"فتح الشام" تدخل مرحلة مصيرية.. مؤشرات متزايدة لبدء القضاء عليها وهذه السيناريوهات المتاحة أمامها


مراد الشامي

مراد القوتلي - خاص السورية نت

دخلت هيئة "فتح الشام" مرحلة جديدة مصيرية تجعل بقائها ككيان مسلح على المحك، وأصبحت أمام سيناريوهات محدودة في ظل التوجه الدولي والإقليمي نحوها، وطريقة التعاطي معها في الاتفاقات التي يجري التوصل إليها لتهدئة التوتر في سوريا.

وتشير الوقائع إلى أن الهيئة أُدخلت بفعل القوى الكبرى الفاعلة بالملف السوري مرحلة العزلة، كخطوة تسبق بدء استهدافها بوتيرة أعلى من السابق، سواءً من قبل روسيا، أو طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، أو طيران نظام بشار الأسد.

وأمس الأربعاء 2 أغسطس/ آب 2017 أصدر المبعوث الأمريكي إلى سوريا "مايكل راتني" بياناً ملفتاً حول الهيئة يعكس نية بلده بالتصعيد ضدها خلال الفترة المقبلة، وأبرز ما قاله أن "أمريكا ستعتبر كل جهة يتم إنشاؤها للتغطية على فتح الشام أو تكون هي مشاركة فيها: "ملحقاً لمنظمة إرهابية وامتداداً لعصابة الجولاني" وفق ما جاء في البيان.

ويطرح التوجه الدولي الحالي للتعامل مع هيئة "فتح الشام" تساؤلات عدة عن سبب تأجيل مواجهتها بغية تحجيمها أو القضاء عليها؟، وكذلك السيناريوهات المتاحة أمام الهيئة التي يبدو أنها دخلت في مرحلة المواجهة المباشرة مع أطراف إقليمية ودولية.

إشكالية للمجتمع الدولي

الخبير في الجماعات المتشددة، عبد الرحمن الحاج، قال في تصريحات خاصة لـ"السورية نت" أن وضع جبهة "فتح الشام" في دائرة الاستهداف ليس بالأمر الجديد، لوجود قناعة لدى المجتمع الدولي بأن "فتح الشام" تساوي في المحصلة "جبهة النصرة" المرتبطة بتنظيم القاعدة المصنف على لوائح الإرهاب.

ويعتقد الحاج أن تأجيل التعامل مع "فتح الشام" كان يعود لأسباب عدة، من بينها أن الهيئة لا تملك أهدافاً خارج سوريا، على عكس تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي سيطر على مساحات واسعة من سوريا والعراق، وشكّل وجوداً فيزيائياً ضخماً حدّ من وجود الدول الإقليمية، وبالتالي كان يُنظر إليه أنه جهة يمكن أن تغيير من المعادلات الكبرى، لذلك انصبت الجهود على التنظيم، مشيراً في ذات الوقت إلى أن محاربة التنظيم لم تُغفل حذر الدول من "فتح الشام".

من جانبه، رأى الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ساشا العلو، أن كل المؤشرات الحالية تدل على أن قرار استهداف الجبهة قد اتُخذ، بدءاً من اتفاق مناطق "خفض التصعيد"، وصولاً إلى تصنيف "فتح الشام" من قبل أمريكا كجسد اندماجي وكل من ينضوي تحته في خانة الإرهاب، إضافة إلى محاولة توحيد بعض جبهات المعارضة لحرب الهيئة، مقابل إيقاف برنامج الدعم الأمريكي والذي جاء بجزء منه للضغط على فصائل المعارضة وتوجيه أهدافها باتجاه "فتح الشام" و"تنظيم الدولة".

وأشار في تصريحات خاصة لـ"السورية نت" إلى أن "فتح الشام" (جبهة النصرة) كانت تمثل إشكالية بالنسبة للمجتمع الدولي منذ انشقاقها عن "تنظيم الدولة"، إلى مرحلة فك البيعة مع القاعدة وتغيير التسمية والهيكلية، واعتبر أن تعقيدات الملف السوري أرجأت مواجهة "فتح الشام" بشكل مباشر طيلة الأعوام الفائتة.

