نيو يورك تايمز: لا يمكن للجنرالات أن ينقذونا من ترامب

أحمد عيشة

وزير الدفاع جيمس ماتيس، وهو جنرال متقاعد من البحرية. روسلان رحمان/ وكالة الصحافة الفرنسية – صور جيتي

خلال مؤتمرٍ عقد مؤخرًا في سنغافورة، سأل أحدهم وزيرَ الدفاع، جيمس ماتيس، عما إذا كنا -في ظل انسحاب الرئيس ترامب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، واتفاق باريس بشأن المناخ- “نواجه الدمار”، في النظام الذي تقوده الولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب. وبتعديلٍ على ملاحظة أبا إيبان (غالبًا ما تُعزى إلى تشرشل)، أجاب الجنرال السابق: “الدب معنا. وبمجرد أنْ نستنفد جميع البدائل الممكنة، فإنَّ الأميركيين سيفعلون الشيء الصحيح”.

إنّه ماتيس العتيق: بارعٌ، ومثقفٌ وواثق في مستقبل بلاده. ولكنّه كان أيضًا مشتتًا؛ مما يشير إلى أنّه غير متفقٍ مع الرئيس ترامب، لكنه لم يتمكنْ من فعل الكثير حيال ذلك.

ينبغي أنْ نكون جميعًا مشوشين في هذه الأيام. في بداية الإدارة، كان معظم الديمقراطيين (بما فيهم أنا)، وحتى عددٌ قليل من الجمهوريين، يأملون صراحةً ​​أنَّ جنرالات قادة، وجنرالات سابقين -من أمثال السيد ماتيس، وجون كيلي في الأمن الداخلي، وماكماستر في مجلس الأمن القومي (الذي حلَّ محل الجنرال المتقاعد مايكل فلين، الموالي لترامب) – سوف يكبحون غرائز السيد ترامب السيئة. وفي يوم الجمعة، نقل السيد ترامب، السيد كيلي إلى البيت الأبيض ليتولى منصب كبير موظفيه، وليحل محل ريس بريبوس، مؤكدًا على أنَّ خلفيته العسكرية ستجلب النظام إلى إدارةٍ مضطربة.

ولكنْ بعد ستة أشهر، يبدو أنَّ الأمل كان في غير محله؛ لم يفعل الجنرالات إلا القليل من أجل كبح السيد ترامب، ناهيك عن إعطاء شكلٍ ما لسياسةٍ خارجية غير متماسكةٍ على نحو خطير.

لنفكر في كوريا الشمالية: بما أن بيونغ يانغ تجاهلت بشكلٍ صارم تباه ترامب العسكري، أوضح أنَّ الولايات المتحدة تعوّل على الصينيين لممارسة ضغطٍ مالي؛ وأشاد بمهارات كيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية. وعرض التفاوض. وبعد بضعة أشهر، تخلى السيد ترامب عن هذه المقاربة، وأغلق الباب أمام الصينيين، وعاد إلى التهديدات العسكرية.

وفي الوقت نفسه، في الشرق الأوسط، أثار السيد ترامب الارتباك حول السياسة الأميركية تجاه سورية، وحرّض على العزلة الإقليمية لقطر، وهي مقرٌ لقاعدةٍ عسكرية أميركية مهمة، وشجّع على المواجهة المزعزعة للاستقرار بين السعودية وإيران.

وخلال زيارة السيد ترامب الحمقاء لأوروبا، رفض أنْ يؤكد التزام البلاد بالمادة الخامسة من معاهدة واشنطن -التي تشكّل المحور الرئيس للأمن الجماعي الأوروبي- وخاطب بعجرفةٍ الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي للإنفاق أكثر على الدفاع. وعلى الرغم من أنه تراجع عن زلته، لكنَّ العلاقات عبر الأطلسي ما تزال هشة.

في الآونة الأخيرة، أعلن السيد ترامب الأسبوع الماضي أنه سيتم منع الأميركيين المتحولين جنسيًا من الخدمة العسكرية -مصيبًا البنتاغون بالدهشة ومنقلبًا على عملية مراجعةٍ داخلية طويلة الأمد. بعد كل حادثة، تسربت القصص عن كيفية إبعاد الجنرالات من قبل مستشارين مثل ستيفن بانون، أو تركهم للنسيان.

