أحد من الجوع، فالأرض تتسع للجميع وخيرها يعمُّ بالمشاركة، وهي أهم تعاليم المسيحية: اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلاَ تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟ (متى 6: 26)”.

من بيان منظمة (سوريون مسيحيون من أجل السلام)، استنكارًا للحملة الهستيرية ضد اللاجئين السوريين.

مما لا شك فيه، أن من حق الشعب اللبناني وحكومته، أن يُحققوا سيادتهم على جرود عرسال، بعد أن يثبتوا لبنانيتها عبر ترسيم الحدود ما بين لبنان وسورية، وعلى عرسال بحد ذاتها، ولكن ليس من حقهم، ولا من حق غيرهم، أن يُحوّل الجيش اللبناني، والحكومة اللبنانية، إلى مطيّة يمتطيها (حزب الله)، ليُجيّر حربه غير الإنسانية ضد اللاجئ السوري، لصالح العدو الإيراني الذي لم يعد يخفي مطامحه في قيام الهلال الشيعي، من إيران إلى لبنان مرورًا بالعراق وسورية.

ليس هذا فحسب، فقد بلغ الأمر أن فقد العديد من القيادات اللبنانية تعقّله، لصالح التطرف الشيعوي المتمثل بالحزب الإلهي، وأن تنجرّ قيادات ووسائل إعلام، عُرفت باتزانها وموضوعيتها، وراء الإعلام المشبوه لـ (حزب الله).

إذ انجرت فضائية جادة مثل MTV في نسختها الإلكترونية، إلى اعتبار أن اللبناني أمام خيارين، إما مع حسن نصر الله أو مع أبو مالك التلي، وهو ما تَقوّل به أيضًا نواف الموسوي، النائب المتطرف من (حزب الله)، وقد وضع اللبنانيَّ أمام خيارين، إما مع (حزب الله) أو مع التكفيرين الإرهابين؛ ليصل التطرف بالسيد إبراهيم الأمين (الذي يجب أن يُحجر عليه) إلى الدعوة إلى قتلِ كلِّ من لا يقف مع التطرف المتمثل بـ (حزب الله). هذا الحزب الذي هو ألعوبة بيد الولي الفقيه.

قد يتفهم البعض موقف (التيار الوطني الحر) الذي لم يعد لا “وطنيًا” ولا “حرًا”، وهو الذي بَاع موقفه إلى النظام السوري، عبر استسلامه إلى (حزب الله) من أجل وصول رئيسه العجوز إلى سدة الحكم، وهو المتحكّم به من قبل صهره جبران باسيل، الذي كان عرّاب التفاهم ما بين الحزب الإلهي وبين التيار العوني، والذي جرّ لبنان إلى جمود العملية السياسية، وصولًا إلى اضطرار القوى اللبنانية إلى تسليم مقاليد السلطة لـ (حزب الله)، ولكن ليس من المقبول أن تنجر القوات اللبنانية إلى الموقف ذاته الذي يقفه التيار “الوطني” الحر، ونضع الوطني بين مزدوجين لأنه بات من المشكوك بها، إذ إنه فقد استقلاليته، وتحول الكثير من قياداته إلى تلاميذ وزوار سفير النظام السوري السفاح علي عبد الكريم.

من المفهوم أن يقف السفاح حسن نصر الله الذي يقتل عناصرُه الشعبَ السوري، والذي ارتكب الجرائم اللا أخلاقية ضد الشعب السوري، وهو مستمر بارتكابها -بشكل أو بآخر- في جرود عرسال، ولكن ليس من المفهوم موقف نيافة الكاردينال بشارة الراعي، الذي يتهم اللاجئ السوري بأنه جاء لانتزاع لقمة العيش، من فم اللبناني، وهو الموقف المرفوض. فهل نسي غبطته أن هذا اللاجئ السوري قد تقاسم مع أخيه اللبناني لقمة العيش، أثناء الحرب اللبنانية الأهلية القذرة، حيث تقاتل الإخوة الأعداء، ومن حماهم هو الشعب السوري الذي أُجبر من قبل النظام ذاته الذي أجّج الحرب اللبنانية، إلى أن يترك بيته وأرضه مُجبرًا لا مُخيّرًا، هاربًا من عسف النظام الذي ذاق اللبناني ذاته من ويلاته، أثناء فترة الاحتلال السوري للبنان.

إذا كان الشعب اللبناني، متمثلًا بـ “قياداته” السياسية المترهلة والفاسدة، يعتقد أن سيادته تمر عبر ما يحدث في جرود عرسال، فهو على خطأ كبير، فإن انتصر الحزب الإلهي في جرود عرسال، عندها ستكون نهاية هذه السيادة، التي ستكون تحت رحمة تلاميذ الولي الفقيه، مثل حسن نصر الله ونبيه بري وعصاباتهما. يوم ينتصرون في جرود عرسال ليترحم الشعب اللبناني على سيادته التي داسها جيش الاحتلال الأسدي خلال 30 عامًا، وحررتها ثورة الأرز التي قادها الشهداء جبران تويني، وجورج حاوي، وسمير القصير، وبيار جميل وغيرهم من شهداء هذا الثورة التي أخرجت جيش بشار الأسد من لبنان ذليلًا مهانًا، بعد أن كان بيان المطارنة الموارنة الأول، قد طالب بخروجهم من لبنان تنفيذًا لاتفاق الطائف.

من واجبنا أن نُذكّر بأن واجب رجال الدين، من جميع الطوائف، التعقل في الأوقات الحالكة، والتي تتطلب صبرًا، وحكمة، وليس الانجرار في تحفيز العنف والتحزبات السياسية، فلا يرجى من ذلك إلا الخراب، وهو أبعد ما تحتاج إليه شعوب المنطقة اليوم.

إن كان اللبناني يُفتّش عن سيادته، فليفتش عنها في الضاحية الجنوبية، وفي جرود البقاع، وليس في جرود عرسال، الذي رفض النظام المستبد أن يُرسم حدودها، عندها تُعرف السيادة.




المصدر