الهَوَس بـ “الإفرنجي”


إبراهيم صموئيل

بات مُنفّرًا -وما كان جاذبًا بالأصل- اتّكاء كاتب مقال ثقافيّ أدبي على ما تسعفه ذاكرته من أسماء مشاهير الكتَّاب والفنانين؛ بقصد دعم رأي يراه، أو فكرة يقترحها، أو موضوع يتناوله، لكأنّما الرأي من دون شُفعاء لا قيمة له.

والشُفعاء -هنا- هم من النقَّاد والكتَّاب والفنانين الأجانب -على الخصوص- ثم يليهم طاقمٌ من أبرز كتّاب البلدان العربية -عدا بلد كاتب المقال، بالطبع- ثمَّ يلي الأخيرين -إذ ما باليد حيلة- بعضُ كتَّابِ وفناني بلد صاحب المقال.

أمّا لماذا من الأجانب الأوروبيين أو الأمريكيين أو الروس أو اليابانيين؟ فلأنّ الاسم الأجنبي يحظى بوقع مثير لافت في أذن العربي، وهيبة واحترام في عقله (ولِمَ لا أقول: سلطة؟) حتى لو كان باكستانيًّا أو هنديًّا أو سيرلانكيًّا أو فلبيّنيًّا…. أو من أيّ بلد غير عربيّ.

وقد ضُرب المثال قديمًا “الفرنجي برنجي”، للتدليل على أهميّته وتميّزه وتأثيره في عقل العربي تأثيرًا مسبقًا، ويظهر ذلك في طريقة تعامل عموم الناس مع الأدوات والمواد الاستهلاكيّة، إذ ما إن يُعرف أن هذه الأداة أو ذلك الشراب أو المأكل أجنبيًّا؛ حتى ترتفع قابلية شرائه والثقة بجودته، لمجرّد أنه أجنبيّ.

ربّما يكون مردُّ الحالة هذه إلى الثقة بكل ما ليس عربيًّا، أو يكون مردّه -على الوجه الآخر للمسألة- إلى الشكّ أو ضعف الثقة بكلّ مُنتج عربيّ إلاّ في حالات استثنائيّة، وهذي لا يُقاس عليها؛ بيد أن الترحيب والشعور بالتميّز أمام كل مُنتج أجنبي حالٌ رائجة منتشرة على النطاق الشعبي العربي عامة.

اللافت العجيب أن ينسحب الأمر نفسه على الحياة الثقافيّة العربيّة عامّة، وهو ما تدلُّ عليه مراجعة سريعة لعدد من الكتابات النقدية وغير النقدية، حيث ستتبدّى غزارة الاستشهاد بالأسماء الأجنبيّة من كلّ حدب وصوب، المعروف منها وغير المعروف، وذلك في سبيل إكساب النصّ قوّة وزخمًا ومهابة لدى القارئ العربي.

والسؤال المباشر: هل الأدباء والنقّاد والفنَّانون العرب أقلَّ موهبة أو حكمة أو عمقًا أو رؤية من نظرائهم الأجانب كي نجد في العديد من الكتابات العربيّة ذاك الزجّ المكثَّف من الأقوال والآراء المقتبسة لكتّاب أجانب، بحيث يمكن إحصاء عشرين أو ثلاثين من المُقتبسات والأسماء الأجنبيّة -وخصوصًا بعد أن درجت موضة أدب أمريكا اللاتينيّة في السنوات الأخيرة- خلال مقال لا يتجاوز بضع مئات من الكلمات؟

والسؤال على الوجه الآخر: هل أعلام الثقافة العربيّة -في القديم والحديث- فقراء الرؤية والتنظير والحكمة والألمعية… إلخ حتى يُصار إلى اللجوء للأعلام من الكتَّاب الأجانب، أم أن الفقر هو لدى المُضخّمين لمنجز الأجنبي، المُقزّمين لمنجز العربي، من حيث مبدأ النظر إلى الجنسيّة والجغرافيا، وبصرف النظر عن سوى ذلك؟

ولعل هذا ما دعا الناقد الدارس عبد العزيز حمودة -قبل سنوات- إلى وضع كتابين هامّين، الأول بعنوان (المرايا المُحدَّبة) حيث سلَّط الضوء على ظاهرة تضخيم المنجز الثقافي الغربي، والثاني بعنوان (المرايا المُقعَّرة) وهو “محاولة لإنصاف البلاغة العربيّة والعقل العربي، أردتُّ بها -كما يقول في مقدّمة كتابه- أن أستبدل بالمرايا المُقعَّرة مرايا عاديَّة، ليست مُحدَّبة تضخّم من حجم تلك البلاغة وإنجازاتها، كما أنها ليست مُقعَّرة تُقلّل من شأنها وتُصغّر من حجمها”.

وعندي، فإنّ الظاهرة استلابٌ وعُقد نقصٍ لدى العديد من الكتّاب والصحافيين العرب إزاء المبدعين الأجانب ومنجزهم وآرائهم بعامّة، إذ حين نكون في حقل الثقافة من أدب وفكر وفنّ، فما من تفسير أو تبرير آخر لظاهرة الانبهار بالأفكار والآراء الأجنبية، والانخطاف نحو أصحابها سوى الشعور المَرَضي بالدونيّة.




المصدر