بالوثائق -“اتفاق الجنوب السوري” يقظة لحلم استيطاني قديم للوكالة الصهيونية


أيمن أبو جبل

لم نسمع من قبل عن احتلال مرتفعات الجولان السورية من قبل القوات الإسرائيلية أثناء حرب 1948، عام النكبة الفلسطينية، واغتصاب الوطن التاريخي الفلسطيني وتشريد سكانه إلى الشتات، ولم تتحدث أيٌّ من المصادر السورية أو العربية الرسمية، عن محاولات القوات الإسرائيلية احتلال الجولان السوري، في تلك الفترة التي شهدت أحداثًا ومتغيرات إقليمية ومحلية، ما زالت تعكس بظلالها حتى يومنا هذا.

يفتح اتفاق الجنوب السوري، وترسيم حدود المنطقة الجنوبية الآمنة، الذي ترعاه الولايات المتحدة وروسيا بشكل مباشر، والأردن و(إسرائيل) بشكل غير مباشر، شهيةَ المطامع الإسرائيلية حول منابع المياه، والمخزون الجوفي لحوض اليرموك وأراضي اللجاة الغنية بالمياه الجوفية، بغياب وتهميش واضح للدور السوري، حكومة مرتهنة للقرار الروسي، ومعارضة ضعيفة عاجزة، وفي الوقت نفسه، هذا الاتفاق يُعيد فتح صفحات من تاريخ الأطماع الصهيونية في منطقة الجولان وحوران، خاصة حين يُركّز عرابو هذا الاتفاق على ضرورة إخراج الخرائط الجيولوجية من الرفوف القديمة، لتكون جزءًا من الخارطة السياسية المقترحة للمنطقة الجنوبية الآمنة التي تشمل المياه ومصادر المياه الجوفية في حوران.

في استحضار لبعض الوثائق والمستندات الإسرائيلية التي أفرجت عنها الرقابة العسكرية الإسرائيلية، بعد أكثر من 60 عامًا من السرية، والتي تخص الصراع العربي-الإسرائيلي، وخاصة ما يتعلق بالعمليات والبرامج الإسرائيلية ضد سورية، وإضافة إلى الكشف عن بعض الخطط والعمليات العسكرية الإسرائيلية لاحتلال مرتفعات الجولان السورية؛ تم كشف النقاب عن عمل أول فرقة للمستعربين في الجيش الإسرائيلي، وقد اتخذت سورية أوّلَ هدفٍ لها في عملها، واستطاعت دخول الأراضي السورية كـ “مُهرّبين”، والالتقاء بجنود سوريين، في موقع تل أبو الندى، وتزويد (إسرائيل) بمعلومات عن التحركات السورية، إضافة إلى أنها استطاعت دخول الأراضي السورية والوصول الى العاصمة دمشق، والإبلاغ -أولًا بأول- عن الانقلاب العسكري الذي نفّذه حسني الزعيم في سورية، في آذار/ مارس 1949، إضافة إلى تزويد الجيش الإسرائيلي بمعلومات عن حملة الجيش السوري العسكرية ضد قرى شمال الجولان، في الخمسينيات من القرن الماضي، بعد افتضاح أمر عملاء الوكالة الصهيونية في الجولان.

تكشف الوثائق أيضًا عن فرقة الأقليات في الجيش الإسرائيلي، التي قام بالإشراف عليها “يغال ألون” عام 1949، ونجاح 15 جنديًا من الفرقة في اجتياز جسر بنات النبي يعقوب، ووضع وسائل تنصت على أجهزة اللاسلكي والهاتف، واشتباكها مع فرقة سورية من خيالة الشركس، ومحاولات سرقة الأبقار والمواشي من قرى البطيحة، تحت إشراف الزعيم الإسرائيلي يغال ألون.

فكرة احتلال الجولان والاستيطان اليهودي فيه، تعود إلى ما قبل تبلور مشروع الصهيونية السياسية على يد المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في مدينة بازل السويسرية عام 1897، وأقر إقامة ما سمي بـ “الوطن القومي اليهودي” في فلسطين، بعدة سنوات. حيث بدأت الأنظار الصهيونية تتجه نحو منطقة حوران التي كانت تتبع إداريًا حينذاك لإقليم الجولان.

