فزغلياد: اشتباه بوجود علاقات بين مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الجديد وعمالقة شركات الطاقة الروسية


سمير رمان

الصورة: Pablo Martinez Monsivais/AP/ТАСС

يبدو اختيار كريستوفر راي، الذي يرأس مكتب التحقيقات الفيدرالي، واحدًا من أكثر القرارات التي اتخذها ترامب نجاحًا لتعيين الكوادر. وكان القرار موفقًا إلى درجةٍ تجعل المدير يفكِّر مستقبلًا بدخول حلبة التنافس على منصب الرئيس؛ وإلى هذا، لا يتوقّع أن يُولي المدير الجديد اهتمامًا كبيرًا بمسألة “القراصنة الروس”؛ ولا يرجع ذلك إطلاقًا، إلى ارتباط اسم كريستوفر بشركتي الطاقة الروسيتين (غاز بروم) و(روس نفط).

إلى جانب كريستوفر، كان هناك مرشّحان آخران لمنصب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي: عضو الكونغرس عن الحزب الجمهوري مايك روجرز، الذي دعمه العاملون في الوكالة نفسها، ونائب مدير المكتب لسنواتٍ طويلة جون بيستول. وقع اختيار ترامب على كريستوفر راي، بعد لقائه المرشحين الثلاث. وقد أعلن المدير الجديد أنَّه لن يؤدّي القسم أمام الرئيس، لأنَّ “قسم الولاء هو للدستور، لسلطة القانون ولمهمّة مكتب التحقيقات الفيدرالي”؛ وردّ ترامب على هذا التصريح بالقول: “إنَّه حارسٌ لا يلين”. هكذا كان الحوار على أعلى المستويات.

يترك “فقيه القانون لعام 2016″، في ولاية أتلانتا، انطباعًا بكونه نموذجًا للأميركي الذي يصعد السلم الوظيفي بشكلٍ يكاد يتطابق مع النموذج الهوليودي. وفي الواقع، يعرف عالم السينما كريستوفر راي جيّدًا، وبصفته مساعدًا لوزير العدل، قام راي بتنسيق تحقيقات المكتب الفيدرالي في قضيَّة إفلاس إحدى كبريات شركات الطاقة (إيرنون) التي قامت بانتهاكات جديَّة لمبادئ سوق الأوراق الثمينة. وما زالت هذه القضية تثير الاهتمام، إذ حوّلت عدّة مرّاتٍ إلى برامج تلفزيونية.

مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الجديد رجل قانون من عائلةٍ عريقة، أنهى دراسته في مدرسة الحقوق المحليّة بدرجة امتياز. وفي الكليّة، تزوَّج زميلته ابنة نائب رئيس بنك أتلانتا First National Bank of Atlanta (حاليًّا فرع بنك Wachovia)، وترأّس تحرير صحيفة الجامعة، وجرَّب كافَّة أنواع الأنشطة الحقوقية، الضرورية للنجاح من الممارسة الخاصَّة في أتلانتا، والشراكة في شركةٍ ضخمة متخصِّصة بحقوق الشركات، وصولًا إلى الإشراف على تحقيقاتٍ جنائيّة في وزارة العدل. في الوزارة، كان مساعده المباشر جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق، والذي أحاله ترامب إلى المعاش بصورةٍ فاضحة.

انتشر، في زمن ولاية الرئيس بوش الابن، الإشراف على التحقيقات الجنائية. وتعاون راي، بشكلٍ خاصّ، مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، في إطار التحقيقات بهجمات 11 أيلول عام 2011، ولكنَّه في نهاية الأمر، اشتغل بشكلٍ رئيس في قضايا ذات طابعٍ اقتصاديٍّ، فقد عمل في التحقيقات والملاحقات القضائيّة، وفي رسم السّياسات في مجالاتٍ الحقِّ الجنائي، مثل تزوير الأوراق الماليّة، الفساد، خرق العقوبات التجاريّة، والجرائم المرتبطة بالسريَّة المصرفية، وتبييض الأموال. أي أنَّه كان يعمل في ما يسمَّى جرائم (الياقات البيضاء). ومن هنا جاءت على طريق مسيرته المهنيَّة “قضية إيرنون”.

