كومرسانت: لا مهرب من اللاجئين السوريين


سمير رمان

الصورة: غليب شلكونوف/ كومرسانت

مقدمة…………………………………………………..1

مسموح للمولودين في تركيا – ممنوعٌ على الوافدين…………………….2

أناسٌ في “منازل” بيضاء………………………………………3

اللاجئون والسياسة الكبيرة…………………………………………….4

مقدِّمة

تركيا تغيِّر سياستها تجاه اللاجئين السوريين، وترفض استقبال لاجئين جدد من جارتها سورية التي تجتاحها الحرب الأهلية. ويجبر نقص الأمكنة، في مخيمات اللاجئين في تركيا التي يتواجد فيها مئات آلاف السوريين، أنقرةَ على إعادة النظر في استراتيجيتها في سورية. وكبديلٍ تقترح تركيا نقل اللاجئين إلى سورية نفسها وتوزيعهم على مناطق خفض التوتر التي أُقيمت بالتنسيق مع روسيا وإيران. تبحث صحيفة (كومرسانت) في حياة اللاجئين السوريين في تركيا، وفي الدور الذي يلعبه هؤلاء اللاجئين في السياسة التركية.

مسموح للمولودين في تركيا – ممنوعٌ على الوافدين

“نحن سنوقف كلَّ أنواع خرق القانون التي تحدث في العراق وسورية. وعلى مساحة ألفي كم مربع أقمنا مناطق آمنة، وقضينا على العناصر الإرهابية هناك، ليتمكّن إخوتنا السوريون من العيش بسلامٍ وأمنٍ”، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطابه الأسبوع الماضي في مدينة حرَّان التركية (ولاية شانلي أورفا) الملاصقة للحدود السورية. وأوضح أردوغان جوهرَ سياسة أنقرة الجديدة تجاه اللاجئين السوريين: “المسافة التي تفصل مدينة حرّان التركية عن مدينة الرقَّة السورية، التي أعلنها تنظيم (الدولة الإسلامية) عاصمةً لخلافته المزعومة لا تزيد عن 100 كيلو متر”.

كان خطاب الرئيس التركي موجَّهًا للمواطنين الأتراك الذين أبدوا دعمًا كبيرًا لعملية توسيع صلاحياته الرئاسية في الاستفتاء العام الذي أُجري في 16 نيسان، واستهدف الخطاب أيضًا اللاجئين السوريين الذين أظهرت الإحصاءات الحكومية أنَّ عددهم في محافظة “شانلي أورفا” وحدها يناهز 450 ألفًا. “أوجدنا شروطًا آمنة في جرابلس، دابق وفي مدينة الباب. واستطاع أكثر من 100 ألفٍ من إخوتنا السوريين العودة إلى منازلهم، ويتزايد عددهم من يومٍ إلى آخر”، صرَّح الرئيس أردوغان.

يؤكِّد المواطنون الأتراك الذين تحدَّثت إليهم الصحيفة أنَّ أنقرة تفضِّل حاليًّا تأمين ظروفٍ مناسبة لإقامة السوريين الذين يعانون من النزاع داخل بلادهم، وليس خارج حدودها. يقول رئيس قسم الأحوال الطارئة التركية AFAD محمد خالص بيلدين: “يفضِّل الكثيرون من السوريين البقاء في بلادهم، ولهذا عملت تركيا على إقامة مناطق آمنة ليتمكَّن السكَّان من مناطق الأعمال القتالية من الانتقال إليها، وليس اللجوء إلى دولٍ أُخرى”.

يُفسَّر التحوّل في سياسة أنقرة ببساطة: لم تعد المخيمات الـ 23 التي أقيمت في تركيا تستطيع استقبال لاجئين جُدد. ولم يتبقَّ فيها أماكن. والآن، يعيش فيها 274 ألف شخص؛ إلا أنَّ العدد الإجمالي للاجئين من سورية والعراق أكبر من هذا الرقم بعشرة أضعاف. تقدِّر السلطات في أنقرة عدد اللاجئين على الأراضي التركية بحوالي 3.5 مليون شخص، في حين تقول المنظمات الدولية إنَّ العدد بحدود 2.5 مليون.

على كلِّ حال، سيكون على تركيا توسيع المخيمات القائمة، أو العمل على بناء مخيماتٍ جديدة، على الأقلّ، بسبب ارتفاع معدلات الولادة بين اللاجئين، تعترف مدير AFAD: “على سبيل المثال، منذ افتتاحه، بلغ عدد المواليد الجدد في مخيم كهرمان مرعش 2000 طفل”.

