on
التوافق الروسي- الأميركي يبدأ من الجنوب: دمجُ الفصائل وتطهير القلمون
muhammed bitar
تتسارع التطوّرات في سوريا وسط صراع بين اللاعبين الرئيسين الذين يحاول كل منهم تثبيت مكتسباته في المرحلة المقبلة مع الانحسار التدريجي لتنظيم الدولة “داعش” واقتراب لحظة توزيع الغنائم بين القوى المختلفة التي سيدّعي كل منها بأنه كان له الدور الحاسم في هزيمة التنظيم، وهو يستحق تالياً الحصّة الأكبر من “التركة” ومن أسهم تحديد مستقبل البلاد.
وعلى الأرض، يبدو نظام الأسد اللاعب الأبرز في الساحة بعد أن تمكّن خلال الفترات الماضية من “تنظيف” محيط العاصمة دمشق من معظم الوجود المسلح باستثناء منطقة الغوطة التي دخلت في مناطق “خفض التصعيد”، وجنوبي دمشق التي لا تشكل أي تهديد عسكري للنظام وينتظر المسلحون هناك، وجلّهم من “داعش” و”هيئة تحرير الشام”، دورهم للصعود إلى حافلات الترحيل الخضراء.
ولعلّ أقوى المؤشرات على طبيعة المرحلة المقبلة جاءت من الجنوب السوري، مع إضافة غوطة دمشق، حيث بدأ تطبيق اتفاقية “خفض التصعيد” التي توصّل اليها الجانبان الروسي والأميركي بالاشتراك مع الأردن في عمان، وتقضي بوقف الأعمال القتالية هناك بين النظام والمعارضة، ونشر شرطة عسكرية روسية تشرف على تطبيق الاتفاق.
ودخل الاتفاق حيّز التنفيذ في 9 الشهر الجاري، وذلك بعد أن أُعلن عنه عقب اجتماع مدينة هامبورغ الألمانية بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، خلال قمة “مجموعة العشرين”.
انتشار القوات الروسية
وحسب وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، فان أربع كتائب من قوات الشرطة العسكرية الروسية، التي تم تشكيلها في المنطقة العسكرية الجنوبية، تنفذ مهامها في مناطق تخفيف التصعيد، وتفيد المعطيات أن روسيا نشرت نحو 500 من هؤلاء العناصر في مناطق التماس في جنوبي وغربي سوريا، وعلى نقاط التفتيش في المعابر التي تفصل بين مناطق سيطرة النظام وفصائل المعارضة، وأوضحت مصادر محلية أن أفراد الشرطة العسكرية الروسية والذين يُعتقد أنهم من جمهورية أنغوشيا التابعة لروسيا، انضمّوا إلى حواجز ونقاط تفتيش قوات النظام، لفصل مناطق سيطرة المعارضة عن مناطق النظام.
وقال بيان لوزارة الدفاع الروسية إن “العسكريين الروس والسوريين يفتشون وسائل النقل التي تعبر نقاطهم، ويفحصون أوراق سائقيها وركابها ويبحثون عن الأسلحة والذخائر بهدف ضبط الأمن والاستقرار في المنطقة”، مشيرة إلى أن قوات المراقبة الروسية انتشرت في منطقتي “خفض التصعيد” في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، وصولاً إلى الجولان السوري، وفي الغوطة الشرقية قرب دمشق، لمراقبة التزام كل الأطراف بالهدنة.
وبالنسبة للغوطة الشرقية، قالت هيئة الأركان الروسية في بيان لها إن الشرطة العسكرية الروسية أقامت نقطتي تفتيش، وأربعة مواقع للمراقبة هناك، وذلك تطبيقاً للاتفاق الذي تم التوصل إليه مؤخراً في القاهرة.
ويقضي الاتفاق الذي توسّط فيه رئيس تيار “الغد” المعارض، أحمد الجربا، بنشر 150 شرطيًا روسيًا على خطوط التماس بين قوات النظام والمعارضة، إضافةً إلى رفع الحصار عن الغوطة، وحرية انتقال البضائع والمدنيين عبر مخيم الوافدين إلى دمشق، إلى جانب انتخاب مجلس محلي لإدارة شؤون المنطقة.
ورغم ذلك، فقد خرقت قوات النظام هذه الهدنة خلال الأيام الماضية من خلال القصف المدفعي والجوي على الغوطة الشرقية، بحجة استهداف مواقع لـ”جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام).
