‘كونراد أديناور شتيفتونغ: أيام من العنف في الحرم القدسي الشريف’
3 آب (أغسطس - أوت)، 2017
Idrak Editor
نشرت مؤسسة “كونراد أديناور شتيفتونغ” الألمانية بتاريخ 27 تموز/ يوليو 2017 دراسة تحت عنوان “أيام من العنف في الحرم القدسي الشريف”، تطرقت فيها إلى التطورات الأخيرة التي طرأت في الحرم القدسي الشريف، وسلطت الضوء على الاشتباكات العنيفة التي وقعت بين الفلسطينيين والقوات الأمنية الإسرائيلية، بعد مقتل شرطيين إسرائيليين في الحرم القدسي الشريف، فشددت الحكومة الإسرائيلية الإجراءات الأمنية حول المسجد الأقصى؛ ممَّا أدى إلى اندلاع موجة عنف واحتجاجات.
في الواقع أدت الإجراءات الأمنية المشددة، التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية في محيط المسجد الأقصى، إلى تأجيج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي اتخذ بعداً دينياً. ومنذ سنوات تخللت فتراتِ الهدوء السياسي فتراتُ تصعيد؛ لذلك كانت الأزمة الحالية منتظرة، علماً أنه كان من الممكن تفاديها.
انطلقت موجة العنف التي تشهدها القدس الشرقية والضفة الغربية منذ 14 تموز/يوليو الجاري، وذلك عقب مقتل شرطيين إسرائيليين على يد ثلاثة فلسطينيين عند مدخل الحرم الشريف. وتجدر الإشارة إلى أن الشبان الفلسطينيين ينحدرون من مدينة أم الفحم بشمالي إسرائيل، في حين ينتمي الشرطيان الإسرائيليان إلى الطائفة الدرزية.
ورداً على هذه العملية أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو بوضع بوابات إلكترونية في مداخل الحرم الشريف، وبغلاق المسجد الأقصى لمدة 24 ساعة لإجراء التحقيقات. وعلى ضوء هذه المعطيات تعذر أداء صلاة الجمعة لأول مرة منذ سنة 1969.
في المقابل احتج المفتي العام للقدس، محمد أحمد حسين، وعدد كبير من المسلمين على هذه الإجراءات الأمنية، حيث رفض العديد من المواطنين الفلسطينيين الامتثال للحواجز الأمنية، وأدوا صلواتهم على الطرقات والساحات خارج الحرم القدسي.
وفي 21 تموز/يوليو الماضي تظاهر عدد كبير من الفلسطينيين بشكل سلمي، لتتحول فيما بعد إلى اشتباكات عنيفة بين الفلسطينيين ورجال الأمن الإسرائيليين؛ ما أسفر عن مقتل أربعة فلسطينيين في القدس الشرقية. وفي المساء هاجم مواطن فلسطيني ثلاثة مستوطنين بسكين في مستوطنة حلاميش؛ ما أسفر عن مقتلهم متأثرين بالجروح .
وبتاريخ 23 تموز/يوليو، شددت إسرائيل إجراءاتها الأمنية في الحرم القدسي، وركزت أجهزة كاميرات مراقبة على طول مداخل الحرم القدسي الشريف. وخوفاً من حدوث أزمة دبلوماسية مع الأردن تمت إزالة البوابات الإلكترونية، على أن يتم تعويضها في المستقبل بإجراءات أخرى.
الأهمية الدينية للحرم القدسي الشريف
يكتسي الحرم القدسي الشريف أهمية بالغة بالنسبة للديانات المختلفة وخاصة الديانتين الإسلامية واليهودية؛ حيث أراد النبي إبراهيم أن يضحي بابنه إسحاق في هذا المكان بناء على أمر من الله سبحانه وتعالى. وأما بالنسبة للمسلمين فيضم الحرم القدسي الشريف قبة الصخرة والمسجد الأقصى، الذي يعتبر ثالث الحرمين الشريفين والمكان الذي أسرى منه الرسول (صلى الله عليه وسلم). ووفق اليهودية يعتبر المسجد الأقصى المكان الذي بني فيه هيكل سليمان، ويوجد فيه حائط المبكى.
حدود 1967
بعد الحرب العربية الإسرائيلية، التي وقعت سنة 1948، كانت منطقة القدس الشرقية تحت السيطرة الأردنية إلى حدود حرب الأيام الستة في سنة 1967، حيث تمكنت إسرائيل من احتلال هذه المنطقة. ومنذ ذلك الوقت أصبحت إسرائيل تسيطر على مداخل الحرم القدسي الشريف، في حين أصبح المسجد الأقصى تحت سيطرة مجلس الأوقاف بالقدس، الذي يتلقى دعماً مالياً من الأردن.
وبعد احتلال القدس الشرقية أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، موشيه دايان، أنه يمكن لليهود دخول الحرم القدسي لكن لا يمكنهم الصلاة داخله. وأراد دايان بذلك تجنب تحول صراع الشرق الأوسط إلى صراع ديني. وقد جاءت معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل سنة 1994 لتنص مجدداً على حدود 67.
