مخاطرة الانفصال الكردي
4 آب (أغسطس - أوت)، 2017
الخليج
يتصاعد الجدل في العراق والمنطقة حول الاستفتاء المرتقب إجراؤه على استقلال إقليم كردستان في سبتمبر المقبل، وسط مخاوف من أن يفتح هذا الإجراء الأبواب أمام التقسيم والتفتيت بعد النجاح الذي تحقق في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي الذي سيطر على مناطق واسعة من العراق وسوريا وأقام «دولته» المزعومة وفرض واقعاً من التقسيم والاستبداد لم تألفه المنطقة عبر التاريخ الحديث.
منذ ما قبل انطلاق الحملة العسكرية على «داعش» في الموصل ومحافظتي نينوى والأنبار على وجه الخصوص، دب الخلاف بين بغداد وأربيل عندما بدأ الأكراد يروجون للاستفتاء مراهنين على تحقيق الانفصال، وكانت ردود الفعل الإجمالية تطالب بالهدوء والحفاظ على وحدة العراق والدفاع عن الدولة الفيدرالية الديمقراطية التي تجمع العراقيين بمختلف طوائفهم وأعراقهم ضمن شعب واحد، يستفيد من تنوعه وغنى تراثه، فهكذا عاش العراق مئات السنين وظل ركناً أساسياً في المنطقة، ورغم ما مر عليه من محن فقد نهض من جديد واستعاد وضعه الطبيعي. ولكن عندما يصبح مهدداً بالتقسيم، فربما لن يعود العراق المعروف بما يفتح المجال إلى معارك تقسيم تتجاوز حدوده لتضرب دول الجوار الأخرى، وهذه المخاوف تعبر عنها مواقف تتوالى من جهات مختلفة، وكأن هناك خطة معدة سلفاً لإسقاطها على المنطقة.
مؤخراً أعرب وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون عن «مخاوفه» من أن تشهد سوريا حرباً أهلية بعد القضاء على تنظيم «داعش». وإذا ضرب تيلرسون المثل بسوريا، فالعراق معني بهذا الأمر بعد خوضه المعركة على التنظيم الإرهابي. والمعروف أن مثل هذه التصريحات الأمريكية لا تنطق من فراغ، وإنما تعبر عن أشياء تدور في الخفاء، لا سيما أن تداول سيناريوهات التفتيت ليس غريبا، فطوال سنوات تم الحديث عن دول معرضة للتقسيم من ضمنها العراق وسوريا. وواقع الحال يقول إنه إذا فشل مخطط «داعش» في تحقيق المطلوب فهناك أدوات أخرى منها منح حقوق الأقليات، مثل الأكراد، التي ترفع مطالب مشروعة من الناحية السياسية، ولكن الخلاف حولها يتعلق بكيفية تحقيقها. وليس صحيحاً أن انفصال الأكراد في العراق سيحقق لهم دولة الرخاء والاستقرار إذا تم النظر بتمعن للخريطة الجيو سياسية المجاورة، فهذا الأمر إذا حدث، فلن يكون هناك مناص من حروب عنيفة أو حرب إقليمية كبرى تخلط الملفات وتعيد تشكيل المنطقة بعد سنوات على قاعدة الغالب والمغلوب لا على أساس العدالة في الحقوق والسلطة والثروة.
يشكو الأكراد في موطنهم الموزع بين العراق وسوريا وإيران وتركيا من أنهم مضطهدون ويتعرضون للحيف، وهذا حق في جانب كبير منه، ولكن رفع الاضطهاد والتغيير لا يتم بطلب الانفصال، وإنما بانتزاع حقوقهم داخل دولهم عبر النضال السياسي والمدني من أجل أن يكونوا مواطنين متساوين مع غيرهم داخل البلد الواحد. فالتحرك بعيداً عن سقف العراق مثلا لن يحقق لهم هذا المطلب، وسيكون مخاطرة غير محمودة العواقب.
التعدد والتنوع داخل أي بلد من سمات القوة والمناعة إذا كانت قيم العدالة والديمقراطية والتعايش المشترك هي السائدة، والدول العظمى المستقرة لم تقم أي واحدة منها على لون واحد. من اختارت ذلك النهج سقطت في الاستبداد والدكتاتورية وبقيت على حال دائم من عدم الاستقرار. والأكراد جزء أصيل من العراق، وقد أغنوا المنطقة بمساهمتهم الحضارية على مر العصور، وهذا هو وضعهم الطبيعي وليس أي فضاء آخر.