وأرجع العلو أسباب ذلك بقوله أن "استهداف جبهة فتح الشام سابقاً كان سيؤدي إلى إعادتها إلى حضن تنظيم الدولة بشكل أو بآخر، الأمر الذي كان سيصعّب من مهمة مكافحة الإرهاب على المجتمع الدولي. أما اليوم فالتنظيم يتهاوى في العراق وسوريا، والظروف باتت مهيأة لإعادة ترتيب الأولويات وتقريب الأهداف المؤجلة".

وأشار العلو إلى أن الجبهة تمتعت لسنوات عديدة بغطاء إقليمي وإن لم يكن معلناً؛ وهو ما كان يؤجل استهدافها بشكل أو بآخر. إلا أن الأزمات السياسية التي تمر بها المنطقة، قد أدت إلى رفع هذا الغطاء، سواء تحت ضغط المجتمع الدولي، أو انتهاء صلاحية الجبهة، وتحولها لعبء على بعض الجهات الإقليمية.

ويضيف في ذات السياق، أن هوامش التحرك لدى "فتح الشام" مختلفة في المرحلة الحالية، نظراً لحدوث تفاهمات دولية وإقليمية، معتبراً أن اختلاف وجهات النظر في الملف السوري كان عائقاً أمام استهداف الهيئة.

استثناء الهيئة من وقف إطلاق النار

ويتمثل أحد الأهداف البارزة التي تسعى إليها روسيا من وراء إقامة مناطق "تخفيف التصعيد" بإعادة توجيه السلاح من الجبهات مع قوات النظام إلى الكيانات المصنفة على أنها إرهابية، وينعكس ذلك واضحاً في استثناء "فتح الشام" من جميع اتفاقيات مناطق "تخفيف التصعيد"، سواءً في الغوطة الشرقية، أو اتفاق وقف إطلاق النار جنوب غرب سوريا، وكذلك في منطقة "تخفيف التصعيد" التي أعلنت عنها موسكو، اليوم الخميس 3 أغسطس/ آب عن تشكيلها في شمال حمص.

ويرى كل من الخبير الحاج، والباحث العلو، أن تهدئة بؤر التوتر وتطبيق اتفاقيات مناطق "تخفيف التصعيد" سيُسرع من استهداف الهيئة في المرحلة المقبلة، ويرجح الحاج أن ضرب الهيئة سيتطلب جهوداً مختلفة عن جهود مواجهة "تنظيم الدولة" لكونها تضم مقاتلين محليين في صفوفها، ولوجود قاعدة شعبية مؤيدة لها في بعض المناطق.

ويضيف العلو سبباً آخراً لتأجيل استهداف الهيئة، قائلاً إن "وجود فتح الشام وتداخل نفوذها في مناطق المعارضة، كان مبرراً مهماً للأسد وحلفائه لاستهداف المعارضة ونقل الثورة إلى مستوى الأزمة والإرهاب، وهذا الهدف تحقق بنسبة كبيرة بالنسبة للأسد وحلفائه، ووصلت الأمور إلى فرض مناطق خفض تصعيد تُحيّد سلاح المعارضة عن الأسد، ما أفسح المجال للتفرغ لجبهة فتح الشام. أي أن الجبهة أدت وظيفة محددة داخل جسد الثورة، سواء عن قصد أو غير قصد، واليوم انتهت تلك الوظيفة".

خيارات الهيئة

وتدل مؤشرات المواجهة المباشرة والكثيفة لجبهة "فتح الشام" على أن الأخيرة لن يكون أمامها وقت طويل لاتخاذ قرارها المصيري، ويشير كل من العلو والحاج إلى اعتقادهما في أن لدى الهيئة فرص ضئيلة للنجاة بنفسها، وأرجعا ذلك إلى سلوك الهيئة الحالي الذي لا يشير إلى إقدامها على خطوة من شأنها أن تضمن البقاء لها، وتجنب عشرات آلاف المدنيين الموجودين في إدلب الويلات.