وعلى الهامش، يمكن للجنرالات أن يخففوا من دوافع رئيسهم، وأحيانًا يواجهون السيد ترامب بطرقٍ بسيطة، كما فعل السيد ماتيس، عندما رفض أنْ يمدح السيد ترامب في اجتماعٍ متلفز للحكومة، في حزيران/ يونيو. هناك انتصاراتٌ صغيرة: تمكَّن الجنرال ماكماستر الأسبوع الماضي من استبعاد ديريك هارفي، الموالي للجنرال فلين، حيث كان يشغل منصب المستشار الأول لشؤون الشرق الأوسط، والمتشدد تجاه إيران، من مجلس الأمن القومي.

جون كيلي في مؤتمر صحفي في البنتاغون عام 2016. مانويل بالس سينيتا/ أسوشيتد برس

ولكن من غير المرجح، أنَّ الجنرالات سيكبحون باستمرار السيد ترامب على المستوى الاستراتيجي. الجنرال جوزيف دانفورد الابن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، وعلى الورق على الأقل، هو قناة التواصل العسكرية للرئيس ومستشاره، نادرًا ما يعقد اجتماعاتٍ فردية مع السيد ترامب. وكان السيد كيلي، الجنرال البحري السابق، الذي شغل منصب وزير الأمن الداخلي، حيث كان الكثيرون يأملون أنْ يهدئ الرئيس بخصوص الهجرة، يبدو أنَّه يشاطر وجهات نظر السيد ترامب في السياسة، ويبدو أنَّه لا يميل إلى تحديّه. من غير المرجح أنْ يتغير الآن لأنه رئيس الأركان.

كان الاعتماد على الجنرالات دائمًا مشكوكٌ فيه، وهي خطة مخصصة مقلقة نفذها السيد ترامب بشكلٍ فريد. ليس من المفترض أنْ يصنع الجنرالات السياسة، ناهيك عن الانخراط فيها.

في منتصف الخمسينات، لاحظ العالم السياسي صمويل هنتنغتون أنّ ضباط الجيش الأميركي قد تطوروا إلى مجموعةٍ منضبطةٍ من المهنيين، وغير سياسية إلى حدٍّ كبير. وأوضح الفصل بين الأدوار: الطاعة العسكرية للقادة المدنيين في مجالات السلطة الاستراتيجية أو السياسية، واحترام المدنيين للجيش، بما يخص المسائل التنفيذية.

وكانت هذه هي القاعدة حتى بعد فيتنام، حيث خلص العديد من العلماء الذين قاموا بتفحص الحالة ما بعد الحرب -بما فيهم، من قبيل الصدفة، الجنرال ماكماستر في كتابه (إهمال الواجب) – إلى أنه كان يتوجب على القادة العسكريين أن يتحدّوا القادة المدنيين بشكلٍ أكثر قوةً.

ومع مرور الوقت، هذا ما حدث، حصل البنتاغون على تفويضٍ أوسع بعد 11 أيلول /سبتمبر، متغلغلًا في ما كان يُعدّ في السابق إنفاذ القانون ومضمار الدبلوماسية، وأصبح الخط الفاصل بين التقسيم المدني والعسكري غير واضحًا، ووصل التحالف الى ذروته، عندما أوكل الرئيس جورج بوش المحاصر بالمتاعب والمشكلات، إلى الجنرال ديفيد بترايوس مهمة تخليص الولايات المتحدة من مستنقع العراق، من خلال “الطفرة” في عام 2007.

أعاد الرئيس باراك أوباما تأكيد السيطرة المدنية، عندما أعفى الجنرال ستانلي ماك كريستال، في عام 2010، وسحب الجيش من العراق في عام 2012.

ولا تزال السيطرة المدنية سليمةً نوعًا ما، غير أنَّ القيادة المدنية تغيّرت. وخلافًا للسيد أوباما الذي تولى المسؤولية عن أعمال إدارته العسكرية، فقد ضحى ترامب علنًا ​​بالقوات العسكرية لصالح أحداثٍ مدمرة سياسيًا، مثل الغارة الفاشلة في اليمن التي توفي فيها قائد بحري واحد، و30 مدنيًا في شباط/ فبراير. كما كان صراحةً على خلافٍ مع السيد ماتيس حول التعذيب، ومع وزارة الخارجية حول تخفيضات الميزانية وتغير المناخ.