أناسٌ في “منازل” بيضاء

تتألَّف مخيمات اللاجئين في تركيا من منازل/ “حاوياتٍ بيضاء متشابهة”، مؤلَّفة من طابقين. وعلى الرغم من ضيق المساحة، تحتوي هذه المنازل على غسَّالة ثياب، موقد للطبخ (فرن)، دش للاستحمام ومرحاض، مروحة وجهاز تلفاز. أمَّا أماكن النوم فهي عبارةٌ عن فراشٍ من الإسفنج يوضع على الأرض مباشرة. لا يمنع اللاجئون من مغادرة المخيَّم، الأمر الذي يستغلُّه ساكنو المخيَّم بفعالية؛ فمن الممكن إيجاد عملٍ في الأعمال الزراعية المنتشرة في المنطقة.

في مخيَّم كهرمان مرعش الذي يقطنه نحو 24 ألف لاجئ، يغادر منهم يوميًا، وبصورةٍ منتظمة، قرابة 6 آلاف شخصٍ. وكما يؤكد محمد خالص بيلدن، تتمُّ الرقابة عند مدخل المخيّم بغرض حماية اللاجئين من “التهديدات الخارجية”. وفقا لمدير آفاد AFAD.

الإعانات المخصصة لكلَّ لاجئ هي 100 ليرة تركية شهريًا. 50 ليرة من كلٍّ من منظمة آفاد ومن الهلال الأحمر التركي. هذا المبلغ يمنح لكل فردٍ في المخيَّم، بغضِّ النظر عن العمر؛ ممَّا يعني الحصول على 400- 500 ليرة للعائلة وسطيًا. ولا تترتَّب على قاطني المخيَّم أيّ نفقة لقاء الماء والكهرباء، إلا أنَّه لا يمكن القول إنَّ أسعار المواد في المتجر المحليّ، وهو من سلسلة سوبر ماركت BIM المنتشر في كافة أرجاء تركيا، هي أسعارٌ رمزية يتلقَّى بعض اللاجئين من سكان المخيّم 100 ليرة أُخرى بموجب بطاقةٍ خاصة. وبالإضافة إلى ذلك، يتلقى اللاجئون علاجًا مجانيًا (بما في ذلك في المستوصفات الخاصَة)، وكذلك يحصلون على التعليم من دون مقابل. وبحسب آفاد يستفيد 99 في المئة من اللاجئين من التعليم الأولي، إلا أنَّ نسبة من يُنهون التعليم الثانوي أقلُّ بكثير.

يعيش في إسطنبول 500 ألف من اللاجئين السوريين، ويمكن أن يُشاهدوا في كلِّ أحياء المدينة. وأصبح حيُّ يوسف باشا مكانًا يزدحم باللاجئين من أصول فلسطينية، يمنية، عراقية وغيرهما من الدول العربية. وفي شارع تورغوت أوزال قلَّما تجد يافطة تركية، فمعظمها مكتوب باللغة العربية تقريبًا. يقول اللاجئ السوري حسّان الذي أتيح لنا الحديث معه: إنه يعيش بشكلٍ ليس بالسيئ، بفضل تعلمّه أصبح لديه مكانٌ للسكن وعملٌ. ولكنّنه يعترف بأن وضع رفاقه الذين يعيشون في المخيمات أسوأ بكثير.

بالنسبة لإمكانية عودته إلى سورية، حدَّد حسَّان أنَّ الشرط الرئيس لعودته هو استقالة الرئيس بشار الأسد، وقال: “أقول بصدقٍ: سبق لي أن خدمت في صفوف القوات الحكومية، في القوات الجوية. وقد سنحت لي الفرصة للاحتكاك بالخبراء الروس، وقد نفّذت عدَّة طلعاتٍ معهم على طائرات سوخوي- 24 وسوخوي -22 والمقاتلة ميغ- 25. وكان الخبراء يقدمون الخبرة لنا. هربت من الجيش قبل ثلاث سنوات، لأنّ الوضع في الجيش السوري كان صعبا للغاية، والرواتب منخفضة، وظروف العمل غير طبيعية”. هرب حسّان وبقي أقاربه في دمشق.  “بإمكاني تحويل المال لهم، على الرغم من أنَّ النظام المصرفي في سورية لا يعمل، ونحصل على هذه الخدمة في السوق السوداء”، يقول حسَّان.