ووفق الرسالة التي أرسلها يهوشع حنكين من الوكالة اليهودية، في أيار/ مايو 1919، “لمجلس النواب في أرض (إسرائيل)” الذي ترأسه حاييم وايزمن، طالب فيها بالموافقة على شراء 4 مليون دونم، إضافة إلى أراضي حوران والقنيطرة البالغة 390 ألف دونم، من أجل بدء الاستيطان اليهودي، وتمت الاستعانة بـ “اللجنة الفلسطينية” التي أسسها “البارون أدموند روتشيلد”، لشراء أراضٍ في قرى سحم الجولان، جلبينية والرمثانية وحوران، وتقدّر مساحتها بنحو مئة ألف دونم، بواسطة عملاء يهود من لبنان.

ولأن القانون العثماني آنذاك كان يمنع بيع الأراضي التي تملكها الدولة (الميري) في سورية وفلسطين، لليهود الذين لا يحملون الجنسية العثمانية، قام مدير أعمال البارون روتشيلد المدعو “الياهو شديد” بزيارة القسطنطينية والتوسط لدى السلطة العثمانية التي سمحت بدخول 200-300 عائلة يهودية سنويًا إلى مناطق حوران والاستيطان في الأراضي التي تمّ شراؤها هناك؛ ما أدى إلى وصول نحو 25 عائلة يهودية إلى القرى المذكورة، منها قرية (بير الشكوم – سكوفيا) بني يهودا في الجولان، ولكن سرعان ما أجبروا على الرحيل، نتيجة صعوبة التأقلم مع الأوضاع الجديدة والتعرض لهجمات السكان الأصليين بين الحين والآخر؛ الأمر الذي دفع حاكم دمشق العثماني “كاظم باشا” إلى إصدار أمر بطردهم من هذه المناطق. وعلى الرغم من تداخلات “البارون روتشيلد”، لدى القسطنطينية والسماح لهم بالعودة، شرط عدم إدخال عائلات جديدة أو بناء بيوت أخرى، إلا أن العائلات رفضت العودة، وأضحى المكان خاليًا من المستوطنين اليهود الذين خشوا على حياتهم ومصيرهم في بيئة لا يتحملون شروطها وأوضاعها.

بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، واتفاقيات (سايكس – بيكو) وتقاسم الدول الاستعمارية الغربية تركة الإمبراطورية العثمانية في منطقتنا العربية؛ تجددت الجهود الصهيونية لإحياء الاستيطان في منطقة الجولان وحوران، حيث توسطت شركة “بيكا” اليهودية لدى ملك سورية الملك فيصل، الذي أصدر قرارًا بإعادة الأراضي التي صادرها الأتراك إلى اليهود، بعد توقيعه على اتفاق مع “حاييم وايزمن” لعلاقات حسن الجوار، والأخوة بين الدولة العربية والدولة اليهودية التي سيعلن عنها بمساعدة بريطانيا العظمى. وبالفعل أبرمت الشركة عقود تأجير مع الفلاحين العرب، أصحاب الأرض الحقيقيين، تقضي بأن تنال الشركة ربع المحصول المُنتج من الأراضي، واستمرت الأوضاع على هذه الحال حتى صدور قرار بإلغاء ملكية الشركة للأرض من قبل السلطات السورية عام 1948، بناءً على قرار محكمة قانونية سورية في درعا، رفضت التصديق على ملكية اليهود لتلك الأراضي، لوجود مشروع سياسي يهودي يتم فيه سرقة الأراضي من الفلاحين العرب.

ولإلقاء المزيد من الضوء على الأطماع الإسرائيلية في الجولان وحوران، عبر التاريخ الصهيوني، يجب أن نستحضر بعض المواقف والأحداث التي عملت خلالها الوكالة الصهيونية.

محاولات احتلال أراضي الجولان وحوران قانونيًا (1920 – 1948)

* رئيس مجموعة الطلائع اليهودية في روسيا يوسف ترومبلدور (من أصدقاء فايتسمان المقربين) وخلال مؤتمرها المنعقد في بطرسبرغ في تاريخ 6/ 1/ 1919، خاطب المشاركين ولا سيّما اليهود الشباب: “عليكم بالهجرة إلى أرض الآباء والأجداد فورًا، والتوجه إلى منطقة حوران والجولان، هناك سنقيم فرق الجيش العسكرية، لتقوم بفتح أراضي جديدة نبني فيها كومونات يهودية كما نرغب نحن، ونفرض الأمر الواقع على اليهود وغير اليهود بالتسليم بوجودنا”.

* كتب ديفيد بن غوريون سنة 1918 عن الدولة اليهودية، يقول إن هذه الدولة “تضم النقب برمته، ويهودا والسامرة، والجليل، وسنجق حوران، وسنجق الكرك (معان والعقبة)، وجزءًا من سنجق دمشق (أقضية القنيطرة ووادي عنجر وحاصبيا) وأراضي حوران والباشان والقنيطرة.