عندما ترك الخدمة الحكوميّة، انتقل راي إلى العمل مع القطَّاع الخاصّ، وعمل حتى اللحظة الأخيرة مع شركة King & Spalding القانونيِّة التي تترأّس مجموعةً متخصِّصةً بالقضايا الخاصّة وبالتحقيقات الحكوميّة، ومن بين زبائنها شركاتٌ مدرجة على لائحة Fortune 100، وبعض شركات الأدوية العالميّة، شركات الطاقة العملاقة، ومن ضمنها شركتا (غاز بروم) و(روس نفط) الروسيتين.

على سبيل المثال، في آب عام 2015، عندما فُعِّل نظام العقوبات، ربحت شركة King & Spalding العقد، لتصبح الشركة الاستشارية لدى شركة (روس نفط) في مشاريع استخراج وإنتاج الغاز المسال.

في الحقيقة، تقول وسائل الإعلام الأميركيّة إنّ أكثر من 900 رجل قانون، يعمل لدى شركة King & Spalding. وحتى الآن، لا تتوفر أدلَّةٌ على أنَّ كريستوفر، هو من كان يتولَّى شخصيًّا ملفّات الشركات الروسيّة، فقط مجرّد إشاعات وأقاويل.

أكبر شهرةٍ سياسيَّة لـ كريستوفر راي، جاءت من قضيَّة Bridgegate (أُخذت التسمية على غرار فضيحة “ووتر غيت” الشهيرة)، حيث مثَّل كريستوفر فيها حاكم ولاية (نيوجيرسي) كريس كريستي؛ وفي نهاية القضية خرج كريستوفر فائزًا.

في عام 2013، كان حاكم ولاية (نيوجرسي) كريس كريستي يتطلَّع إلى الانتخابات الرئاسيّة عام 2016. وقد طلب دعم عُمَد البلدات المهمَّة في الولاية؛ ولكنَّ طباع حاكم الولاية لم تتوافق مع طباع كوليتش، عمدة بلدة فورت لوماركوم (على الرغم من أنَّهما درسا سويَّة في الجامعة، وكانا يتنافسان في كلِّ شيء، من العلامات في المحاماة إلى لعبة الركبي). وعندما رفض كيريتش، بصورةٍ استعراضيَّةٍ، تقديم الدعم لكريستي، ثار عليه غضب إدارة الولاية، بما يشبه ما كان يحدث في ثلاثينيات القرن الماضي، في الولايات المتحدة الأميركية.

بلدة فورت لي، هي بلدةٌ تتبع عمليًّا لنيويورك، ولكنّها تقع على الشاطئ الآخر من good zone، وبالتالي؛ فإنَّها تتبع إداريًّا لولاية نيوجرسي، ويربط البلدةَ التي يقطنها قرابة 35 ألف نسمة بالبر الرئيسي جسر جورج واشنطن الشهير -الشريان البرِّي والوحيد بينهما- لم يجد فريق الحاكم كريستي وسيلة لمعاقبة البلدة المتمرِّدة سوى إغلاق مسارين من المسارات الثلاث على الجسر؛ ممَّا سبَّب اختناقًا مروريًّا كارثيًّا. كان القائمون على حملة كيرسي الانتخابية ينتظرون أن يصبَّ مواطنو البلدة جامَ غضبهم على العمدة كوليتش، وعندها سيدرك خطأه ويدعم الحاكم كيرستي. ولكن حدث العكس تمامًا، وبدأ تحقيقٌ فيدراليٌّ بشأن ثماني نقاط اتِّهام، كان أسوؤها الاتِّهام بالقيام بمؤامرة بهدف الضغط على الناخبين.

تولَّى كريستوف راي الدفاع عن مصالح كريستي، كان تكتيكه بسيطًا، ولكنَّه فعّالٌ؛ فقد أكَّد المحامي أنَّ الحاكم شخصٌ بريء، لم يكن يعرف شيئًا عمَّا كان يدور، وقال إنَّ المذنبين هم ثلاثة أشخاص من بين فريقه الانتخابيّ ومن إدارة الولاية (بريدجيت كيللي، ديفيد فيلد شتين وبيلّلا باروني). اضطرَّ الثلاثة فيما بعد للاعتراف بأنَّهم مذنبون؛ وبالنتيجة، نال فيلد شتين، الذي قاد التآمر وأمر شخصيًّا بإغلاق الجسر، حكمًا بالسجن لمدَّة ثلاث سنوات و500 ساعة عملٍ اجتماعيّ. أمَّا كيلّلي فنالت عقوبة بالسجن لمدّة 18 شهرًا، وباروني عامين. أمَّا الحاكم كريس كريستي فلم تتأذَّى سوى كرامته، ولحق الضرر بسمعته وسيرته المهنيَّة. وبجهود راي، توقفت الملاحقة القانونيّة للحاكم، ولكنَّه فقد أولويَّة المنافسة على المنصب الرئاسي، مع أنَّه كان في السابق يعدّ مفضَّلًا بين المتنافسين.

