on
“تحرير الشام” مستعدة لحل نفسها بالغوطة… وتترقب حملة في إدلب
muhammed bitar
يُعتبر إعلان “هيئة تحرير الشام” أنها مستعدة للاستجابة لِمَطالبِ حل بنيتها التنظيمية من قيادات وعناصر في الغوطة الشرقية، سابقةً في تاريخ التنظيم الذي تأسس بنهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، من قبل “جبهة فتح الشام” (النصرة سابقاً) بشكل أساسي، وفصائل أخرى أقل منها وزناً في شمال سورية. لكن ظروف المرحلة الحالية في عموم البلاد، والغوطة الشرقية خصوصاً، والتي دخل اتفاق “تخفيف التصعيد” فيها مرحلة التنفيذ قبل عدة أيام، وما رافقه من ضغوطٍ شعبية ضد “هيئة تحرير الشام”، كلها عوامل دفعت لقبولها بحل نفسها والاندماج بـ”كيان واحد يضم فصائل القطاع الأوسط”. لكن قرار فرع الغوطة من “النصرة” لم يؤثر على الموقف الأميركي من التنظيم، ولا على ما قالت صحيفة “قرار” التركية المقربة من الحكومة، إنه خطة أعدتها أنقرة لتنفيذ عملية عسكرية تستأصل بموجبها “النصرة” من إدلب.
وبحسب الصحيفة التركية الموالية، فإن أنقرة، بالتشاور مع التحالف الدولي، وضعت خطة من أجل تنفيذ عملية عسكرية مشتركة في إدلب، وذلك بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” على معبر باب الهوى مع تركيا. وعلى ذمة الصحيفة، فإنه “مع وصول معلومات تفيد بالتحاق عناصر تنظيم داعش الهاربين بصفوف هيئة تحرير الشام، يتم العمل على إنشاء حلف روسي أميركي تركي فرنسي من أجل شنّ عملية ضد التنظيم الإرهابي”.
في المقابل، قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، مايكل راتني، في بيان أمس، إن تغيير أسماء الكيانات التي يعمل من خلالها “النصرة” لن يغير من موقف وسياسة واشنطن تجاهها. وجاء في البيان “إن جبهة النصرة وقياداتها المبايعة للقاعدة سيبقون هدفاً للولايات المتحدة الأميركية أياً كان اسم الفصيل الذي يعملون تحته، وهذا التصنيف يشمل الجماعة والأفراد، وإن هيئة تحرير الشام هي كيان اندماجي وكل من ينضم ضمنها يصبح جزءاً من شبكة القاعدة في سورية”.
وجاء إعلان “الهيئة” في بيانٍ نشرته وكالة “إباء” التابعة لها مساء الثلاثاء، قالت فيه إن “ثورتنا (تمر) بمنعطف خطير (…) يتضح من خلال صناعة الشرخ في صفوف الثوار، وإلزامهم بمخرجات التفاهمات الدولية”، وفق تعبيرها. وأضافت أنها و”استجابة لمطالب وفود أهلنا من الفعاليات المدنية (فإننا في) هيئة تحرير الشام في الغوطة الشرقية، نعلن جاهزيتنا لحل أنفسنا في كيان واحد يضم فصائل القطاع الأوسط”. كما دعت في بيانها أهالي “الغوطة الشرقية للمسارعة إلى دعم هذا المشروع والدفع بقوة في سبيل تنفيذه وإفشال مخططات المصالحات”، بحسب البيان.
واعتبر الناشط السياسي في “حزب الجمهورية”، فادي كحلوس، أن “من أهم العوامل التي دفعت بهيئة تحرير الشام لهذا القرار، هو الضغط الشعبي الذي واجهته، والذي كان يطالبها بحل نفسها أو الخروج من الغوطة الشرقية”. وأكد أن “التظاهرات التي خرجت ضد الهيئة في دوما وكفربطنا وعربين وغيرها، وجهت رسالة واضحة لا لبس فيها برفض المدنيين لتواجد هيئة تحرير الشام بالغوطة الشرقية”. ولفت إلى أن هناك “أصواتاً مدنية من شخصيات اعتبارية بالقطاع الأوسط بالغوطة رفعت صوتها بضرورة استئصال الهيئة من المنطقة”.
وأضاف الناشط في “حزب الجمهورية” السوري المعارض، أن هناك “استياء عسكرياً ومدنياً كبيراً من الهيئة في الغوطة الشرقية”، ذاكراً أن “عناصر من الهيئة كانوا أطلقوا النار على إحدى التظاهرات التي خرجت ضدها في كفربطنا”. وتابع أن “حجم العنف المطبق من قبل النظام وروسيا بحق الغوطة الشرقية وخاصة القطاع الأوسط وتحديداً عين ترما وزملكا وعربين، وعلى الرغم من سريان اتفاق تخفيف التصعيد، يشكل عاملاً إضافياً هاماً زاد من سخط المدنيين ورفضهم لوجود الهيئة في الغوطة، كون النظام وروسيا يتذرعان بوجود عناصرها كي يستمرا بالقصف وقتل المدنيين”.
