قوة إيران “الناعمة” في الساحل


عارف محمود

يستمر نشاط “مجمع الرسول الأعظم” وثانوياته الشرعية في الساحل السوري، دون الالتفات إلى قرارات حكومة النظام بإغلاق المدارس الشرعية التي لا تلتزم بمناهج وزارة الأوقاف. تمّ افتتاح المجمع، قبل ثلاثة أعوام، ليكون مركزًا دعويًا لمشروع إيران في سورية، لا يوفر الوقت والجهد في استثمار العلويين عبر استقطاب الشبان وأبناء من قضى كرمى لعيون الأسد ونظامه، “لإعداد جيل أخلاقي مؤمن ملمّ بالعلوم الشرعية، بعيدٍ عن أي تطرف مذهبي”، كما يدّعي خريجو حوزات قمّ الإيرانية.

ما يقوم به عدد من شيوخ الطائفة يدل على انخراطهم في المشروع الإيراني في المنطقة، وإذا كان حافظ الأسد قد استطاع تقييد الوجود الإيراني في سورية نسبيًا، فلا يبدو اليوم ابنه بشار قادرًا على دفع مقاتلي الحرس الثوري الإيراني و(حزب الله) إلى الالتزام بمعايير ما تبقى من دولة يحاول بسط سيطرته عليها.

يمكن ملاحظة صنفَين من شيوخ العلويين المنضوين تحت مشروع ولاية الفقيه، صنف منهم يسعى للحصول على دور اجتماعي داخل الطائفة العلوية، يفتح لهم دعم النظام المادي والمعنوي ورضى طهران، والصنف الآخر لشيوخ يحاولون استعادة مكانة قديمة، سلبها حافظ الأسد مع استقرار حكمه وإلغائه لمرجعيات دينية تقليدية لعائلات لعبت دورًا مهمًا في الحفاظ على وجود العلويين، كمكوّن سوري وطني، خلال النصف الأول من القرن العشرين.

تظهر أيضًا فئة من متديني العلويين الشبان الذين يتواصلون مع أبناء الطائفة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هؤلاء يعلون صوتهم ضد مشروع إيران الديني متجهين إلى فئة المتعلمين الذين نجوا من النشوء قرب الحسينيات وثانويات ولاية الفقيه الشرعية. وللمفارقة فهؤلاء يفاضلون بين التدخل الروسي والمشروع الإيراني، وتقودهم علمانيتهم “اللاوطنية” إلى تفضيل الوصاية الروسية، طالما أنها بقيت بعيدة عن معتقدهم!

تبقى الأصوات المتمسكة بالمشروع الوطني بعيدًا عن أي تبعية خارجية، سواء كانت سياسية أو مذهبية، وتفرِّق هذه الأصوات بين تجديد الهوية الدينية داخل الطائفة وبين الانجرار -بذريعة الخوف والمصلحة- نحو مشاريع لا تحمل خيرًا للوطن السوري وضمنًا العلويين، وبحكم انسجامها مع المشروع الوطني السوري فهي مضطهدة داخل بيئتها وتحت رقابة النظام وزبانيته، أو اختارت المنفى ضريبة لمعارضتها النظام. وهؤلاء يرون في موقف الشيخ صالح العلي (ومجموعة من رجال الدين والسياسة من جميع مكونات الساحل السوري) ضد الانفصاليين، وفي رفضهم عام 1936 إقامة دولة مستقلة للعلويين، يرون نهجًا أكثر وعيًا -دينيًا وسياسيًا- لمصلحة السوريين والوطن السوري.

في العلوية لا يوجد مرجعية عليا ولا مجلس إفتاء، لقد قضى الأسد الأب على رجال الدين العلويين الحقيقيين، وأوجد شريحة من مشايخ السلطة الشبيحة، ومؤخرًا استورد رجال دين مرتزقة من “حزب الله” اللبناني ومن إيران، هم من سلّح السكان في حمص وحرضوهم على قتل السنّة، التحالف بين إيران والعلويين هشّ، وسيزول بمجرد سقوط الأسد.

جزء من التركة التي خلفها الأسد الأب للابن هو العلاقة مع طهران، لكن الأب حرص على أن تقوم على نوع من التوازن، وربما نجح في ذلك إلى حد بعيد، إلا أن الوضع، منذ استلام ابنه بشار السلطة، أخذ أبعادًا مختلفة، وتحولت العلاقة الجيدة مع طهران إلى حلف استراتيجي.

منح الرئيس السوري الحالي، خلال الـ 17 سنة الأخيرة، امتيازات هائلة لإيران سمحت لهم بالتدخل في الشأن الداخلي السوري، وخلال الثورة السورية سلّم الأسد مفاتيح سورية لإيران، وبات البلد قاعدة خلفية لها، وهذا ما يفسر جزئيًا التزام إيران بتقديم دعم مالي ضخم للأسد وميليشياته العلوية المسلحة، وتدريبهم عسكريًا من قِبل ضباط من الحرس الثوري الإيراني بشكل سري، وهم من قام بمجازر سيئة السمعة ضد الحاضنة الشعبية السنّية للمعارضة، من أجل تحريض السنّة لقتال العلويين لتحويل الثورة إلى حرب ضدهم، ودفع الطائفة إلى الوقوف مع الأسد بشكل مطلق، وهو ما حصل فعلًا.

الأسد وإيران، بسياستهما الدموية في سورية، زجّا بالطائفة العلوية في الحرب، وباتت الغالبية السنّية تقيم تماهيًا بين العلويين والنظام. يرى البعض أن احتمالات حدوث صدام داخل المجتمع العلوي تزداد، بين مؤيدي ولاية الفقيه ومعارضيه، وإن حصل هذا الصدام؛ فستكون العاقبة أكبر من التكلفة التي دفعوها من أرواح شبانهم.




المصدر