فزغلياد: يمكن اعتبار “المعارضة المعتدلة المناهضة لنظام الأسد” بحكم المنتهية


سمير رمان

الصورة: رودي سعيد / رويتر

دخلت الحرب في سورية مرحلةً حاسمة. هذه المرحلة هي مرحلة القضاء النهائي على العصابات الإرهابيّة التي أرهبت المنطقة كلّها، وبدرجةٍ ما العالم. حسمَ قرار الولايات المتحدة الأميركيّة بوقف دعم “المعارضة المعتدلة” الأمر؛ فلم يعد لـ “المعارضة المعتدلة” وجودٌ بعد الآن. وبالحسابات الكبرى، لم تكن موجودةً أصلًا.

ابتداءً من عام 2013، سلّم “الجيش السوريّ الحرّ” الذي يُعدّ جزءًا من المعارضة المعتدلة، ما لا يقلّ عن 70 بالمئة من الأراضي التي كانت تحت سيطرته، لـ “تنظيم الدولة الإسلاميّة”، كما استولت “جبهة النصرة” على 20 بالمئة من هذه المناطق، ولم يتبقّ تحت سيطرة الجيش السوري الحرّ (وليس بمفرده، بل إلى جانب مجموعاتٍ جهاديّةٍ أُخرى كحركة أحرار الشام خاصّةً) سوى 10 بالمئة فقط. جاءت هذه المعلومات من مصدرٍ متعاونٍ مع فرقة النخبة التابعة لـ “قوات النمر” الحكوميَّة. ومن الجدير بالذكر، أنَّ جدلًا حادًّا كان قد ثار منذ عامٍ ونصف، حول نسبة المناطق التي تسيطر عليها كلّ من المجموعات المتمرّدة.

في بعض الحالات، كان الجدل افتراضيًّا بامتياز، لأنَّ الحرب، بعد خسارة حلب، تحولت إلى حربٍ على جبهات متباعدة غير مترابطة، حيث تعمل، إلى جانب خصوم الأسد، مجموعاتٌ ذات توجُّهاتٍ سياسيّة متناقضة. وصل هذا الجدل ذروته الأسبوع الماضي، بعد تصريحات وكالة الاستخبارات الأميركيّة والبنتاغون عن وقف كافّة أنواعٍ الدعم لأيٍّ من مجموعات المعارضة المسلَّحة في سورية، ومن ضمنها في إدلب، حيث فرضت أكثر المجموعات تطرِّفًا “هيئة تحرير الشام” سيطرتَها شبه التامّة، مؤخرًا على “واحة الغيلان”.

إذا كان الوضع مفهومًا في إدلب، مناطق تدمر وفي دير الزور، حيث اللون “الأسود”، أي “تنظيم الدولة الإسلامية وهيئة تحرير الشام”، هو من يفرض سيطرته، فإنَّ الوضع في المحافظات الجنوبيّة أكثر ضبابيّةً بكثير؛ فبعد عقد الاتفاق بين روسيا، الولايات المتحدة الأميركيّة والأردن لإنشاء منطقة خفض التصعيد في محافظات درعا، القنيطرة والسويداء، حُرمت مجموعات “الجيش السوريّ الحرّ” من مساندة قواعد الدعم الأميركية في الأردن. وفجأةً اتَّضح، أنَّ هذه المجموعات لا تساوي، في واقع الأمر، شيئًا، من دون الخبراء والإمدادات الأميركيّة.

وفي السابق أيضًا، لم يكن نشاط الجيش السوريّ الحرّ بالمتميّز، فقد كانت فصائله تتاجر بالأسلحة المجّانيّة، وكذلك بمواقفها “العلمانيّة” المزعومة. وفي الوقت نفسه، كانت عقيدتهم السياسيّة تتمحور بشكلٍ رئيسيٍّ حول شعار “رحيل الأسد”. ولكن بعد تخلّي واشنطن نفسها عن هذا الشعار، لم يعد من معنىً لوجود غالبيّة مجموعات المعارضة “المعتدلة”. أمَّا التفكير في وضع برنامجٍ لتحوُّل البلاد المستقبليّ ودخول الانتخابات فيه، فليس بمقدور المعارضة المعتدلة التصدّي لإنجاز هذه المهمّة. لذلك، يصبح من الضروريّ أحيانًا، التفكير بدلًا عن هؤلاء الناس، بابتكارِ “موقفٍ لهم”، على الأقلّ لكي تبقى فكرة التسوية السياسيّة مطروحةً.

في حال العكس، سيكون على كلِّ الشخصيّات الفاعلة الاعتراف بأنَّ الحرب ستستمرّ لأسبابٍ دينيّة بحتة (وفي بعض المناطق بدوافع عرقيّة)، وليس أبدًا في سبيل تمثٌّل مبادئ الغرب الديمقراطية، ولإقامة حكومةٍ عادلة.