كما أن ارتباطات الهيئة بفصائل عسكرية في الغوطة الشرقية، باتت متصدعة، بحسب الناشط كحلوس، الذي قال إن “الخلاف الحاصل ما بين الهيئة وفيلق الرحمن أدى لفك الارتباط الذي كان قائماً بين الجانبين”. وأشار إلى أن “لفيلق الرحمن أساساً مرجعيات أخرى، بعد تحسن علاقاته مع جيش الإسلام، وأحد مخرجات ذلك ضرورة أن يفك الفيلق ارتباطه بهيئة تحرير الشام”، وفق تأكيد المتحدث نفسه.
وعبر عدد من الناشطين في الغوطة الشرقية، ممن تواصلت معهم “العربي الجديد”، عن ارتياحهم لإعلان “الهيئة” جاهزيتها حل نفسها، بانتظار أن يتم تنفيذ ذلك، وهو ما لم تتضح آلياته. فهذه “الهيئة” تحدثت عن أنها مستعدة لحل نفسها ضمن “كيان واحد يضم فصائل القطاع الأوسط” الذي يُعتبر تحت سيطرة “فيلق الرحمن” ولا توجد فيه إشارة لـ”جيش الإسلام”، علماً أن التوتر والصدام الذي كان سائداً بين هذين الفصيلين، شهد انكساراً في حدته خلال الأيام الأخيرة. وفيما اعتبر بعض الناشطين في الغوطة أن قرار “الهيئة” يُعتبر رضوخاً منها للضغوط الشعبية، ولإدراكها حساسية المرحلة بعد إقرار اتفاق “تخفيف التصعيد” في الغوطة، وأنه قد يسفر فعلاً عن انتهاء تواجد “الهيئة” بشكل نهائي هناك، وبالتالي سحب ذريعة النظام وروسيا في مواصلة قصف المنطقة، فإن آخرين عبروا عن اعتقادهم بأن القرار “مجرد مراوغة للالتفاف على الضغوط والظروف القائمة”.
وفي هذا السياق، حذرت واشنطن من أنها لن تتعامل “مع أية واجهة يتم إنشاؤها للتغطية على جبهة النصرة، أو تكون جبهة النصرة مشاركة فيها”، وفق ما ورد في بيان المبعوث الأميركي مايكل راتني، أمس. ففي رسالة واضحة إلى فصائل سورية قد تفكر بالاندماج مجدداً بكيان جديد يضم تنظيم “النصرة”، حذّر راتني من عواقب سيناريو كهذا. وقال “نعلم أن هناك أطرافاً انضمت لهيئة تحرير الشام لأسباب تكتيكية محددة وليس لتوافق فكري أو إيديولوجي، وننصح الجميع بالابتعاد عن عصابة (أبو محمد) الجولاني (جبهة النصرة) قبل فوات الأوان”.
ورأى الناشط محمد الحمصي، الذي كان قيادياً في أحد فصائل الغوطة الشرقية، قبل أن يترك النشاط العسكري، أنه و”عندما نتحدث عن (هيئة تحرير الشام) فهذا يعني أنها (جبهة النصرة)، ولو أنها أعلنت فك ارتباطها تنظيمياً بـ(القاعدة)، المرفوضة تماماً من القوى الكبرى الفاعلة في سورية، وحتى من البيئة الشعبية التي تنشط في مناطقها بالغوطة”. واعتبر أن “أفضل خيار للعناصر الذين انخرطوا ضمن النصرة هو الانخراط ضمن فصائل معتدلة ومقبولة شعبياً ودولياً”، على حد تعبيره.
وقال الناشط الذي عاش في الغوطة الشرقية لسنوات، وعاين عن كثب تفاصيل التوازنات العسكرية هناك، إن “فيلق الرحمن بعيدٌ كل البعد عن الهيئة فكرياً وتنظيمياً، لكنه اضطر بالسابق للتحالف معها لمواجهة جيش الإسلام، لكن الظروف الآن اختلفت”، وفق تعبيره. وأعرب الحمصي عن اعتقاده بأن “انخراط عناصر الهيئة ضمن هذا الفيلق لن يؤثر عليه سلباً من الناحيتين السياسية والعسكرية”، خاتماً حديثه بالقول إن “الهيئة التي لا تملك أساساً بالغوطة إلا نحو 300 مقاتل، ربما تكون قد اتعظت من الدروس السابقة في أن تواجد عناصرها ضمن منطقة ما، يجر على هذه المناطق وسكانها الخراب والتهجير مثل شرقي حلب ووادي بردى”.
المصدر