كيف نمنع فتح أبواب الجحيم مرة أخرى في سوريا?


muhammed bitar

من الواضح أن هزيمة داعش في مدينة الرقة السورية أمر محتوم.

فها هي القوات السورية العربية والكردية والمسيحية _ المدربة والمدعومة من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة_  تحرز تقدماً ملحوظاً على الأرض وتحرّر مساحات كبيرة من الأراضي السورية من أيدي الإرهابيين.

تعتبر القوات الأمريكية الخاصة والمقاتلون العرب السنة من الثوار التابعين لقوات النخبة السورية الذين تلقوا التدريب والأسلحة من الولايات المتحدة من العناصر الرئيسية في القتال في الرقة.

لقد جمع القتال في سبيل تحرير المدينة كلاً من العرب والأكراد والمسيحيين السوريين في ظل قضية مشتركة.

إن مقاتلي التحالف بقيادة الولايات المتحدة تعمقوا داخل الرقة، وهي المدينة التي أعلنتها داعش عاصمة لما تسمى بالخلافة قبل أكثر من ثلاث سنوات.

وبمجرد انتهاء التحرير ستتوجّه القوات إلى محافظة دير الزور السورية، حيث انتقلت قيادة داعش منذ مدة طويلة من الرقة إلى الوادي الأوسط والأدنى من نهر الفرات، فالمعركة القادمة ضد داعش في ذلك الجزء من سوريا ستكون أكثر تعقيداً منها في الرقة.

على الرغم من أن المراحل السابقة من الحرب في سوريا تشير إلى أن قوات التحرير سوف تهزم داعش، إلا أن هذا ليس سوى جزء صغير من التحدي الذي ينتظر التحالف. منذ مدة قصيرة أدركت قوات بشار الأسد المدعومة من قبل الميليشيات الإيرانية وميليشيا حزب الله اللبنانية برياً والقوات الروسية جوياً أن قوة داعش تتقهقر، لذا تقدموا بسرعة للاستيلاء على أكبر قدر من الأراضي، في الشمال توجهوا إلى غرب الرقة، وفي وسط البلاد تحركوا شرق تدمر باتجاه السخنة، وهي بلدة تتقاطع فيها الطرق وتعتبر بوابة الدخول إلى دير الزور، وفي الجنوب على طول الحدود الأردنية والعراقية في التنف، تمت عرقلة الطريق إلى دير الزور. من الواضح أن الأسد وحلفاءه يتطلعون إلى دير الزور.

لم تكن تحركات قوات الأسد بعيدة عن أنظار الولايات المتحدة، حيث سجلت أربع حوادث على الأقل قامت بها طائرات التحالف بقصف قوافل قوات النظام التي كانت تقترب من حلفاء الولايات المتحدة. في الشهر الماضي، فقط أسقطت طائرة حربية أمريكية طائرة سورية.

على الرغم من هذه المقاومة لا تزال قوات الأسد تجد طرقاً بديلة وسبلاً لتجنب مواقع التحالف، مستفيدة من قواعد الاشتباك التي يلتزم بها التحالف بأن إطلاق النار على قوات النظام في حالة الدفاع عن النفس فقط.

ماذا يعني كل هذا؟ إذا وصل الأسد وحلفاؤه إلى دير الزور وبلدة البوكمال الاستراتيجية الحدودية قبل أن تتقدم قوات التحالف من الشمال، فسينتهي التحالف. وسيتوجّب على قوات التحالف أن تتوقف في مكانها وتسمح للأسد والإيرانيين أن يأخذوا معبر البوكمال الحدودي مع العراق.

لنتذكر معاً لماذا لن تقدم سيطرة نظام الأسد وإيران على الحدود العراقية حلاً أمنياً دائماً لمشكلة التطرف، علينا أن ننظر إلى الفترة ما بين الـ 2005 إلى 2010 عندما تدفق الآلاف من المقاتلين الأجانب والمجندين من القاعدة إلى العراق عبر البوكمال تحت إشراف أجهزة أمن الأسد.

كما أن الأسد والاحتلال الإيراني سيشكلان خبراً سيئاً للغاية بالنسبة للناس في دير الزور، فقد كانوا يقاتلون ضد قوات الأسد منذ عام 2011 وبعد تحرير محافظتهم من النظام سقطت بيد داعش.

سيكون من غير المستساغ بالنسبة للكثيرين أن تعود المدينة مجدداً إلى استبداد الأسد خاصة في ظل غياب تسوية سياسية من شأنها أن تضع البلاد على طريق التحول الديمقراطي الحقيقي.

سيشكل هذا أيضاً إخفاقاً للرئيس دونالد ترامب الذي تحدث عن طموحه في قطع مخالب إيران في المنطقة. انتفاضة ثانية من شأنها أن تجدد الحرب التي يمكن أن تستفيد منها جماعات إرهابية أخرى غير داعش.

ومازلنا لا نعرف من سيفوز بالسباق إلى دير الزور. غير أنه قد ينتهي باتفاق بين موسكو وواشنطن في ضوء الاتفاق الأخير حول الهدنة في الجنوب الغربي، والقرار الأخير بإنهاء برنامج المخابرات الأمريكية الذي يدعم الثوار المعتدلين المعارضين لنظام الأسد المدعوم من روسيا.

ومع ذلك فإن الناس في الرقة متفائلون فهم يعلمون أنهم سيعودون إلى مدنهم وقراهم وأن نظام الأسد لن يكون هناك. سيكون من الصعب جداً تطبيع الحياة في الرقة دون ارتكاب الأخطاء بعد كل هذا الدمار الذي لحق بالمدينة، ولكنه مازال ممكناً مادامت المنطقة محمية من القصف ومدعومة من المجتمع الدولي.

يأمل الناس في الرقة بالانتقال التدريجي للرخاء النسبي وخلق نموذج لباقي مدن سوريا للتطلّع إليه.

من البديهي أن نجاح هذا الأمر متعلقٌ ببقاء القوات الدولية هناك لبعض الوقت بعد داعش، وإلا ستفتح أبواب الجحيم، يمكن للأتراك أن يتقدموا من الشمال، ونظام الأسد من الغرب، والميليشيات الشيعية المتطرفة من الشرق.

وهذا يعني أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يحتاج إلى استراتيجية ما بعد دحر داعش وتشكيل مجالس حاكمة. يجب على التحالف أن يضع خطة مناسبة للأجزاء السورية المحررة من داعش واستكمال خطة لحماية السكان الذين يعيشون هناك بينما يعاد بناء المناطق المدمرة.

يتعقّد المشهد بوجود فصائل متحاربة متعددة في سوريا. تم التوصل إلى اتفاقات لوقف إطلاق النار في بعض المناطق ويبدو تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ خياراً معقولاً حيث تبدأ المناقشات حول مستقبل البلاد بعد داعش.

تتطلب هذه الرؤية اتفاقاً سياسياً بين هذه الفصائل المتحاربة من السوريين وكذلك الأطراف الدولية الإقليمية _ وخاصة الولايات المتحدة وروسيا.

ويجب أن يتضمن الاتفاق الخاص بوضع سوريا النهائي ضمانات بشأن المبادئ الدستورية ونظام الحكم في الفترة الانتقالية، وخططاً لعودة آمنة للاجئين.

ولا يمكن إلا لخطة كهذه أن تضمن السلام وتحول نهائياً دون عودة الإرهاب.

رابط المادة الأصلي: هنا.




المصدر