سورية كحلبة سباق


باسل العودات

عندما أعلن السوريون ثورتَهم، قبل ست سنوات ونيّف، كانت أهدافهم واضحة وضوح الشمس، ثورة ضد نظام شمولي أمني، وضد أجهزة استخبارات متوحّشة، وحكم طائفي تمييزي، وضد أسرة مستأثرة، وحولها مستنقع من الفاسدين والمفسدين.

كانت أهداف ثورتهم واضحة؛ ثورة ضد الاعتقالات والسجون، ضد القهر والإذلال، ثورة لاستعادة كرامة مُهانة، ودولة منهوبة، وقوانين مستباحة، ووطن مسبي.

تسابق السوريون فيما بينهم، أيّهم يُعبّر عن ثورته أكثر، وأيّ منهم سيكون حجر القبّان لينصر هذه الثورة؛ فتنافس الجميع، بأمانة ووطنية وشرف، وتسابقوا أيّ منهم تظاهرته أكبر، وأيّ منهم هتافاته أبدع، وأيّ منهم أغانيه أجمل وأشجى، وحوّلوا سورية إلى حلبة سباق لأكثر النشاطات السياسية نُبلًا وسلمًا.

طويت الأيام، وتسارع الزمن، وتدخّلت طيور الظلام، وبقيت سورية حلبة سباق، لكنه -وللأسف- سباق من نوع آخر، سباق في أكثر النشاطات دناءة ووضاعة.

حوّل النظام السوري سورية إلى حلبة قتل، وصار يتنافس أزلامه أيُّهم يقتل فيها أكثر من الآخر، وأيّهم يرتكب مجازر أكثر دموية وبشاعة أكثر من الآخر، وأيّهم يتعامل مع الشعب بسفالة ونذالة أكثر من الآخر.

حوّل الإيرانيون سورية إلى حلبة حقد، تنافس فيها عسكرهم وآياتهم وميليشياتهم وقتلتهم، أيّ منهم يُدمّر سورية أكثر، وأيّ منهم يبث الكراهية والضغينة أكثر، وأيّ منهم يقتل السوريين ويشرّدهم ويذبحهم أكثر.

أما الروس، فقد حوّلوا سورية إلى حلبة تجريب لأسلحتهم، فألقوا فيها مخازن أسلحتهم القديمة الصدئة، وتنافس السياسيون والعسكر على تجريب كل شيء في سورية، وتباروا من منهم يحظى برضى بوتين أكثر، ومن منهم يحظى بكراهية السوريين أكثر، وشجّعوا النظام على أن يقتل في حلبته أكثر فأكثر.

حوّل الإسلاميون المتشددون سورية إلى حلبة جاهلية، فأرادوا إحياء إمارات مندثرة، وتطبيق الشرع وفق أهوائهم، وتبارى أمراؤهم أيّهم يُمارس القتل باسم الله أكثر، وأيّهم يلفظ “الجلالة” في خطبه أكثر، وأيّهم يرجع في التاريخ إلى أبعد حدٍ ممكن أكثر.

حوّل “حزب الاتحاد الديمقراطي” الانفصالي، بميليشياته ومقاتليه الأجانب، سورية إلى حلبة تقسيم، وصارت “وحداته” تتنافس من ينهش الجسد السوري أكثر من الآخر، ومن يُهين عروبة سورية أكثر من الآخر، ومن “ينتش” قريةً من هنا وقريةً من هناك، لضمها إلى قسمه الافتراضي.

حوّل بعض المعارضين السياسيين، الجهلة منهم، سورية إلى حلبة تجريب، فجرّبوا ما قرؤوه نظريًا دون اكتراث بالظرف الموضوعي، وتنافسوا في مَن منهم يظهر في وسائل الإعلام أكثر، ومَن يغش الناس بأنه حكيم ومفكر أكثر، ومن يلتصق بكرسيه أكثر، ومن يركض إلى المنابر و”يتعربش” بالمؤتمرات أكثر.

أما المعارضة العسكرية، فقد حوّل بعض قادتها سورية إلى حلبة مزاودة، كلٌّ يحاول الترويج لنفسه، وبضاعته، وصار هؤلاء يتنافسون على مَن يحتكر السلاح أكثر، ومن يستأثر بمناطق نفوذ أوسع، ومن يجمع المال أسرع، ومن يصبح أمير حرب أعظم، ومن يُرعب حاضنته ويستأنس عدوه أكثر.

كذلك، حوّل بعض هواة المال سورية إلى حلبة لجمع النقود، فأسسوا منظمات وجمعيات ومؤسسات إغاثية وإسعافية وغذائية وتدريسية، خلّبية، وتاجروا بجراح الملايين من المحتاجين وبمآسيهم.

تسبب النظام السوري بتحوّل سورية إلى حلبات، ساحات منافسة وسباق، حلبات من كل نوع، حلبات قتل وتدمير وسرقة، حلبات بثّ كراهية وإثارة نعرات طائفية، حلبات نفوذ محلي ودولي، نفوذ أمراء حرب، مارقين من كل نوع وشكل وحجم.

وحدهم ظلّوا مخلصين، أولئك الذين أطلقوها ثورة، قبل ست سنوات ونيّف، وبقيت أهدافهم واضحة وضوح الشمس، وظلّوا مثابرين لتبقى ثورتهم ثورة ضد نظام شمولي أمني، وضد أجهزة استخبارات متوحّشة، وحكم طائفي تمييزي، وضد أسرة مستأثرة، وحولها مستنقع من الفاسدين والمفسدين، وثورة من أجل دولة حرّة ديمقراطية تعددية تداولية، لنا، وللأجيال المقبلة التي تتهيأ لتحمل راية الثورة، وتُتابع.




المصدر