أهالي إدلب يخشون من موصل سورية


أحمد مظهر سعدو

تزداد تخوفات أهالي إدلب والنازحين والمهجرين قسرًا إليها، من استهداف المنطقة بذريعة محاربة التنظيمات الإرهابية، لا سيما بعد الاقتتال الأخير، بين (أحرار الشام) و(هيئة تحرير الشام).

بعد هذا الاقتتال؛ ازداد عدد النازحين الفارين باتجاه المنافذ الحدودية “التهريبية”، قرب تركيا، على الرغم ممّا في هذا العبور من مخاطر، أدت في أوقات سابقة إلى سقوط عشرات الضحايا، وبالمقابل، هناك من يحاول تهدئة المواطنين في إدلب، على أمل أن يساعد العامل الإقليمي التركي وسواه في “حلحلة” المسألة، على غرار ما جرى في جنوب سورية، حيث يعتقد البعض بوجود إمكانية إقليمية ومحلية لتخطي المخاطر.

حول هذه المخاوف والاحتمالات المفتوحة للمستقبل القريب، أبدى رضوان الأطرش، رئيس الهيئة السياسية في محافظة إدلب، تخوفه من المستقبل الذي ينتظر المحافظة، وقال لـ (جيرون): “في الحقيقة هناك تخوف كبير ينتاب الشارع في محافظة إدلب، والخوف من تكرار سيناريو الرقة أو الموصل، وهذا الخطاب نقرؤه على صفحات النخب السياسية التي من المفترض أن تنحو منحى آخر، والبيانات الصادرة عن الفصائل المتواجدة في الشمال -و(هيئة تحرير الشام) إحداها- تُشير إلى سياسة عمل جديدة تريد انتهاجها، وتخص بالذكر تفعيل الحياة المدنية بإدارات جديدة، بعيدة عن الصبغة الفصائلية. لكن حتى اللحظة لم نُشاهد إجراءات عملية حيال ذلك، وما زالت إدارة إدلب، بمسماها الجديد (الإدارة المدنية)، هي من يعمل بشكل منفرد في ظل غياب واضح لدور مجلس المحافظة”، وأضاف: “إن إمكانات الحل المتوقعة سواء محليًا أو إقليميًا يجب أن تُترجم إلى واقع ملموس، لكن بعد اتفاقية المدن الأربعة ومسألة التهجير، بدأنا نستشعر برضى إقليمي حيال كل ما يجري. الحلول المحلية، حسب ما نراه، تبدأ من ابتعاد الفصائل جميعها عن الحياة المدنية، وإطلاق الحريات السياسية، وتفعيل دور المجالس المحلية وإيجاد تمثيل سياسي وإداري حقيقي للمناطق المحررة، بعيدًا عن تجاذبات ومصالح الدول”.

من جهة ثانية، قالت ابتسام تريسي، الروائية من محافظة إدلب: “يعتقد معظمُ النّاشطين المدنيين في المحافظة أن الحل الوحيد هو داخل إدلب حصرًا. ويعتقدون أن قادتها في الصّفين الأول والثاني بعيدون تمامًا عن هذا الوعي، وربما هم من ساعد النّظام والعالم (بلا وعي) في الوصول بالمحافظة إلى هذه المرحلة، وفي أول مواجهة سيذوبون من الساحة ويغيبون عن المشهد، عائدين إلى مواقعهم الأصلية”، وأوضحت موقفها قائلة: “لو أن (جبهة النصرة) تمتلك شيئًا من الصدقية مع ما تدعيه من تديّن، لتركت الساحة حقنًا لدماء النّاس، أما وأنها ماضية في غيّها، فقد بقي الحل محصورًا بشرفاء المقاتلين من أبناء إدلب، وبأهالي إدلب المدنيين، ويترتب عليهم العمل سريعًا على محاصرة هؤلاء المتطرفين على الأقل مدنيًا، بعد أن فقد الأمل بالجانب العسكري الذي دمّرته النّصرة وجند الأقصى خلال السّنوات الثلاث الأخيرة، ويمكن أن يكون هذا الحصار فعالًا من خلال التظاهرات الشّعبية المستمرة ضدّهم، ومن خلال إبراز الوجه المدني في المجالس المحلية، والتّخلي عن الشعارات الدينية والطائفية التي تستعدي العالم على المحافظة وأهلها، ومن خلال التحشيد الإعلامي الفعّال لإبراز الوجه المدني من جهة، ونبذ التّطرف وفضح الممارسات المشينة للمتطرفين”.

