اللحية والسواك وبناء الدول


هشام أسكيف

من مشروع أمة إلى الاصطفاف السنّي، هل استنفد المُجرّبون فرصهم، كل هذه المشاريع التي كانت خطبًا عصماء يومًا ما على منابرهم، أو موضوعات لحلقات درسهم التي أتت الثورة فأتاحت لهم متنفسًا ليخرجوا تخريصاتهم على الدولة السورية وعلى الثورة السورية التي لم تقم أصلًا على منطلقات دينية ولا عرقية، بل كانت انتفاضة شعب أراد أن يسترد الدولة إلى سيادته، ويُنهي احتكار السلطة الأسدية للدولة.

منذ مشروع “أمة” الذي فرض رؤية أممية إسلامية على الثورة السورية، ودمّر أي احتمال لقيادة بُنى الدولة البديلة للأرض المحررة، بدأ الاعتماد على أهل الثقة من طبقة “الكهنوت”، واستبعدت الشخصيات الوطنية، بل حوربت بدعوى العلمانية؛ فأصبحت اللحى سُلّمًا للارتقاء للمناصب ومكافئًا للصور الرفاقية البعثية التي كانت سُلّمًا لارتقاء المناصب، بغض النظر عن الكفاءة والوطنية والمؤهلات العلمية.

افترض مشروع “أمة” وجود طبقة ترفض أن ترى نفسها عسكريًا تحت أمرة ضابط منشق، وما حدث العكس، وإداريًا ترفض أن تكون مؤسسات الدولة تحت إدارة أي إداري انشق عن النظام، فمشروع “أمة” اعتمد على أدوات أهمها اللحية والسواك، الذي يجب أن يظهر للعيان كي يدلّ على انتماء صاحبه؛ فكانت الكارثة التي دفع أهلنا في المناطق المحررة ثمنًا باهظًا لها، من أجل تجربة مشروع “أمة” مرورًا بمشروع “إدارة التوحش” الذي روّجت له “القاعدة” والسلفية الجهادية، فكان كارثيًا، مرورًا بمشروع الحزب الورقي “حزب التحرير” الذي صار يقود الثورة.

في كل مشروع حبيس أدمغتهم، كانت مصطلحات الثورة تنال منها عوامل حتّهم وتعريتهم، فيبدّلون الثورة السورية بـ “الجهاد الشامي”، ويبدّلون سورية بـ “الساحة”، ويبدّلون السياسة بـ “السياسة الشرعية”، ويُقاربون كل متغيرات الثورة عقائديًا، ليصنعوا مجالًا حيويًا تنمو فيه صرعاتهم وقفزهم على الثورة وتحويلها كما يريد النظام إلى إرهاب، وكما يريد خميني إيران التكفيري إلى حرب طائفية، ويجعل وجوده، كما يدّعي زورًا، حماية المقامات الشيعية من التكفيرين السنّة، وصولًا إلى ما يُسمّى الاصطفاف السنّي الذي كان ثالثة الأثافي، ليكشف بكل وضوح رغبة أصحابه في جعل الثورة السورية تدخل في صراعات طائفية مريرة وطويلة الأمد، يُكرّس فيها  شكل إيران الطائفية، ويعطيها حق الوجود كنموذج طائفي، ويقابلها شكل مُعادٍ يحتدم الصراع بينهما، والوقود شباب سورية وثوارها كرمى لعيون إيران.

تعب الشعب السوري من هؤلاء الذين لم يتعلموا من تجاربهم، بل استنسخوها بأسوأ صورها، تعب من التجريب فيه، لأنهم صاروا أمام أمرين، إما أن يكونوا فئران تجارب لهؤلاء، أو حطبًا في نار القاتل الأسدي، ينظرون إلى هؤلاء وهم يتحدثون عن كيان سنّي، ويتوقون إلى استنساخ تجربة غزة، وقد نسوا أن تلك أماني ليس لها على الأرض أي حظوظ، فحركة (حماس)، بالرغم من رفعها لشعارات إسلامية، لم تُحارب الطوائف الأخرى، ولم تعدم الحياة السياسة في غزة، ولم تنه الوجود الوطني الفلسطيني، بل اشتركت في انتخابات حرة وربحتها. يريدون أن يُجربوا بالشعب السوري ويطبقوا نموذجًا مسخًا من تجاربهم، لنخسر شبابنا وبلادنا كرمى لمشاريع خلّبية ليس لها أي فرصة في النجاح.

يجب على “ثوار” سورية فهم الواقع، والاتجاه نحو التماسك بكيانات جديرة بالثقة، وتسريع الخطى لتحقيق ذلك، وعليهم أن يُفهموا أصحاب المشاريع السوداء، أن الشعب ليس فأر تجارب، وأنه ما من بديل عن المشروع الوطني الثوري الذي خرجت الثورة واشتعلت من أجله، مشروع يضمن سورية دولة حرة مدنية، ويضمن دستورًا عصريًا يُعيد إنتاج الحكم على أسس تحترم مواطنيها، ويؤمن انتقالًا سلسًا متتابعًا للسلطة، وبضمن تداولها عبر الصندوق الانتخابي.




المصدر