ويتوقع الحاج أن يجري مواجهة "فتح الشام" عسكرياً، وأن يكون لقوات المعارضة السورية وبينها فصائل من "درع الفرات" دور كبير في ذلك، بدعم تركي روسي ومن التحالف الدولي، واستبعد في نفس الوقت أي دور للقوات الكردية، لأن ذلك "يتطلب تفاهمات وتسويات" إقليمية بسبب الخلاف حول الأكراد، ويضيف أن وضع القوات الكردية في مواجهة مع الهيئة قد يقوي قاعدتها الاجتماعية خصوصاً إذا ما لعبت "فتح الشام" على وتر المشكلة القومية مع الأكراد.

ورجح الحاج أن تتشبث هيئة "فتح الشام" في مواقعها، وأن تفرض نفسها كأمر واقع، وأن تنقل المعركة إلى إدلب وبالتالي تسحق نفسها والمدنيين أيضاً، معللاً ذلك بأن "تاريخ القاعدة تاريخ مواجهة وليس انسحاب"، مضيفاً: "لو أرادوا الحفاظ على السكان عليهم أن يخرجوا الأجانب الذين يقاتلون معهم من إدلب وأن يحلوا أنفسهم"، وبذلك تجنب الهيئة نفسها من الاستهداف.

ويشير أيضاً إلى أنه من وجهة نظر "فتح الشام" فإنها تتعامل مع فكرة أنها أمر واقع، وأن ارتباطها بالمجتمع المحلي ووجودها على مقربة من الحدود السورية التركية، سيجعل المجتمع الدولي يتعاطى معها باستخاف لأنها لا تعاديه، ويضيف أن الهيئة تعتقد أيضاً أنه طالما يتعاطى المجتمع الدولي مع ميليشيات إرهابية شيعية، فإنه من الممكن أن يتعامل مع الهيئة أيضاً، لكنه اعتبر أن الأمر مختلف كلياً.

وفسر ذلك بقوله: "لأن الميليشيات الشيعية هي ميليشيات منظمة وتحت سلطة ايرانية مركزية ويمكن التحكم فيها. في حين أن الأيديولوجيا التي تحملها النصرة عابرة ولها تاريخ خاص مع الولايات المتحدة وبالتالي فرصة بقائها معدومة".

من جانبه، أشار العلو إلى أن فرص نجاة "فتح الشام" شبه معدومة، وذهب إلى أبعد من ذلك بقوله: "الأمر في اعتقادي يتعلق بما هو أكبر من هيئة تحرير الشام والجبهة، وهو تحجيم إن لم يكن إنهاء تجربة السلفية الجهادية وما أفرزته من أجيال للقاعدة في سوريا والمنطقة، فخلال تجارب القاعدة السابقة كانت بعض الجهات الدولية والإقليمية تسهل انسحاب بعض العناصر إلى دول أخرى كورقة لزعزعة الاستقرار والتوظيف الاستخباراتي في الوقت المطلوب، ولكن حتى هذا الخيار لا أعتقد أنه متاح في الوضع السوري والظرف الحالي، وذلك لجهة أن المنطقة لا تتحمل أي توتر جديد قد يعصف بها، سواء في الأردن أو لبنان أو تركيا".

وزاد على ذلك قائلاً: "كما أن عمليات تحصين الحدود من قبل الدول الإقليمية سواء تركيا أو الأردن أو العمليات الدائرة في جرود عرسال، تشير إلى محاولات حصر خطر تنظيم الدولة وجبهة فتح الشام بالوقت نفسه داخل سوريا. لذلك فالمواجهة تبدو حتمية عبر وكلاء محليين مدعومين إقليمياً ودولياً، ولابد أن تدرك فصائل المعارضة أنها إن لم تلعب هذا الدور أو تشترك به، ستقع بنفس خطأ المرحلة الأولى (تنظيم الدولة) وهي إخراجها من دائرة حرب الإرهاب في مرحلتها الثانية ضد جبهة فتح الشام".