بعد هزيمة الجيش السوريّ الحرّ على يد الرايات السوداء في محافظة إدلب، أصبحت المنطقة الجنوبيّة من سورية هي المنطقة الوحيدة التي تستمرّ فيها لعبةٌ سياسيّةٌ ما، وبمشاركة القوى الخارجيّة. وتفيد المصادر السوريّة بوصول نحو 400 جندي روسي (من الشرطة العسكريّة بشكلٍ رئيسيّ) إلى محافظتي درعا والقنيطرة، للعمل على تأمين نظام وقف إطلاق النار في تلك المناطق. كان الحديث في البداية يدور عن مراقبةٍ ثلاثيّة الأطراف، ولكن ليس من الواضح، حتى الآن، طريقة مشاركة الولايات المتّحدة الأميركيّة والأردنّ.

في الوقت الراهن، ما يزال الخبراء الأميركيين يقدّمون الدعم لمجموعة صغيرة من المعارضة العلمانية في منطقة التنف، بينما لا يفعل الأردنيّون شيئًا البتّة. يمكن تفهّم وضع الأردنّ، فهُم عملوا على مدى سنواتٍ طويلة على تأمين أمن بلادهم، لذا لا يمكنهم الشعور بالراحة من التدخلّ المباشر في الأعمال القتاليّة (حتى في الدوريّات).

على جانبٍ آخر، يُفترض أن تتعاون المعارضة “المعتدلة” مع قوات الجيش السّوريّ، للقضاء على ما تبقّى من مجموعة الجهاديين الرئيسيّة في محافظة القنيطرة، حيث يتواجد هناك، ليس فقط (تنظيم الدولة الإسلاميّة) والقاعدة سابقًا (هيئة تحرير الشام)، وإنما أيضًا غيرها من المجموعات المتجوّلة التي لا يُعرف انتماؤها. في الوقت نفسه، يسيطر مقاتلو “تنظيم الدولة الإسلاميّة” على محور الجيب هناك، بينما يقف على خطوط التماس الأماميّة مقاتلو “هيئة تحرير الشام” بالدرجة الأولى. وعلى ما يبدو، سيقع على عاتق القوات الحكوميّة عبء إخراجهم من هناك، بمساندة القوات الجويّة الروسيّة.

ربّما تكون الجبهة الجنوبيّة -الآن- المنطقة الوحيدة التي يمكن فيها التعاون بشكلٍ ما، مع ما يسمَّى المعارضة المعتدلة (حتى ولو كان تعاونًا استعراضيًّا). على الصعيد العمليّ، سيكون مثل هذا التعاون بلا فائدة، ولكنّه ضروريٌّ على الصعيد السياسيّ. وبغضّ النظر، عمَّا إذا كانت الولايات المتحدة الأميركيّة قد تخلّت بالفعل عن المجموعات الموالية لها سابقًا، أم أنَّها قد تركتهم ليصفّوا بعضهم البعض، فإنَّ جزءًا من المجموعات “العلمانيّة” قابلٌ للتفاوض، ولو كان مع بعض التحفّظات. على الجبهات الأُخرى، لم يتبقّ من المجموعات المعتلة شيءٌ يذكر، فهم إمَّا يبدّلون، وبسرعةٍ، راياتهم إلى اللّون الأسود (داعش أو النصرة) في سعيٍ لأهدافٍ معلومة -أي النجاة بأنفسهم- ولهذا فإنّ توقُّع شيءٍ ما، من أمثالهم، أمرٌ عقيم.

لا يعتزم أحدٌ إلقاء اللوم على الأميركيين لما فعلوه، خلال السنوات الثلاث الماضية في سورية، لأنَّه، بكلّ بساطة، لا فائدة ترجى من ذلك.

“تتجلَّى عبقرية الأميركيين بأنَّهم لا يقومون أبدًا بارتكاب أخطاءٍ بسيطة وغبيّة، فهم يرتكبون أخطاءً معقَّدةً جدًا وغبيَّةً أكثر، وفي الوقت نفسه يسبّبون الصداع للجميع في البحث عن مغزًى ما مهما كان ضئيلًا”. هذه وجهة نظرٍ عربيةٍ صِرف للوضع، ولكنَّها صحيحة بشكلٍ عام.

المهمَ، أنَّ القضاء “ذاتيًا” على الغالبية العظمى من المجموعات المعتدلة والعلمانية المسلَّحة، يمهّد الطريق أمام القوات الجويّة الروسيّة. فقد انتفت الحاجة إلى التوافق حول تصنيف المجموعات المسلّحة وإعداد لوائح بالمجموعات المعتدلةٍ، تجنّبًا لإيذائها، وبالتالي خدش كرامة الأميركيين. فهذه لم تعد مشكلة مطروحة؛ وبالتالي انتفت الحاجة إلى التواصل مع التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، على كافّة الجبهات. فعلى سبيل المثال، انتقل مركز العمليات القتاليّة من جديد الى منطقة تدمر، حيث تحاول القوات الحكوميّة والميليشيات المتعاونة معها، بدعمٍ من المستشارين الروس، فصْلَ مناطق سيطرة “تنظيم الدولة الإسلاميّة” إلى شطرين، بالاستيلاء على بلدة السّخنة. وفي حال نجاحها (وهذا في طريقه للتحقّق)، سيتمّ عزل المجموعة الأكبر من مقاتلي “تنظيم الدولة الإسلاميّة”، المتواجدة بين تدمر وإثريا، عن دير الزور التي يتواصل نقل التعزيزات إليها بواسطة طائرات الهليكوبتر الروسيّة.

