مأساة الغوطة الشرقية لم تنتهِ بـ “تخفيف التصعيد”


muhammed bitar

مرّ على اتفاق “تخفيف التصعيد” في الغوطة الشرقية أكثر من أسبوع،  دون أن يتغير حال أكثر من 350 ألف مدني محاصرين في مدنها وبلداتها منذ قرابة الأربع سنوات قضوها تحت القصف وفي ظل نقص شديد بالمواد الغذائية وغياب الرعاية الصحية وانقطاع أبنائها عن التعليم.

على الورق

 يقول الناشط علاء الأحمد “لم يختلف أي شيء على أهل الغوطة الشرقية مع الإعلان عن الاتفاق الجديد تحت اسم تخفيف التصعيد، فالطيران لا يفارق سماء الغوطة حيث واصلت القصف للعديد من المناطق إضافة إلى استهدافها بالمدفعية الثقيلة والقذائف الصاروخية والهاون وحتى الغازات السامة، ما تسبب بوقوع المجازر والجرحى”.

وأعلن الروس في الـ26 من الشهر الجاري عن إدخال أول قافلة من المساعدات الإنسانية إلى الغوطة الشرقية، حيث نشروا صوراً تظهر شاحنات عسكرية ترفع العلم الروسي قائلين إنها تحمل مواد إغاثية، فضلاً عن صور يظهر فيها الجنود الروس وخلفهم العلم الروسي إلى جانب علم النظام وصورة بشار الأسد، إضافة إلى عدد من مقاتلي قوات النظام يوزعون أكياس صغيرة على عدد من الأطفال.

وسرعان ما تبيّن، بحسب شهادة العديد من الناشطين، أن الصور المنشورة تم التقاطها في مخيم الوافدين المسيطر عليه من قبل قوات النظام والميليشيات الموالية لها، مؤكدين عدم دخول أي من الشاحنات الروسية إلى الغوطة الشرقية، وأوضحوا أن المنطقة الفاصلة بين المخيم ومدينة دوما تعتبر البوابة الوحيدة التي كان النظام يسمح عبرها بإدخال بعض المواد الغذائية كل فترة مقابل أتاوات مالية كبيرة جداً، والتي تعتبر السبب الرئيس في ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية داخل الغوطة.

وأبدى عدد من الناشطين استياءهم أيضاً من كمية ما قال عنها الروس إنها “مساعدات إنسانية” حيث ظهرت في الصور عبارة عن كيس نايلون صغير الحجم لا يصعب على الأطفال الصغار حمله، متسائلين “هل هذه المساعدات التي يعتزمون تقديمها لعائلات بأشد العوز للمواد الغذائية الأساسية عقب أشهر من الحصار والتضييق على دخول الأغذية؟”.

وحذّر الناشطون من تدهور الأوضاع الإنسانية في الغوطة الشرقية، بعد أن خسرت أهم المعابر التي كانت تؤمن المواد الغذائية، جراء سيطرة النظام على أحياء القابون وبرزة، إضافة إلى تفاقم معاناة أهل الغوطة من عدم توفر الرعاية الصحية بالحد الأدنى، فالحصار الطويل والقصف والمعارك أدت إلى نقص في تأمين الأدوية والمعدات الطبية، في حين توجد العديد من الحالات الصحية التي تحتاج إلى رعاية في المستشفيات.

رقابة رمزية

 لم تخفِ القناة المركزية “لقاعدة حميميم العسكرية” الروسية في سوريا، طبيعة السلوك الروسي المرافق للاتفاق، فقد ذكرت أن الغارات الجوية ستستمر في مناطق الغوطة الشرقية التي تم تحديدها “كمواقع تنشط فيها عناصر متطرفة تتبع لتنظيم جبهة النصرة الإرهابية، وعلى أفراد التنظيم المتشدد إعلان حل أنفسهم بشكل كامل أو اختيار الرحيل عن المنطقة لضمان سلامتها”، حسب تعبيرها.