* تقرير حاييم فايتسمان عن حالة الاستيطان إلى مجلس الوكالة اليهودية المؤرخ في 2 شباط/ فبراير 1920 أن “خطة محكمة وجدية في العمل والتنفيذ لجلب اليهود وتشجيعهم على الهجرة إلى الوطن القومي من شأنها أن تجمع 4 ملايين يهودي، إذا استطعنا شراء أراضي في محيط نهر الأردن، نظرًا إلى خصوبة الأراضي ووفرة المياه، وعدم وجود كثافة سكانية من العرب”. ويضيف في تقريره “نظرًا إلى الأوضاع الأمنية في مصر وسورية، يجب علينا أن نعمل على بناء جيش احتلال صغير، جيش يهودي بكل معنى الكلمة، تحت إشراف بريطانيا العظمى، للدفاع عن الوجود والاستيطان اليهودي” ويقترح خطة توطين يهودية من “طلائع اليهود العقائديين بالفكر الصهيوني، ومن المفضل أن يكونوا من مناطق القوقاز، ومن الجنود والمقاتلين المؤهلين، ومن مزارعين لديهم خبرة في الزراعة، ولدينا عدد من اليهود يبلغ نحو 60 – 70 ألف يهودي، وهم مستعدون ليكونوا أولئك الطلائع لتأسيس الوجود اليهودي في الجولان، وسيشكلون النواة الصلبة للاستيطان اليهودي غربي وشرقي نهر الأردن”.

* في ربيع 1930، قام ممثل الوكالة اليهودية “يهوشع حنكين”، بإجراء مفاوضات مع ثلاثة من أبناء عبد الرحمن (من السكان المحليين في الجولان) لشراء أراضيهم في البطيحة وأراضي أخرى، يمتلكونها في مختلف أنحاء الجولان. وتُقدّر مساحتها بنحو 700 ألف دونم، وقد أبرق ممثل الوكالة إلى “فايتسمان”، يُبشّره بأنه اتفق مع ورثة عبد الرحمن، لبيع 700 ألف دونم شمال شرق بحيرة طبريا في عمق سهل البطيحة حتى القنيطرة، مقابل مليون جنيه إسترليني، وهذه الأراضي قريبة من أراضي البارون روتشيلد، و”سوف يتوفر أمامنا رقعة جغرافية واحدة تمكننا من خلق سلسلة استيطانية واحدة ضمن بقعة جغرافية واحدة”. ومن أجل ضمان جودة الأراضي المعروضة للبيع أرسلت دائرة أراضي (إسرائيل)، بطلبٍ من بن غوريون، مختصين (مهندسين) لمعاينة الأراضي، وبالفعل فقد عاينوا الأراضي على مدار ثلاثة أيام، من تاريخ 3 ولغاية 7 تموز/ يوليو 1930، وابتدؤوا جولتهم في البطيحة ذاتها مرورًا بقرية المسعودية، بيت صيدا والكرسي وفيق وجنوب خسفين، وتوجهوا شمالًا إلى قرية الفرج، القنيطرة، تل البزاق، وقبة قرع، وخلصوا إلى نتيجة أن الأرض غير ملائمة للاستيطان عدا مساحة 40 ألف دونم في سهل البطيحة، وأما باقي الأراضي، فمن الممكن استغلالها لخلق تواصل جغرافي مع أرض فلسطين غربي بحيرة طبريا، ومن الممكن أن تستغل لرعي الماشية والأبقار.

– توطين اليهود في بير الشكوم “بني يهودا”

في آذار/ مارس 1929، طلب “يتسحاق بن تسفي” ممثل حركة الهستدروت الصهيونية في القدس، من المركز الزراعي الصهيوني تهيئة نواة شبابية للاستيطان في “بنى يهودا”، وهي على حد زعمه قرية سكنها اليهود على مدار مئات السنوات، وهي تشكل بوابة حوران، فإن استطعنا إنقاذ “بني يهودا” فإن ذلك دليل على قدرتنا في استيطان منطقة حوران، وإن فشلنا فستنعدم الفرص والآمال مستقبلًا لتحقيق حلمنا.

في 7 تموز/ يوليو 1933، كتب الياهو ايلات من الدائرة السياسية للوكالة اليهودية، إلى صديقه “موشى شاريت” رئيس الدائرة السياسية للوكالة، يبلغه فيها عن توفر الإمكانات لشراء 450 ألف دونم شرقي بحيرة طبريا، تعود ملكيتها إلى عائلات عربية “محترمة” ترغب في البيع.

