عن سؤال “نهار”: ماذا بقي للسوريين


نزار السهلي

ما طرحه د. حازم نهار، المدير العام لـ (مركز حرمون للدراسات المعاصرة)، في السؤال والعنوان العريض، عمّا بقي للسوريين من عمل يعوّل عليه، في حاضر سورية ومستقبلها، ليس أمرًا هينًا، خصوصًا عندما يقود السؤال إلى تفعيل الفكر وتأمل الواقع الراهن للسوريين ومآلاته. من خلال النقاط الأربع المطروحة، والنفاذ إلى عمقها -سواء في مجموعة الأفكار أو المجالات المتاحة للتأثير والدور المتوقع إلى توصيف الواقع- يمكن القول إنّ ما طُرح إبصار لمعنى السياسة السورية التي يفترض التعويل عليها، مع كسر القوالب المكبّلة منذ ستة أعوام، خصوصًا بعد حملة التشويه الممنهجة التي طالت البنى الفاعلة للمجتمع السوري، في مجالات السياسة والثقافة والاجتماع، وبعد الدعوة إلى الخروج عن نسق توصيف الأوضاع الراهنة ومطباتها، لتجاوز السؤال أو الأسئلة المطروحة إلى سؤال: ما العمل بعد كل هذا الدمار؟

يجيب نهار: من دون حقل سياسي جديد وموحد، لا يمكن ضمان وحدة سورية، وهو شرط أساس، بمعنى أن المنطق العام لحقل السياسة يجب أن يسكن أخيرًا في الممارسة لأن محاربة الطغيان والاستبداد، من دون سياسة تضيئها؛ ستنتهي إلى الهلاك، ومن دون فعل مشخص يجيب عن الأسئلة ستنتهي السياسة إلى الثرثرة، وهو ما وصلت إليه سياسة المعارضة السورية التي تبرز الحاجة معها إلى تأسيس جسم سياسي جديد يستند إلى تجربة السنوات الماضية، حتى لو بدت القوى السياسية متشاركة في أزماتها مع بعضها، وزادت من حدتها صعوبةُ وضراوة المواجهة مع النظام وبنيته؛ فإن العثور على آفاق جديدة تستنهض رداءة الواقع -الذي أشار له نهار- ممكنة جدًا أكثر من الاستمرار بالشكل المنتهي حتمًا للثرثرة والاندثار.

حوار مركز (حرمون) للسوريين في أماكن لجوئهم، يبعث حالة متنامية من الجدل والحراك، من طرح الأسئلة إلى تقديم الأجوبة التي تطال المفاهيم والبنى الملموسة باتجاهاتها وأشكالها المتباينة. وعلى الرغم من الأثقال التي أتت على السوريين، عاصفة وظالمة، إلا أنها غير مفلسة في تجلياتها وسياقاتها، الأجوبة عن سؤال: ما العمل في حاضر سورية ومستقبلها، لا غموض فيها ولا انغلاقَ فكريًا وسياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا فيها، وهي تُشكّل شروط بناء مجتمع مدني سوري يكون أساس الهوية الوطنية السورية، مع أنها شروط أتقن النظام زراعتها كألغام عامة وخادعة، عندما اجتهد على تخلف السياسة عن الفعل الحي واليومي وصولًا إلى قتلها، إلا أنها تحضر اليوم بقوة التضحية التي مارسها السوريون، على امتداد السنوات الستة الماضية؛ ليندحر معها حضور المرجعيات السياسية وتقدم شرائح ذات سمة اجتماعية وسياسية، لم تكن في المشهد السوري أساسًا، ويعتبر ذلك من أبرز الإنجازات الكبرى للتضحيات السورية.

ما تحدثت عنه أسئلة د. نهار هو جزء من حقيقة مريرة لنتائج سياسية مريرة ورديئة،  من جهة انعدام وجود قوى سياسية حقيقية وفاعلة، دفعت المشهد العسكري إلى الواجهة أكثر من الوجه السياسي، وهو مربع استطاعت السلطة الحاكمة والنظام أن يسحب المجتمع إليه، كونه المربع الذي لا يتفوق عليه أحد “مربّع القوة والبطش”، وإظهار كل الجسم السياسي بهذا الترنح والتشويه من ضربات خمسين عامًا، لذلك تبقى الإجابات طافحة، ليس بالمعنى النظري بل بالحقائق المادية التي يتمتع بها المجتمع السوري الذي استطاع أن يشدّ من أرض المواجهة إلى مهاد السياسة ما يمكن البناء عليه والتعويل على مستقبل سورية من خلال ركن الشعارات، والبدء بعمل سياسي ثقافي معنوي قادر على إنجاز وعي مجتمعي جديد، لا يفصل بين السياسة والتحرر، وكل ذلك لا يستقيم إلا إذا اعتمد على ذاتية حرة منفتحة في سلوكها وممارستها التي يكمن فيها كل الوعي السياسي.




المصدر