وفي حين وافق “جيش الإسلام” على الاتفاق، قال “فيلق الرحمن” (الفصيل الآخر الرئيس في الغوطة الشرقية) إنه لم يتم التشاور معه بشأن هذا الاتفاق، لكنه يرحّب من حيث المبدأ بأي جهد إقليمي أو دولي يوقف الهجمات على الغوطة.
وذكرت مصادر محلية أن الروس طلبوا من “فيلق الرحمن” أن يعزل نفسه عن “هيئة تحرير الشام” بأسرع ما يمكن، وإخراج عناصرها من مناطقه، كشرط مسبق كي تشمل الهدنة منطقة القطاع الأوسط بالغوطة الشرقية التي يسيطر عليها الفيلق، فيما ذكرت مصادر أخرى أن “فيلق الرحمن” طلب من عناصر “هيئة تحرير الشام” الاندماج في الفيلق أو الخروج من الغوطة الشرقية إلى إدلب.
وقد وصلت قوات روسية إلى مخيم الوافدين قرب دوما تطبيقاً لهذا الاتفاق، وتلا ذلك دخول ثلاث شاحنات إلى الغوطة الشرقية عبر معبر المخيم محمّلة بالمواد الغذائية وبعض المواد الطبية.
ورأى بيان لهيئة الأركان الروسية أن إقامة مناطق خفض التصعيد “يساهم في الفصل بين المعارضة والإرهابيين” وهو ما عجز عنه الأميركيون طيلة سنوات، حسب تعبيره.
غير أن مصادر محلية شككت في قدرة القوات الروسية على مراقبة وقف إطلاق النار وحدها، بسبب طول خطوط التماس بين المعارضة والنظام في الجنوب السوري، وكون تلك القوات لا تُغطّي سوى القطاع الشمالي.
وفي إطار تطبيق هذا الاتفاق أيضاً، انتشر مئات الجنود الروس في ريف السويداء الغربي والشمالي، وبعد تثبيت نقطة روسية في قرية “برد” بريف السويداء الجنوبي الغربي والمتاخمة لمدينة بصرى الشام، انتشرت قوات مماثلة على الحاجز الغربي لمطار “خلخلة” العسكري الواقع شمالي المحافظة والمتاخم لمنطقة اللجاة، إضافة لوصول قوات روسية خلال اﻷيام الماضية إلى الفوج 404 التابع للنظام والواقع قرب بلدة “نجران” في ريف السويداء الغربي والمتاخم لمنطقة اللجاة وريف درعا الشرقي.
وأشارت مصادر محلية إلى أن القوات الروسية بدأت بالانتشار في مطار “الثعلة” العسكري الواقع بريف المحافظة الغربي والمتاخم لقرية “أم ولد” في ريف درعا الشرقي.
دمج فصائل الجنوب
وفي إطار تطبيق الاتفاق أيضاً، بدأت غرفة “الموك” التي تديرها الولايات المتحدة من العاصمة الأردنية عمان، بالضغط على فصائل الجنوب السوري كي تقوم بإعادة هيكلة نفسها والاندماج في عدة فصائل رئيسة بدل توزعها على عشرات الفصائل حالياً، بغية تسهيل تطبيق الاتفاق، وحصر المسؤولية في جهات محددة وفاعلة على الأرض.
وفي هذا السياق، أعلن 11 فصيلاً عاملاً في الجنوب السوري الاندماج ضمن كتلةٍ واحدة، وتحت مسمّى “الجبهة الوطنية لتحرير سوريا”، قبل أن تنضم إليهم بعد أيام عشرة فصائل أخرى.
وقال فصيل “جبهة ثوار سوريا” إن غرفة عمليات الموك “قطعت الدعم العسكري عن فصائل “الجبهة الجنوبية”، مشيرة إلى أن القتال في المنطقة سيركز في المرحلة المقبلة على تنظيم “داعش” وليس على قوات نظام الأسد.
وأوضح قائد الفصيل التابع للجيش السوري الحر، أبو الزين الخالدي، في تصريحات صحفية أن الفريق الأمريكي في الغرفة أبلغهم بقرار وقف الدعم مُبرراً ذلك بإعادة ترتيب الفصائل بعد اتفاق تخفيف التصعيد جنوبي البلاد”، وأضاف أنه تم إبلاغهم أيضا بأنه ستكون هناك اندماجات ومهام جديدة للفصائل تتعلق بالحل السياسي والاتفاق، وأن الدعم سوف يتواصل بعد الانتهاء من هيكلة الفصائل، مشيراً إلى أن غرفة العمليات تستدعي في الوقت الحالي قادة الفصائل العسكرية للتباحث بأمور الهدنة، وبهذه المستجدات، لافتاً إلى أن قتال قوات نظام الأسد لم يعد مطروحاً، وسيتجه الجهد نحو تنظيم “داعش”.