الجنرال ماكماستر، تصوير آل دراغو/ نيويورك تايمز

ومع ذلك، كان هناك أملٌ، بالنظر إلى المودة الظاهرة للسيد ترامب لجميع الأشياء العسكرية، فلا بد أن يأخذ الجنرالات، في نهاية المطاف، بعض السيطرة على السياسة الخارجية، خاصةً بعد أنْ حلَّ الجنرال ماكماستر محلَّ السيد فلين في مجلس الأمن القومي.

هذا لم يحدث. وبدلًا من ذلك، قام السيد ترامب ببساطة بتهميش مجلس الأمن القومي، ودوره في تنسيق السياسة الخارجية، مخفضًا منزلته حتى الحضيض. وما يزال الجنرالات في إدارة ترامب يجلسون خارج دائرة الرئيس الداخلية. واعترف الجنرال ماكماستر بأنّ السيد ترامب ذهب إلى اجتماعه الخاص مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في قمة مجموعة العشرين، في الشهر الماضي من دون جدول أعمال. في الواقع من دون الجنرال ماكماستر.

لقد فشل الجنرالات لأنّ كل ما لديهم من الخبرة والبصيرة، لم تناسب هذه المهمة. إنهم رجالٌ عسكريون، وليسوا رجال دولة، وهذا ليس قليلًا. ومن النادر أن يتمكن ضابطٌ من الانتقال من العمليات إلى السياسة والاستراتيجية، كما لاحظ إليوت كوهين في كتابه (القيادة العليا).

يفتقر الضباط إلى الفطنة الدنيوية السليمة للزعيم المدني، ويعرف الجيدون منهم ذلك. (من الواضح أنَّ السيد كوهين -وهو أحد النقاد الجمهوريين الأكثر شدة لترامب- لم يضع الرئيس الحالي في اعتباره اقتراح الزعيم المدني المثالي).

وعلاوةً على ذلك، فإنَّ معظم الجنرالات -من أمثال دوغلاس ماك آرثر كونه استثناء نادر- يدركون تمامًا تسلسل القيادة، ويتحدّون بشكلٍ غير مريح مباشرةً للقائد العام. وهذا ما يجعل تعليق السيد ماتيس في سنغافورة مفاجئًا جدًا، ومن غير المرجح أنْ نسمع المزيد في هذا السياق. وقد يؤدي السيد كيلي، بوصفه رئيس الأركان، إلى زيادةٍ هامشية في التواصل والتنسيق بين ترامب ومجلس الأمن القومي، ولكن من غير المرجح أنْ يحسن النوعية الجوهرية للسياسة الخارجية والأمنية.

إذن من أين سيأتي الحكم على سياسة السيد ترامب الخارجية غير الكفؤة؟ ليس من وزارة الخارجية التي يحاصرها ويقودها، في الوقت الراهن، شخصٌ غير مؤهل مثل ريكس تيلرسون. ولا يمكن إلا للكونغرس، بحزبيه، أنْ يقيّد التهور، وعدم الكفاءة لدى السيد ترامب.

ببطءٍ، هذا التقييد يتجسد. يستخدم الكونغرس سلطته في الميزانية لرفض التخفيضات الجذرية التي قام بها السيد ترامب في ميزانية المساعدات الخارجية، ومقاومته بشكلٍ كبير في وزارة الخارجية. والأهم من ذلك، وبشكل غير متعارف عليه، فهو يعارض سياسة إدارة ترامب التي يعتبرها غير سليمة، بعد أن أصدر قرارًا يؤكد مجددًا الالتزام الأميركي بحلف الناتو، وصوّت بأغلبيةٍ ساحقة لفرض عقوباتٍ جديدة على روسيا.

ولكن حتى في أفضل أيامه، يُعدّ الكونغرس آليةً لا يمكن الاعتماد عليها، وغير عملية لإدارة السياسة الخارجية، ولا بديلَ عن رئيسٍ تنفيذي حكيم، ومجلس أمنٍ حاذق.

اسم المقالة الأصلي The Generals Can’t Save Us From Trump الكاتب* جوناثان ستيفنسون، Jonathan Stevenson مكان النشر وتاريخه نيو يورك تايمز، The New York Times، 28/7 رابط المقالة https://www.nytimes.com/2017/07/28/opinion/sunday/mattis-mcmaster-foreign-policy-trump.html ترجمة أحمد عيشة

*- جوناثان ستيفنسون، زميل بارز في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ومدير مجلس الأمن القومي للشؤون السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في الفترة من 2011 إلى 2013.

المصدر