وتابعت: “الوقت ليس في صالح المحافظة بكل تأكيد، ومن يظن أن استمرار الوضع على ما هو عليه، متوهمًا بأنّ العالم سيسمح بدويلة سنية، فهو شريك بالدماء التي ستسفح ضمن حرب الإبادة المقررة والقادمة، بكلّ تأكيد، إن لم يُبادر أبناء المحافظة بالعمل على إطفاء فتيل اشتعالها”، مشيرة إلى أن وعي الناشطين يساهم في إيجاد حلول، وقالت: “لقد وعى الناشطون أنّ من الخطأ التعويل على الدّاعمين، بعد أن بان لكل ذي نظر دورهم القذر في تفتيت الثورة، ومساهماتهم الفعالة في الثورات المضادة التي نشأت في سورية، اليوم تتبدى بكل جلاء حكمة المثل القائل (ما حك جلدك مثل ظفرك) فهل سيجلس أبناء المحافظة في بيوتهم بانتظار الفوسفور الحارق من طيران التّحالف وروسيا والنظام؟ أم سيكون لهم كلام آخر؟ ولا سيّما أن معظم أبناء المحافظة قد بدؤوا يعايشون بأنفسهم الفساد المستشري بين قادة الفصائل المهيمنة، بسبب تسلطهم على أرزاق الناس، فمدينة مثل سراقب، على سبيل المثال، تعيش حالة عطش وندرة في المياه، بسبب خلاف الفصائل على توزيع الكهرباء، عدا عن الغلاء الفاحش والتحكم بحيوات الناس، والفوضى الحاصلة حاليًا والتفجيرات وحالات الخطف، لقد بات الكل يشعر أن الواقع الجديد بحاجة إلى ثورات وليس ثورة واحدة. وإن لم يتحرك أبناء المحافظة قاطبة على وجه السرعة لدرء خطر الإبادة الذي بدأ يلوح في الأفق، فعليهم انتظار حزمة جديدة من المجازر قتلًا وتشريدًا وتهجيرًا، وستكون الحزمة هذه المرة الأشد إيلامًا ووقعًا على الشّعب السّوري خلال السّنوات السّت الماضية، وقد بدأت ملامح المجازر تظهر من خلال ما حدث منذ أسابيع بين النصرة والأحرار، حول معبر باب الهوى، وعودة النصرة إلى السيطرة على المحكمة في سراقب، بعد أن طردها الأهالي بتظاهرات سلمية بعد وقوع شهداء بسبب الرصاص العشوائي”.

وختمت: “الواقع ليس مشجعًا أبدًا، والحلول الإقليمية تبدو بائسة وغير فعّالة، ومحصورة في الخطابات والمؤتمرات، وتقع على أهل إدلب في الداخل مهمة انتشال ما تبقى من المحافظة من أيدي الجهاديين، مع قناعتي بأن التحالف لن يعدم إيجاد سبب آخر للإبادة، في حال التخلص منهم”.

وحول الموضوع ذاته، قال د. خليل سيد خليل، عضو المجلس المحلي في كفر تخاريم لـ (جيرون): “الأحداث التي تمر بها إدلب ليست مستقلة عن الواقع والأزمة التي نعيشها جميعًا، من تمسكنا بثوابت الثورة وأهدافها، ونقدر التضحيات التي بُذلت ودفع ثمنها دماء وشهداء، والمخططات المرسومة لنا لا تكون إلا مزيدًا من التماسك والمقاومة بوعي، وذلك بإبعاد الفصائل عن المدن والتجمعات السكنية إلى مناطق لا يوجد فيها مدنيون، وتسليم الأمور المدنيّة للمدنيين، بإدارة مدنية منتخبة ومعبرة عن إرادة الشعب، وممثلة له. عن طريق صناديق الانتخاب الحر. وذلك هو المخرج الوحيد من أي مخطط مرسوم لنا من أجل دمار البلد”.




المصدر