وكانت الولايات المتحدة أعلنت قبل ذلك إنهاء برنامج وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الخاص بتسليح فصائل المعارضة السورية “المعتدلة”، والذي أطلقته الوكالة في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما.
وقالت مصادر محلية إنه يجري التحضير لعملية تنظيم كبير لأبرز فصائل المعارضة في الجنوب السوري، بهدف حصر قيادة الفصائل الجديدة بيد عدد من الضباط المنشقين ذوي الخبرة في العمل العسكري المؤسساتي، والسيطرة على فوضى السلاح، مشيرة إلى أن إعادة الهيكلة هذه قد تفضي إلى تقليص عدد الفصائل في الجنوب من أكثر من خمسين فصيلاً في الوقت الحاضر إلى أقل من سبعة، وسوف تتلقى وحدها الدعم العسكري والمالي من غرفة “الموك”.
وأوضحت المصادر أن الخطة تتضمّن عزل “هيئة تحرير الشام” إذ لن تكون مشمولة بمشاريع الدمج المزمعة، وسوف تواجه مع بعض الفصائل “المتشددة الأخرى” خيار الانضمام لفصائل الجبهة الجنوبية بأسماء جديدة، أوحلّ نفسها أو الرحيل نحو الشمال السوري، مشيرة إلى أن “الفصائل الإسلامية” ليس لها وزن كبير في الجنوب السوري.
وتشكّلت الجبهة الجنوبية نهاية عام 2014، من اجتماع حوالي 54 فصيلًا في “الجيش الحر”، وتعتبر التشكيل الأبرز في الجنوب.
مغادرة “الجحيم”
في هذه الأثناء، كانت منطقة القلمون الغربي تشهد آخر فصول خروجها عن سيطرة نظام الأسد، حيث بدأ تطبيق بنود الاتفاق الذي توصلت إليه ميليشيا “حزب الله” اللبناني و”هيئة تحرير الشام” في منطقة جرود عرسال على الحدود السورية.
ويتضمّن الاتفاق بعد تبادل جثث القتلى من الجانبين، وإطلاق سراح أسرى ميليشيا “حزب الله”، مغادرة مقاتلي “هيئة التحرير” إلى شمالي سوريا مع أيّ مدنيين يرغبون بالرحيل.
وبالنسبة لمقاتلي “سرايا أهل الشام” التابعة للجيش السوري الحر، وعددهم نحو 200 فمن المقرر أن يتوجّه قسم منهم مع عائلاتهم إلى مدينة الرحيبة في القلمون الشرقي، فيما سيعود من بقي منهم إلى بلداتهم الواقعة تحت سيطرة قوات النظام ضمن التسويات التي تعقدها مع المقاتلين الذين يلقون سلاحهم.
وتشير المصادر المحلية إلى أن عدد النازحين السوريين داخل بلدة عرسال الراغبين بالانتقال إلى إدلب يصل إلى أكثر من 6000، فضلاً عن نحو 3500 نازح ينتشرون في بعض المناطق خارج عرسال مثل وادي حميد والملاهي يرغبون في الرحيل إلى الرحيبة في القلمون الشرقي.
وتتخوف بعض العائلات من التعرض لأي مخاطر في طريق عودتهم إلى سوريا، وكذلك عدم منحهم أي ضمانات، وعلى الرغم من حماسة بعض النازحين لمغادرة “الجحيم” كما أسموه فإن تصنيفهم ضمن جماعات إرهابية يقلقهم لاسيما أنهم يخرجون من مخيمات جرود عرسال ضمن صفقة تمت مع “هيئة تحرير الشام”.
وفي تطور لافت، أعلن مسؤول “هيئة تحرير الشام” في القلمون الغربي، أبو مالك التلي، أن فصيله أسر ثلاثة مقاتلين من “حزب الله” اللبناني بعد اتفاق وقف إطلاق النار، في وقت وصلت “الحافلات الخضراء” إلى المنطقة استعداداً لترحيل مقاتلي الهيئة إلى الشمال السوري.
وحسب صحيفة الأخبار اللبنانية المقرّبة من “حزب الله”، فإنّ الثلاثة وقعوا بالأسر بعدما ضلوا الطريق، ورأت الصحيفة أن هذا التطور لن يؤثّر على التسوية الأخيرة بين الحزب والهيئة، لكن قد يكون له تأثير في تحسين بعض شروط الهيئة مثل المطالبة بإطلاق موقوفين لدى السلطات اللبنانية.
المصدر