لماذا غضب الفلسطينيون والإسرائيليون من الإجراءات الأمنية الإسرائيلية؟
يعزى الغضب الفلسطيني والإسلامي من الإجراءات الأمنية الإسرائيلية إلى ثلاثة أسباب. يتمثل الأول في أن إسرائيل اتخذت قرارها بشكل أحادي دون استشارة الحكومة الأردنية، أو السلطة الفلسطينية، أو مجلس الأوقاف. أما السبب الثاني، فهو تيقن الدول الإسلامية من رغبة إسرائيل في تقويض الاتفاق بشأن حدود 67. أما السبب الثالث، فيتمثل في رفض الفلسطينيين للبوابات الإلكترونية، التي تعتبر خطوة نحو تركيز الحواجز الأمنية التي لطالما أزعجت الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية.
لماذا لم يستفد عباس والسلطة الفلسطينية من الاضطرابات؟
أدان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الهجوم الذي استهدف القوات الأمنية الإسرائيلية، خلال مكالمة هاتفية أجراها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. في الحقيقة يعتبر مصير عباس على المحك نظراً لأنه فقد دعم الشعب الفلسطيني، الذي يعتبر أن السلطة الفلسطينية غير قادرة على تحديد مصيره. وفي المقابل نصب الفلسطينيون أنفسهم حماة للمسجد الأقصى، وذلك على الرغم من منعهم من دخول المدينة. ومنذ سنوات ينأى عباس بنفسه عن المقاومة المسلحة؛ وهو ما يفسر رفضه لكل تحرك معارض للاحتلال الإسرائيلي.
وللتخفيف من حدة احتقان الشعب الفلسطيني، أعلن عباس عن تعليق العمل باتفاقية التعاون الأمني الفلسطيني الإسرائيلي المبرمة سنة 2005 بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، التي تنص على التعاون المشترك بين القوات الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية فيما يتعلق بالمسائل الأمنية.
علاقة متوترة مع الأردن
يعتبر توتر الأوضاع في الحرم القدسي الشريف بمثابة اختبار للعلاقات الأردنية الإسرائيلية. وفي الأثناء تُعتبَر المملكة الأردنية، باعتبارها حامية الحرم القدسي الشريف، مُطالَبة بحث الحكومة الإسرائيلية على الحفاظ على حدود 1967.
أطلق حارس إسرائيلي النار على مواطن أردني بالقرب من السفارة الإسرائيلية بعمان، كما قتل مواطناً ثانياً، وطلبت الحكومة الأردنية من إسرائيل الاستماع إلى حارس السفارة الإسرائيلية بالأردن قبل أن يغادر البلاد. وفي المقابل رفضت الحكومة الإسرائيلية هذا الطلب؛ ممَّا أدى إلى خلق أزمة دبلوماسية بين الأردن وإسرائيل.
لماذا تعتبر هذه الاضطرابات غير مناسبة بالنسبة للسياسة الفلسطينية؟
لم تكترث الأحزاب الفلسطينية للتوتر الحاصل في الحرم القدسي الشريف؛ نظراً لأنها منشغلة بشؤونها الداخلية، حيث يواجه عباس منافسة شرسة على قيادة حركة فتح من قبل مسؤول جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني السابق في قطاع غزة، محمد دحلان، الذي يسعى إلى العودة إلى الحياة السياسية بعد أن عزل من الحركة سنة 2011.
وتجدر الإشارة إلى أن دحلان قادر على حل الأزمة السياسية والإنسانية التي يعيشها قطاع غزة، من خلال إبرام اتفاق مع حركة حماس. ومن جهة أخرى تعيش حركة حماس وضعاً حرجاً، خاصة أن عباس عمق الخلاف القائم بين حركتي حماس وفتح منذ عشر سنوات، عبر تقليص نفقات ربط قطاع غزة بالتيار الكهربائي، وفي الوقت نفسه أوقف مرتبات موظفي السلطة الفلسطينية المنتمين لحركة حماس. ومن جانب آخر تأثرت حركة حماس بالأزمة القطرية.
هل ستنتهي الأزمة في الحرم القدسي الشريف؟
ساهم الفلسطينيون والإسرائيليون في تصعيد حدة التوتر على حد سواء. ولكن لن تحل هذه الأزمة إلا بتكثيف سبل الحوار الجاد بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشكل يمكن الفلسطينيين من الدخول إلى الحرم القدسي دون قيود، وذلك عن طريق الاعتراف بحدود 1967، والاتفاق مع مجلس الأوقاف بالقدس.
ومن جهة أخرى، يجب حل الخلاف الديني عن طريق إنشاء مقر للقيادة الفلسطينية في القدس الشرقية؛ نظراً لأن الفلسطينيين لا يملكون أي قيادة تمثلهم منذ غلق “بيت الشرق”، الذي كان مقر السلطة الفلسطينية في القدس الشرقية وأغلق بعد الانتفاضة الثانية.
المصدر: كونراد أديناور شتيفتونغ
الرابط: http://www.kas.de/wf/doc/kas_49687-544-1-30.pdf?170728122405
Share this:Click to share on Twitter (Opens in new window)Click to share on Facebook (Opens in new window)Click to share on Google+ (Opens in new window)
[sociallocker] [/sociallocker]