إدانة شعبية ودولية واسعة لإعدام “الصفدي” في أقبية الأسد


غسان ناصر

دانت الولايات المتحدة الأميركية ومؤسسات دولية وحقوقية إعدامَ نظام الأسد “باسل خرطبيل” المعروف باسم “باسل الصفدي” (32) عامًا، وذلك بعد 3 سنوات من اعتقاله.

وجاء في بيان للخارجية الأميركية، الجمعة 4 آب/ أغسطس، أنّ “الولايات المتحدة تشعر بحزن عميق تجاه إعدام المبرمج السوري باسل خرطبيل على يد النظام، ونعرب عن تعازينا الخالصة لأسرته وأصدقائه وأقربائه”. وأضاف البيان أنّ “واشنطن تعرب عن غضبها إزاء الأعمال الوحشية المتكررة، بما في ذلك التعذيب، وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء التي يقوم بها الأسد”، محملة نظام الأسد “المسؤولية عن المعاناة والموت والتدمير على نطاق واسع الذي أصاب السوريين”.

من جهة ثانية، تقدم المبعوث البريطاني الخاص إلى سورية غاريث بايلي بالتعازي إلى عائلة المبرمج باسل خرطبيل الصفدي، وقال: إنّ “الصفدي كافح لأجل حرية التعبير والمعلومات في سورية، وكان رمزًا للمقاومة السلمية”.

وذكّر المبعوث البريطاني بوجود عشرات آلاف السوريين الذين ما زالوا معتقلين في مراكز اعتقال، في أنحاء سورية، والآلاف منهم توفّوا خلف جدران المعتقلات، معتبرًا أنّ “ممارسة نظام الأسد للتعذيب والاختفاء القسري والاعتقال عمل لا إنساني”.
وتقول (مجموعة العمل من أجل فلسطيني سورية) الحقوقية، ومقرها لندن، أنّ “1621 معتقلًا فلسطينيًا في أفرع الأمن والاستخبارات التابعة للنظام السوري، بينهم 102 امرأة”.

وعبّرت أنّا نيستات المدير العام للبحوث في منظمة العفو الدولية، عن حزنها وغضبها من إعدام باسل الصفدي، وقالت: “نشعر بأسى وغضب عميقين لسماع هذا الخبر المحزن، وسيبقى باسل خرطبيل في ذاكرتنا، على الدوام، كرمز للشجاعة وكمناضل سلميّ من أجل الحرية حتى النهاية، وستظل أفكارنا وقلوبنا مع عائلته”.

وأضافت نيستات أنّ وفاة باسل الصفدي تذكير مفعم بالأسى لنا بالأهوال التي تشهدها السجون السورية كل يوم، حيث عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يقبعون حاليًا وراء القضبان في مرافق الاعتقال التابعة للحكومة السورية يواجهون التعذيب وسوء المعاملة والإعدام خارج نطاق القضاء. وهذه الأفعال القاسية ترقى دون شك إلى مرتبة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.

كما أعرب آلاف المثقفين والناشطين السوريين والفلسطينيين وعرب وأجانب، في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، عن حزنهم فور إعلان زوجة الصفدي وفاته في المعتقلات السورية، معتبرين أنًه “كان رمزًا وسيبقى رمزًا للحرية”.

وكتب المفكر الفلسطيني السوري الدكتور أحمد برقاوي، على صفحته في (فيسبوك): “لك الخلود يا باسل.. باسل الصفدي شاب في مقتبل عبقريته سوري فلسطيني أو فلسطيني سوري لا فرق، فكلنا سوريون فلسطينيون وفلسطينيون سوريون، يقضي قتلًا في سجن الطاغية، دون أن يرتكب أي ذنب بحق القيم والإنسان والحياة، كغيره من شباب سورية. ما طبيعة القلب القاتل هذا؟ ما طبيعة العقل الذي يشرع لقتل كهذا؟ ما طبيعة النظام السياسي الذي لا يقوم إلّا على قتل كهذا؟ ما طبيعة المثقف الذي يصفق لقتل كهذا؟ أسئلة أعرف أجوبتها لكني أذكّر. لكم الخلود يا شباب الشام، ويا شهداء الشام النبلاء”.

وكانت زوجة الشهيد باسل المحامية والناشطة نورا غازي الصفدي قد نعته على صفحتها في (فيسبوك)، قائلة: “تغص الكلمات في فمي، وأنا أعلن اليوم باسمي، واسم عائلة باسل، وعائلتي، تأكيدي لخبر صدور حكم الإعدام، وتنفيذه، بحق زوجي باسل خرطبيل صفدي، بعد أيام من نقله من سجن عدرا، في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، نهاية تليق ببطل مثله.. يا خسارة سورية، يا خسارة فلسطين، يا خسارتي”.

الغارديان: باسل “الرائد السوري لـ المشاع الإبداعي”

الشهيد باسل المولود في 22 أيار/ مايو 1981، والذي يعدّ من أبرز المبرمجين العرب، عمل في العديد من الشركات البرمجية، وله العديد من المساهمات في أعمال شركات ومؤسسات عالمية مثل (موزيلا فايرفوكس)، و(أوبن كليب آرت)، و(فابريكيتورز)، و(شاريزم)، و(ويكيبيديا العربية). وكان عضوًا مطورًا في كل من (مجتمع موزيلا الحر) و(مؤسسة المشاع الإبداعي)، وعمل على استثمار خبرته التقنية في المساعدة على تعزيز حرية التعبير والوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت، واختارته مجلة (فورين بوليسي) الأميركية في المرتبة 19 من بين مئة شخصية مفكرة في العام 2012، متقدمًا على الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، وذلك “للإصرار على سلمية الثورة السورية رغم كل الظروف”.

