on
أكبر صحيفة في العالم لا تُصلِح “ما أفسد الدهر”
muhammed bitar
لو أن حجم الجرائد الضخم، ومدّة العرض التلفزيوني الطويلة تُقاس بمعايير وحرية الصحافة في بلدٍ ما، لكانت سوريا أولى بلاد العالم في مجال الصحافة، غير أن هذا البلد في ظل نظام الأسد ينتج مواده الإعلامية بالأحجام دون أي محتوى يُذكر.
وكان آخر تلك “الصرعات” وضع صحيفة إعلانية ضخمة على واجهة فندق “سمير أميس” وسط العاصمة السورية دمشق.
وأوضحت وسائل إعلامية طبيعة الفعالية وملابساتها، مشيرة ًإلى أن القائمين عليها أكّدوا أن “اللوحة ستغطي واجهة الفندق كونه قيد الترميم حاليًا، وسيتم تغطية الواجهة بمئات الأوراق الملونة، التي تحتوي إعلانات ومواد تثقيفية، لتُخبِّئَ أعمال الإصلاح والترميم خلف هذه اللوحة”!
وتبدو الكلمات الموجودة على اللوحة كبيرة وواضحة للعيان، فبإمكان أي سوري يمرّ من المنطقة من داخل باص النقل (المُكّدس بالمواطنين) أن يرى المحتوى تماماً ويقرأ كل كلمة فيه، حيث تشير مصادر النظام إلى أنه سيتم تغييرها كل ثلاثة أشهر.
“سيمفونية” مكررّة
تجسّد هذه الخطوة الدعائية إعادة لسيمفونية “موسوعة غينيس” المكررة من جديد والتي سبق أن عزفت عليها المؤسّسات الإعلامية التابعة للنظام.
ولعل المفارقة أن هذا الإعلام لا يعرف شيئاً عن النجاح في تقديم محتوى إعلامي جيد باعتراف الجميع، لا يجد مشكلة في البحث عن إنجازات “رقميّة” بهدف دخول هذه الموسوعة وتحقيق جائزةٍ مجّانية على حساب المحتوى المتدنّي.
ولو نظرنا إلى نتاج سنوات من “الحرب” فإنه يمكن القول بأن إعلام النظام لم يحقق أو ينجز إلّا المهمّة الموكلة له بالدفاع عن الأسد، بعيداً عن تقديم شيء يهم السوريين الذين يعيشون في مناطقه ويساهم بحل مشكلاتهم التي لا تنتهي سواء من النواحي الاقتصادية أو الاجتماعية أو حتّى الخدمية.
وبحسب القائمين على حملة الصحيفة الموضوعة على واجهة فندق “سمير اميس”، فإن هذه الصحيفة هي الأكبر في العالم، حيث تم مقارنة مساحتها مع غيرها من تجارب بلدان العالم المختلفة، ليتبيّن أن مساحة هذه الصحيفة البالغة 2000 متر مربع، هي الأكبر على الإطلاق، وذلك في محاولةٍ لتسجيل رقم قياسي جديد في موسوعة غينيس.
وليست هذه المحاولة هي الأولى من نوعها، ففي أواخر عام 2014، حصل إعلام النظام على جائزة موسوعة غينيس عن أطول برنامج تلفزيوني حواري تم بثّه بتاريخ الإعلام، حيث قامت المذيعتان السوريتين أريج الزيات ورين الميلع، ببث تلفزيوني متواصل مدّته 48 ساعة على الهواء مباشرةً ليحصلوا بعدها على جائزة الموسوعة، وهو ما أثار غضب السوريين حينها كونَ الإنجاز لا يعني شيئاً أمام المحتوى السيّء.
وبعد “قناة تلاقي” (التي أغلقها النظام بالمناسبة) قامت إذاعة “فيوز إف إم” التي تبث من دمشق، باستنساخ هذه التجربة بمنتهى الابتذال، وقدّمت بثّاً مباشراً من استمر لمدّة 81 ساعة، حيث تم تعبئة ساعات الهواء بمحتوى بعضه له أهمية وبعضه لا مبرر له نهائياً، لتدخل بعدها موسوعة الأرقام القياسية “غينيس” عن هذا الإنجاز.