وخلال تلك الفترة، قرر زعماء الحركة الصهيونية شراءَ أراضي من أصحابها، ودفع القسم الأول من المستحقات، قبل تصديق عملية البيع والشراء لدى المحاكم السورية، وممثل سلطة الانتداب الفرنسي -كما تنص عليه قوانين البيع والشراء في تلك الفترة- وشملت الأراضي مناطق كبيرة من البطيحة وأراضي تعود ملكيتها إلى نحو 47 قرية سورية منها قرية خسفين وقصرين، إلا أن الفرنسيين، لرفضهم الاستيطان اليهودي داخل مناطق نفوذهم في سورية، توجهوا إلى زعماء حوران، ليصدروا قرارًا يمنع الفلاحين وملاك الأراضي السورية من إجراء أي عملية بيع أو شراء مع اليهود.

في تاريخ 24 أيار/ مايو 1935، تم تأسيس شركة تطوير الجولان والبطيحة من قبل يهود، شريطة أن تكون نسبة الأسهم منها لسوريين، بهدف خفي من قبل اليهود “لشراء أراضي لتجاوز الاعتراضات الفرنسية والسورية على البيع”.

ملخص المشاريع الصهيونية لشراء أراضي في الجولان التي أشرف عليها كل من حاييم فايتسمان وموشيه شاريت ودافيد بن غوريون، بين السنوات 1924-1936

1924 خطة العامل الشاب في حوران، موافقة فايتسمان على شراء 200 ألف دونم في حوران.

1926 توطين يهود فرنسا في المناطق القريبة من منطقة حوران، وحوار فايتسمان مع المندوب السامي الفرنسي في دمشق.

1928 بن غوريون يطلق دعوته لليهود للاستيطان في حوران.

1929 الصراع مع السوريين من أجل استملاك أراضي قرية بير الشكوم “بني يهودا”، في الجولان.

1930 برنامج أحد قادة الاستيطان “حنكين” لشراء 700 ألف دونم بالجولان وقرى البطيحة، بالتنسيق مع الأمير الإقطاعي الفاعور، وجهود مكثفة لبن غوريون مع الفرنسيين، للمصادقة على عملية البيع والشراء.

1933 محاولة موشي شاريت لشراء 60 ألف دونم في مناطق الحمة.

1934 نجاح الوكالة الصهيونية في شراء 300 ألف دونم في مناطق قرى البطيحة.

تموز/ يوليو 1934 تجديد المحاولات لشراء أراضي من الفلاحين في أي قرية من قرى الجولان، تحت إشراف بن غوريون وتشجيعه.

1935 البريطانيون يمنحون موافقتهم لبن غوريون على شراء كل أراضي الجولان وحوران، إن استطاعت الوكالة الصهيونية تجاوز المعارضة والموقف العربي المحلي، ورفض الانتداب الفرنسي، حيث إن يهود سورية، ويهود فرنسا رفضوا الهجرة والاستيطان في هذه المناطق التابعة للسيطرة الفرنسية “في سورية”.

هوامش:

(1) (*) قرية بير الشكوم منطقة في جنوب الجولان غربي قرية العال السورية المدمرة، وشمال شرق قرية النقيب ترتفع نحو 445 م عن سطح البحر، سكن القرية مجموعة من اليهود الذين سكنوا بلدة صفد عام 1887، تحت اسم جمعيتهم “بني يهودا”، وأسّسوا المستوطنة اليهودية الأولى في الجولان بمساعدة من المستشرق اليهودي الألماني أوليفانت بهدف إقامة مستوطنة زراعية بعد شراء أراضي، أثناء الحكم العثماني في منطقة الجولان. وبسبب عدم تقبّل السكان المحليين لليهود القادمين تركوا المستوطنة في عام 1890. وبعد ثماني سنوات، هاجرت عدة عائلات يهودية إليها لغاية عام 1913، حيث لم يتبق فيها سوى عائلة واحدة، تم قتلها بعد نزاعات مع السكان المحليين ومحاولتهم الاستيلاء على أراضيهم في محيط القرى المجاورة.

المصادر:

– الأرشيف الصهيوني المركزي في القدس (ملفات بن غوريون وحاييم فايتسمان).

– رسائل حاييم فايتسمان وموشيه شاريت.

– خطابات الحنان أورون موقع غولان أون لاين.

– أرشيف بيت ايغال ألون.

– الاستيطان.. الصهيوني في الجولان ـــ مأمون الحسيني.

– مجلة الدراسات الفلسطينية.




المصدر