ويحذر العلو من أن مواجهة "فتح الشام" لن يكون بالأمر السهل لأي من الجهات المحلية والدولة، "خاصة وأن عناصر جبهة فتح الشام يعدون مقاتلين عقائديين، إضافة إلى أن جغرافية المعركة قد تكون هذه المرة أصعب من سابقاتها مع تنظيم الدولة، سواء لطبيعة إدلب التي تختلف عن دير الزور والرقة جغرافياً، أو لناحية طبيعة الفصائل المقاتلة، لذلك فإن طول الوقت في مواجهة الجبهة يفتح الباب على سيناريوهات سيكون الخاسر الأكبر فيها المدنيين، وقد تقترب بإدلب إلى سيناريو الرقة والموصل".

واعتبر أن "الدخول القسري للنصرة وتنظيم القاعدة على خط الثورة السورية جر الكثير من الكوارث على المعارضة السورية، وكذلك خروجهم للأسف سيكون على حساب المعارضة السورية ومناطقها وحاضنتها الشعبية لجهة الدمار المتوقع والضحايا من المدنيين وحتى المكاسب السياسية، لذلك فإن تصدي فصائل المعارضة اليوم لجبهة فتح الشام، يعد فرصة؛ إن لم تندرج تحت باب تحقيق المكاسب؛ فإنها ضمن تخفيف الخسائر".

مصير الهيئة في مناطق خفض التصعيد

لا تزال "فتح الشام" تلتزم الصمت حيال مصير مقاتليها في المناطق التي تم الاتفاق على إقامة مناطق "تخفيف تصعيد" بداخلها، ويعتقد الحاج أن الهيئة ستتعامل مع تلك المناطق بحسب حجم قواتها الموجودة هناك، وستأخذ قرارها بحل نفسها أو نقل عناصرها إلى إدلب بناء على ذلك.

لكن الباحث العلو اعتبر أنه حتى في حال قرار "فتح الشام" بحل نفسها في بعض المناطق فإن هذا القرار لم يعد مقبولاً للمجتمع الدولي، إذ أن "الأخير لن يكرر خطأه مرتين بدمج قوى سيصعب الفصل بينها مستقبلاً، وفي هذا السياق فإن أي عروض قد توجه للهيئة بحل نفسها أتوقع أن الغاية منها إعطاء مبرر يسبق استهدافها من قبل بعض الفصائل كوكلاء محليين، إضافة إلى محاولة تحييد العنصر السوري وتحديداً الشباب داخلها، ولكن ليس الهدف بالفعل قبولها وتعويمها ضمن الفصائل".

ورجح العلو أن "تشهد المرحلة المقبلة موجة من محاولة توحيد فصائل المعارضة في مواجهة الهيئة، وخروج تشكيلات جديدة عبر اندماجات وغرف عمليات مشتركة مدعومة إقليمياً ودولياً. كما سنشهد محاولات لعودة حركة أحرار الشام على الساحة العسكرية في مواجهة جبهة فتح الشام، عبر إجراء تغييرات تنظيمية داخل الحركة ومحاولات إعادة إثبات الذات، ولكن باعتقادي أن أي تغيير من الأحرار إن لم يكن باتجاه خارج الحركة أي باتجاه باقي فصائل المعارضة، فلن يؤتي أي نتيجة إذ أن الحركة إذا لجأت لعملية التغيير الذاتي فقط عبر تغيير قيادات وتنظيم بنيوي داخلي، فلن يكون ذلك مجدياً في هذا التوقيت".

ومع استشعار الهيئة بحصرها من قوى دولية وإقليمية، توقع العلو أن تمنع الهيئة أي محاولات للفصائل لتشكيل جسد جديد يواجهها، وأنها "ستسعى لاستقطاب العنصر الأجنبي والاعتماد عليه في هذه الحرب، الأجانب الذين بدأوا يتحسسون الخطر بشكل كبير ولم يعد لهم أي ملجأ، لذلك من المتوقع أن يشكل الأجانب في المرحلة المقبلة قوة لا يستهان بها في جسد الهيئة أو الجبهة".

وختم العلو تصريحاته بالقول: "باعتقادي أن سيطرة هيئة تحرير الشام على مدينة إدلب جاء بتسهيل غير مباشر لإبرازها كخطر حقيقي ومهدد لم يعد يمكن السكوت عليه، ما يعطي مبرراً سريعاً لاستهدافها".




المصدر