وبذلك يتضح أن “موسوعة غينيس” باتت الإنجاز الوحيد الذي يستطيع إعلام النظام تحقيقه، لأنّه لا يتطلّب تقديم أي محتوى إعلامي مميّز قائم على المنافسة، وإنّما يحتاج الاعتماد على الكم وحسب، وهو ما يجعل هؤلاء يتهافتون على هذه الجائزة كونها الوحيدة الذي يستطيع هذا الإعلام تحقيقها.
واجهات وكواليس
على الرغم من التطبيل الإعلامي الذي حظيت به تلك الصحيفة، يبدو الإعلام السوري التابع للنظام عاجزاً عن تغطية العيوب الكبيرة التي تشوب هذا القطاع، فـ “المكياج” الذي يتم وضعه لهذه الوسائل لا يخفي كون سوريا احتلت التصنيف 177 من أصل 180 على مؤشر حرية الصحافة في العالم، والذي أصدرته منظمة “مراسلون بلا حدود” هذا العام، لتتذيّل بذلك القائمة العالمية.
ويُضاف إلى ذلك تصنيف سوريا كأخطر بلدان العالم بالنسبة لحريّة الإعلام، ما يتناقض مع فكرة “الترف” المتمثّلة بصنع أكبر صحيفة، أو حتّى بث أطول برنامج إذاعي او تلفزيوني في العالم، حيث تشهد البلاد حالات قتلٍ متعمّد للصحافيين. وبحسب إحصاءات المنظّمات الدولية فإن أكثر من 325 صحفياً سقطوا قتلى خلال عملهم في سوريا، ويُضاف إليهم صحفيون قُتلوا تحت التعذيب في سجون النظام وآخرون خطفتهم الميليشيات والفصائل المُنتشرة على الأراضي السورية.
ويُعاني إعلام النظام أيضاً من مشاكل اقتصادية كبيرة أدّت إلى إغلاق قنوات رئيسة ومنها القناة الأرضية الأولى، وقناة تلاقي، وقناة الشرق الأوسط “ميدل إيست” الناطقة باللغة الإنكليزية والتي تبث محتواها عبر الانترنت، وسط معلومات عن “ثورة تقشّف” سوف تطال قطاع الإعلام المطبوع وعلى رأسها الصحف الرسمية الثلاثة “البعث، تشرين والثورة”.
موضع سخرية
لم تمرّ حادثة وضع الجريدة على واجهة الفندق دون موجة انتقاد متوقعة بين السوريين سواء كانوا صحفيين أو مواطنين عاديين، حيث رأى أمجد، وهو أحد رواد موقع “فيسبوك” أن التذكير بأهمية الصحيفة في حياتنا يأتي بتحسين واقع الإعلام وليس بوضع قماشة ملوّنة على واجهة فندق لتغطية عمليات الإصلاح والترميم المُزعجة بصرياً.
وقال معلّق آخر ساخراً: “بإمكاني التوقّف عن الاستحمام لمدّة ثلاثة أشهر حتى أصاب بكافة الأمراض القذرة والجلدية وبذلك أدخل موسوعة غينيس كأكثر إنسان عاش دون أن يستحم طيلة حياته”، مشيراً إلى أن الحجم الضخم في إنتاج شيءٍ ما لن يخفي المشاكل الداخلية الكبيرة.
وقال آخر: “بعد أن كُنّا نستخدم الصحيفة في مسح الزجاج، صارت الصحيفة واجهة للزجاج بحدّ ذاتها” مشيراً إلى أنه لو كان خلف هذه الصفحات مكاتب لصحيفة تستحق القراءة لاحترم الفكرة، ولو أن فيها إعلاناً عن منتجٍ سوري واحد لكانت فكرتها موضع تقبّل، ولو كان فيها مانشيت واحد يحكي عن أوضاع المدنيين في الرقة ودير الزور ويذكّر بمعاناتهم لكانت فكرة التصميم صحيحة، لكنّها على هذا الحال لا تخرج عن كونها “ترفاً إعلامياً وإعلانياً”.
المصدر