وفي العام 2013 حصد جائزة “مؤشر الرقابة في مجال الحريات الرقمية”، عن عمله في استخدام التقنية لتعزيز إنترنت مفتوح ومجاني.

وكان أحدث عمل له صورة ثلاثية الأبعاد لمدينة تدمر القديمة في سورية، ووضع تصور مرئي في الوقت الحقيقي، وتنمية “فابريكيتورز” لمنصة التطوير على الويبAiki Framework.

وفي 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2015، أنشئ مشروع (تدمر الجديدة) لاستئناف عمل باسل على نموذج ثلاثيّ الأبعاد بالإضافة إلى طرق مبتكرة أخرى للبيانات المتوفرة عن تدمر”.

وقد خصصت له صحيفة (الغارديان) البريطانية، بعد إعلان زوجته خبر إعدامه، مقالًا موسعًا سلطت فيه الأضواء على مكانته ودوره في الانخراط في ثورة السوريين ضد نظام الأسد. ومما جاء في المقال: “لم يكن لدى سورية معمل للقرصنة، حتى بدأ باسل مختبر أيكي في دمشق عام 2010. استخدمه المبرمج الفلسطيني السوري المتخصص في تطوير البرمجيات مفتوحة المصدر – وهي برمجيات يمكن الاطلاع على شيفرتها البرمجية وتعديلها- باعتباره قاعدة يمكن من خلالها النهوض بالبرمجيات الحرة وحركات الثقافة الحرة في بلده؛ وبسبب عمل باسل الصفدي اكتسب الناس أدوات جديدة يمكنهم بها التواصل والتعبير عن أنفسهم”.

وأضافت (الغارديان): “شارك باسل الصفدي بشكل كبير مع عديد المؤسسات الرائدة في مجال البرمجيات الحرة والثقافة في العالم. ومن خلال معمل أيكي، بات باسل الصفدي يعدّ الرائد السوري لـ المشاع الإبداعي. وقد ساعد الفنانين والكتاب وغيرهم في سورية وكذلك العالم العربي الأوسع في المشاركة بحرية بأعمالهم، عبر الإنترنت والبناء على إبداعات الآخرين في ظل موقع المشاع الإبداعي. وشارك باسل الصفدي أيضًا في إصدارات اللغة الإنجليزية والعربية من (ويكيبيديا)، مثلما ساهم في تحرير المقالات وترجمتها، فضلًا عن تنظيم هاكاثون -هو حدث يجتمع فيه مبرمجو الكمبيوتر وغيرهم لتطوير البرمجيات”.

يشار إلى أنّ “المخابرات العسكرية السورية” اعتقلت باسل، في 15 آذار/ مارس 2012، واحتجزته بمعزل عن العالم الخارجي ثمانية أشهر، قبل أن يُنقل إلى سجن عدرا، في كانون الأول/ ديسمبر 2012. وبقي في سجن عدرا حتى 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2015، عندما تمكن من إبلاغ عائلته بأنه سوف ينقل إلى مكان لم يتم الكشف عنه. ومنذ ذلك الوقت، ظل مكان وجوده مجهولًا.

مقتل 3521 فلسطينيًا منذ اندلاع الثورة..

في سياق ذي صلة، أصدرت (مجموعة العمل)، الأربعاء الفائت، تقريرها الإحصائي الـ 15، حيث أحصت المجموعة فيه مقتل 3521 لاجئًا فلسطينيًا، منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011 ولغاية حزيران/ يونيو 2017، نتيجة الأعمال القتالية أو الحصار أو التعذيب حتى الموت داخل السجون والمعتقلات، أو خارج سورية على دروب الهجرة أو دول الشتات الجديد.

وتناول التقرير- وصلت (جيرون) نسخة منه -الإحصاءات الإجمالية للضحايا والمعتقلين الفلسطينيين، من خلال ثلاثة فصول رئيسة وعدة مباحث.

جاء في الفصل الأول الإحصاءات الإجمالية للضحايا والمعتقلين الفلسطينيين، منذ اندلاع الثورة السورية وحتى منتصف هذا العام، أما الفصل الثاني فقد عرض الإحصاءات المتعلقة بضحايا النصف الأول من العام الحالي، استكمالًا لما بدأ في قسم الدراسات والتقارير الخاصة من نشر تقارير إحصائية، فيما تناول الفصل الثالث إحصاءات اللاجئين الفلسطينيين في دول جوار سورية والاتحاد الأوروبي.

ونوهت “مجموعة العمل” إلى أنّ هذا التقرير واحد ضمن سلسلة من التقارير الإحصائية والتوثيقية والحقوقية التي تصدرها، في محاولة منها لتسليط الضوء على جانب مهم من جوانب معاناة اللاجئين الفلسطينيين في سورية، مؤكدة أنّه يعتمد الحيادية والموضوعية في عرض المعلومات للباحثين والمهتمين بالشأن الفلسطيني السوري، من خلال إدراج جداول ومخططات بيانية تشير إلى الأعداد العامة للضحايا والمعتقلين من حيث التوزع الزماني والمكاني، والجنس، والشريحة العمرية، والصفة التي تمتعت بها الضحية (مدني – عسكري).

وشددت “مجموعة العمل” على أنّ تقريرها الإحصائي غير معنيّ بتحميل جهة دون غيرها مسؤولية الضحايا الفلسطينيين، على الرغم من أنّ الإحصاءات تشير بوضوح إلى الطرف المسؤول عن تلك المأساة (وهو نظام الأسد)، لكنها تترك مهمة تحديد الجهة المسؤولة ومحاسبتها لمحكمة الجنايات الدولية، والمحافل الدولية المسؤولية عن جرائم الحرب، والانتهاكات ضد الإنسانية.




المصدر