يسير الهجوم ببطءٍ، بسبب الهجمات المعاكسة المستمرّة التي يشنُّها الجهاديّون على أجنحة القوات المهاجمة في الصحراء بواسطة السيّارات المفخّخة، ومن خلال نصب الكمائن عبر الانتقال في الصحراء بحركاتٍ التفافيّة حول القوات المتقدِّمة، في محاولاتٍ لقطع طرق الإمداد. أثبت هذا التكتيك فعاليتّه في السابق؛ أمّا الآن، فلم بعد هذا التكتيك مجديًا، بفضل تواجد المستشارين الروس في كلِّ لواءٍ من الألوية المهاجمة، وبسبب ارتفاع مستوى الإعداد التكتيكي والعمليّاتي للسوريين. من ناحيةٍ أُخرى، إذا قرَّر الجهاديّون الدفاع الجبهويّ عن مواقعهم، فإنَّه سيتمّ القضاء عليهم في غضون يومين لا أكثر.

في الوضع الحالي، يتوجّب على الجيش المتقدِّم إيلاء اهتمامه الدائم للأجنحة الممتدَّة على مسافاتٍ كبيرة. ويتَّبع “تنظيم الدولة الإسلاميّة” التكتيك نفسه، مسبِّبًا الإزعاج الدائم، ولكنّه لم يعد قادرًا على إلحاق أضرارٍ مهمَّة.

مع استمرار تقدّم القوات الحكوميّة من الشمال، ومع استمرار التحرّك جنوبًا وباتجاه جنوب شرق، ستتمكَّن القوات الحكومية من تطويق مجموعات “تنظيم الدولة الإسلاميّة” في ريف محافظة حماة الشرقي. وفي دير الزور، تمكّنت فرقة الحرس الجمهوريّ المُجوقلة الـ 109 وفصائل العشائر من طرد مقاتلي (داعش) من مقبرة المدينة، لتؤمِّن أخيرًا دير الزور والمطار من قصف الهاون المستمرّ.

والآن، ليس من الواضح كيف ستنخرط بقايا المعارضة المسلّحة “المعتدلة” و”العلمانية” في هذه الحرب، لتحقيق النصر على الإرهابيين معًا. وبالطبع، لا يشارك الأميركيون الطيبون وحلفاؤهم في هذه العمليات.

بعد أسبوعين أو ثلاثة، سيكون على دمشق مساعدة بقايا “المعتدلين” و”العلمانيين” من الجيش الحرّ السابق على الوقوف على أقدامهم، تلك البقايا التي توزعّت قياداتها الأوليّة بين تركيا وعددٍ من دول الخليج، والتي تسيطر على أراضٍ، يمكن بسهولةٍ احتساب نسبتها على الخارطة السورية مباشرةً. على كلِّ حال، أهميّة هذه القوى ضئيلةٌ إلى درجةٍ أنها لن تستطيع التأثير على ميزان القوى العام.

إذا ألقينا نظرة أكثر شمولًا على الوضع، فسيكون علينا الـتأكيد أنَّ المكوِّن السياسيّ “للاحتجاج ضدّ نظام الأسد” لم يعدْ موجودًا. كان المكوِّن السياسي ضعيفًا منذ البداية. وكان قادة “المعارضة المعتدلة” من رجال غاضبين كانوا مقرّبين من تفريعات عائلة الأسد. وفي الوقت نفسه، القليل من يتذكَّر أن الحرب الأهليّة انتقلت إلى مرحلة المذابح مباشرةً بعد أن أطلقت الحكومة السورية، تحت ضغط “المجتمع الدولي” جميع قادة “الإخوان المسلمين” الذي كانوا قابعين في سجونها، الذين لم يعلنوا قطّ أنّ لديهم “أهدافًا ديمقراطيَّة”.

في هذه الأجواء، باءت بالفشل كلُّ محاولات استزراع ديمقراطيين معارضين يفكّرون بطريقةٍ أوروبيّة. والآن، يمكن اعتبار هذا المشروع، وكذلك الفصل الرئيس من قصّة الحرب الأهليّة السورية، مغلقًا.

اسم المقالة الأصليّة Историю «умеренной оппозиции режиму Асада» можно считать законченной كاتب المقالة يفغيني كروتيكوف مكان وتاريخ النشر صحيفة فزغلياد الروسية. 2 آب 2017 رابط المقالة https://www.vz.ru/world/2017/8/2/881093.html

ترجمة سمير رمان




المصدر