ومن جهتها قالت وزارة الدفاع الروسية في بيان لها إن “عمل أول نقطة تفتيش روسية سورية مشتركة انطلق على أحد مداخل الغوطة الشرقية، والنقطة مؤلفة من 4 عسكريين روس يعملون بالتناوب في مهام تفحص السيارات للبحث عن الأسلحة والذخائر ومتابعة أوراق سائقيها بهدف ضبط الأمن والاستقرار في منطقة خفض التوتر المعلنة في البلاد”.

وأوضحت أن المنطقة المحددة تحتوي على مقاتلين ينتمون لتنظيم جبهة النصرة ويقدر عددهم بنحو 9 آلاف مقاتل حسب التقديرات الرسمية، وتابعت أن النقطة الحالية ستكون واحدة من أصل نقطتين للتفتيش و4 نقاط للمراقبة تشغلها الشرطة العسكرية الروسية المتواجدة في سوريا.

مأساة

 من جانبه، قال الناشط الاعلامي براء أبو يحيى، لـ “صدى الشام”، إن “مأساة مئات ألاف المدنيين تتفاقم يومياً في الغوطة الشرقية، فالفقر المدقع سكنَ كل بيت، وغلاء الأسعار يحارب العائلات في لقمة عيشها، وخاصة المواد الغذائية الأساسية التي تبلغ أسعارها أضعافاً مضاعفة عما هو الحال بدمشق”.

وبالنسبة لعدد من المواد الأساسية في الغوطة الشرقية، فقد بلغ سعر اللتر الواحد من البنزين 5000 ليرة سورية، ولتر المازوت 2300 ليرة، وأسطوانة الغاز 75 ألف ليرة (إن وجدت)، وبيّن أبو يحيى أن “ارتفاع أسعار المحروقات تسبّب بتوقف معظم الأعمال التي كانت قد استمرت في الغوطة الشرقية في ظل الحصار”.

ولفت إلى أن “معظم الأهالي يعتمدون كبديل عن المحروقات على ما يعرف بغاز ومازوت البلاستيك، المصنّع محلياً من مواد بلاستيكية، ورغم ما يسببه من تلوث وعدم فاعليته مقارنة مع المحروقات التقليدية، إلا أنهم مضرون لذلك بسبب فارق الثمن بالنسبة للأهالي”.

أزمات يومية

 من المشكلات التي يعني منها أهالي الغوطة بشكل يومي، بحسب الناشط “شح مياه الشرب التي تأثرت بأزمة الوقود، إذ لم يعد بالإمكان توفيرها للمنازل”، ويوضح أبو يحيى أنه “قبل غلاء المحروقات كان الناس بمعظمهم يستخدمون مياه الآبار التي يسحبونها من خلال المضخات التي توصل المياه إلى منازلهم، في حين يلجأ الأهالي إلى تعبئة المياه يدوياً من الآبار القديمة، وهي مياه ملوثة أو غير صحية على أقل تقدير، ما قد يتسبب بكارثة في حال استمرار شربها من الأهالي”.

وعن واقع الإغاثة في الغوطة الشرقية، قال أبو يحيى إن “المنظمات لا تستطيع تأمين الحاجات الأساسيات لكافة فقراء الغوطة بسبب ارتفاع نسبتهم”، وذكرَ أنّ “العائلة المكونة من أربعة أفراد تحتاج وسطياً إلى 10 آلاف ليرة يومياً (19 دولاراً) لتأمين بعض احتياجاتها الأساسية، بالإضافة إلى وجبتي طعام فقط”.

كما لفت إلى وجود أزمة سكن في الغوطة قائلاً إن “عائلات كثيرة تسكن البراري في خيم بدائية، أو في المناطق القريبة من الجبهات العسكرية، لأنها رخيصة الإيجار، حيث يبلغ إيجارها الشهري نحو 10 آلاف ليرة، أما في وسط المدن كدوما مثلاً فيبلغ الإيجار نحو 30 ألف ليرة (58 دولاراً) شهرياً، وهذا أكثر من متوسط الدخل في الغوطة لمن لديه عمل”.




المصدر