اللاجئون والسياسة الكبرى

أصبح موضوع اللاجئين السوريين واحدًا من العوامل الرئيسية في الجيو- سياسة. “لم يُحسن رجب طيِّب أردوغان اللعب على ورقة اللاجئين بشكلٍ ناجح مع الدول الأوربية، قال لصحيفة (كومرسانت) النائبُ في البرلمان عن حزب الشعوب الديمقراطية المعارض غارو بايلان. وقال: “تشكِّل مسألة اللاجئين أداةَ تأثيرٍ حقيقية؛ ولأنَّها كذلك، يغضُّ الغرب الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في تركيا، بما في ذلك الضغوطات التي تُمارس على حزبنا”. ونذكِّر بأنَّ العديد من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطية يُتَّهمون بعلاقتهم بحزب العمل الكردستاني، الذي تعتبره تركيا منظمةٌ إرهابية.

وعلى الرغم من أنَّ تركيا تنفق الكثير من الموارد لاستضافة اللاجئين، فإنَّ السيد بايلان يعتبر أنَّ موقف حزب العدالة والتنمية الحاكم من اللاجئين قد عزِّز مواقعه. “إذا قارنَّا الأموال المنفقة بالمكاسب السياسية التي حققها حزب العدالة والتنمية؛ رأينا أنَّ الحزب قد استفاد فعلًا”، يرى النائب المعارض. حجم المبالغ التي أُنفقتها تركيا على اللاجئين فعلًا، هو موضوعٌ معقَّد: تقول منظمة (آفاد) إن المبلغ وصل إلى 25 مليار دولار، بينما قال الرئيس أردوغان في خطابه في مدينة شانلي أورفا، إنّ النفقات الفعلية قد تخطت النفقات التي خصصتها الحكومة التركية على اللاجئين لتبلغ قرابة 30 مليار دولار. أمَّا النائب بايليان فيعتبر أنَّ المبالغ لا تتخطَّى 20 مليار.

“تختلف مقاربة تركيا لموضوع اللاجئين بشكلٍ جذري عنها في لبنان، الأردن أو العراق. في تلك البلدان، ليس هناك حديثٌ حول إمكانية اندماج اللاجئين، يوضِّح المحلل السياسي من مركز الدراسات الاستراتيجية في الشرق الأوسط(ORSAM)  في أنقرة، خبير نادي “فالداي” أويتون أورهان. في تركيا، الأمر مختلف، هنا يوجد إدراكٌ بأنَّ بعض اللاجئين لن يعودوا إلى بلادهم بعد انتهاء الحرب. البعض منهم تمكّن من الاندماج في المجتمع وضمن الاقتصاد التركي”. ويضيف الخبير: “تعلن الأحزاب المعارضة أنَّ الرئيس أردوغان يعطي السوريين الجنسية التركية، وأنَّهم يدعمون حزبه وسيصبحون ناخبين موالين لحزبه؛ ولكنّ الحكومة في حقيقة الأمر، تنظر إلى اللاجئين السوريين باعتبارهم جسرًا سيمتدّ بين تركيا وسورية القادمة، مما سيعطي تركيا المزيد من النقاط في المجال السياسي والاقتصادي”.

الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية في أنقرة، تيمور أخماتوف، يلفت الانتباه إلى المشكلة التي قد تواجه حزب العدالة والتنمية، في حال منح عددٍ كبير من جوازات السفر التركية للاجئين السوريين والعراقيين. “المسألة القومية في تركيا على درجةٍ عالية من السخونة، عندما تتنامى المشاعر القومية، قد يخيب ظنُّ القوميين الأتراك بحزب العدالة والتنمية بسبب المحاباة المبالغ بها للاجئين السوريين، برأيهم”. يقول الخبير الروسي.

على كلِّ حال، هذا الموضوع لا يقلق القوميين الأتراك؛ فالعدد الإجمالي للحاصلين على الجنسية التركية لم يتجاوز 12 ألف سوري، منذ عام 2012 وحتى الآن.

اسم المقالة الأصلي От сирийских беженцев не убежишь اسم كاتب المقالة كيريل كريفوشييف- روسلان سليمانوف مكان وتاريخ النشر صحيفة كومرسانت. 27.06.2017 رابط المقالة https://www.kommersant.ru/doc/3336404?utm_source=kommersant&utm_medium=all&utm_campaign=spec ترجمة سمير رمان

 




المصدر