فيما بعد، حاول كريستي أن يقدِّم نفسه لترامب كنائبٍ للرئيس، ولكنَّه لم يوفَّق، وأعلن الحاكم علنًا، أنَّ فضيحة الجسر بالذات هي من أثَّرت على خيار ترامب. وكان ما فعله هباءً، لأنَّه بذلك أعاد الحديث حول القضيَّة وشخص كريستي نفسه، ولم يعد بمقدور مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الجديد تقديم أّيَّ مساعدة للحاكم.

بالطبع، لم ينس “فتى النظام القضائي الذهبيّ”، كريستوف راي سيرته السياسيَّة، فهي حاضرةٌ دومًا في ذهنه، إذ إنه منتَخبٌ جمهوريٌّ مسجّل منذ عام 2008، ومانحٌ دائم لمرشحي الحملات الانتخابيَّة. لا يدور الحديث عن تبرعاتٍ ضخمة، المهمُّ هنا الاهتمام. في عام 2008، تبرَّع راي بمبلغ 2.3 ألف دولار للمرشَّح جون ماكين، وفي عام 201 بمبلغ 7.5 ألف دولار للمرشَّح رومني، إضافة إلى مبالغ صغيرة تلقّاها بعض مساعدي ترامب.

يظهر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الجديد مهارةً خطابيَّة، عندما يتحدّث عن القيم الأميركية وعن الشعور الوطني الأميركيّ. كما يحبُّ التأكيد على ولائه للكنيسة الإنجيليّة الأسقفيّة. وإذا لم تحدث له فضيحةٌ ما، فإنَّه سيكون، بعد نحو عشر سنوات، مرشَّح الحزب الجمهوريّ المستعدّ للوصول إلى الرئاسة.

على الأرجح، لأنَّ طموحات راي السياسيّة هي طموحاتٌ بعيدة المدى؛ كانت العامل الحاسم في رغبة ترامب أنْ يراه مديرًا لمكتب التحقيقات الفيدراليّ، وليس على سبيل المثال جون بيستول ذي المهارات المهنيّة الفذَّة. الآن، كريستوفر راي رجل سياسةٍ، أكثر منه رجل محاماة. تاريخيًّا، لم يكن منصب مدير (إف. بي.آي) منصبًا سياسيًّا، بل كان منصبًا تقنيَّا على الغالب، لذا سيقوم راي بكلّ ما هو ممكن، ليتجنَّب المشاركة شخصيًّا في الأعمال التي تتطلَّب منه إظهار المواقف السياسية الصلبة، عملًا بمبدأ “إمَّا/ إمَّا”. على سبيل المثال، فليُترك التحقيق بما يسمَّى المسألة الروسية للمدّعي العام روبرت ميولر.

بالنسبة لترامب، يعتبر راي “رجل التيّار” المعيَّن الرائع الذي لن يطعن في الظهر. أمَّا كيف سيكون مصيره السياسيّ، فإن الأمر يتعلَّق به كمديرٍ لمكتب التحقيقات الفيدرالي وبمعارفه القدامى من الماليين المميّزين في الولايات الجنوبيّة، ممثَلين بوالد زوجته هنري هاويلَّا الذي يعدّ ممثِّلَ العائلة التي بدأت أعمالها في ولاية أتلانتا، منذ منتصف القرن الثامن عشر، الأمر الذي تفتخر به العائلة بكلّ قوة.

الأهمّ الآن، بالنسبة إلى مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، عدم القيام بحركاتٍ غير ضروريَّة قبل أوانها، واختيار فريق عملٍ مناسب، كي لا يحصل معه ما جرى للحاكم كريستين، الذي بدأ طريقه أيضًا كإنسانٍ محترم يحارب الفساد.

اسم المقالة الأصلية Нового директора ФБР подозревают в связях с российскими гигантами энергетики كاتب المقالة يفغيني كروتيكوف مكان وتاريخ النشر صحيفة فزغلياد. 3 آب 2017 رابط المقالة https://vz.ru/world/2017/8/3/881204.html ترجمة سمير رمان




المصدر