الجنسيّة السورية والدّم “الذكوري”


muhammed bitar

حصرت المادة الثالثة من قانون الجنسية السوري في الفقرة (ا) حق منح الجنسيّة السورية حكماً بالميلاد بمن وُلِد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري، أي أن الجنسية بالولادة تعطى لمن ولد من أب سوري، أما بالنسبة للأم السورية فلا تؤخذ بعين الاعتبار، بمعنى أن هذا المنح مرتبط بالدم الذكوري بينما الدم الأنثوي فهو “تابع لذَكَر ما”.

ولم توضح حكومة نظام الأسد هذا التمييز حالها كحال كل الحكومات العربية التي تنهج النهج نفسه في حصر منح الجنسية بالدم بالذكور فقط دون الإناث.

وفي جواب تلقته الحملة الإقليمية “جنسيتي حق لي ولأسرتي” (التي شملت عدداً من الدول العربية) عام 2005 جاء فيه أن المطالبة بإصلاح قوانين الجنسية “يهدّد السيادة الوطنية والأمن القومي، بمعنى أنه من المحتمل أن تتزوج امرأة سورية (أو أية امرأة من الدول الإقليمية، لبنان، مصر، العراق، الأردن، سوريا) من أجنبي، ويتبين فيما بعد أنه يعمل ضد “المصلحة الوطنية”، وهو ما يمثل اعترافاً ضمنياً أن المرأة عاطفية ولا ينطبق هذا على الرجل كونه عقلاني! علماً أن الأجنبي المقصود قد يكون من دولة عربية.

ضدّ التغيير

يضاف إلى هذه العقبات تلك الذريعة المتعلقة بالفلسطينيين وتوطينهم، والأخرى المتعلقة بالأكراد، ووفقاً لأرقام وزارة الداخلية في حكومة النظام فإنّ عدد النساء السوريات المتزوجات من عربي في عام واحد ( 2006) بلغ 1451 حالة، وهي الحالات المسجّلة في النفوس، ما يعني أن هناك  الآلاف من محرومي الجنسية السورية منذ سنين طويلة.

وبحسب تقدير مبدأي أعدّته “رابطة النساء السوريات” وهي التي قادت الحملة في سوريا منذ 2003 فقد بلغ عدد النساء السوريات المتزوجات من أجانب وعرب حوالي 100000 امرأة، وانطلاقاً من تقديرات هيئة تخطيط الدولة في سوريا والتي تحدد متوسط عدد أفراد الأسرة السورية بخمسة أفراد، فإنّ هذا يعني أنّ نحو نصف مليون شخص يعاني من آثار هذه المشكلة في سوريا، وهذا وفقاً لإحصائيات منذ عشر سنوات، أي قبل عام 2011.

ورغم مطالباتٍ وتحركات مختلفة فقد بقيت العقلية الذكورية هي المسيطرة على ما يبدو مانعةً أي تغيير للقانون، وبالتالي فقد باءت كل المحاولات بالفشل رغم تضامن 35 نائباً في البرلمان السوري مع الحملة آنذاك، وتبني مطالبها عبر مشاركتهم في وثيقة التواقيع التي أطلقتها الرابطة والتي تم رفعها إلى رئيس مجلس الشعب في حينه، بالإضافة إلى الكتاب الذي رفعته رابطة النساء السوريات إلى رئاسة الجمهورية بتاريخ 16-5-2006 المرفق بعريضة وقع عليها الآلاف من المواطنين يطالبون بالتعديل.

الطفل ضحيّة

يزخر موضوع الجنسية بالقصص والمآسي التي تتعلق بالنساء المتزوجات من عرب أو أجانب عشنَ تجارب سيئة مع أزواجهن وانفصلن عنهم أو عِشن في سوريا مع عائلاتهن، وعانينّ من الحقوق المنقوصة ومن الحرمان من الجنسية، ففي إحدى الحالات نجد كيف أن “أم ديفيد” وَلدت ابنها من رجل قبرصي الجنسية، وتم الطلاق قبل أن تضع مولودها، ومنذ ذلك الحين لم تعرف عن والده شيئاً، وعاشت مع ابنها الذي كبر ودرس بلا جنسية أبداً (لا سوريّة ولا قبرصية) وذلك في انتهاك واضح لقانون الجنسية نفسه ولحقوق الانسان بالحصول على جنسية، ولحق المرأة بالمساواة مع الرجل في القوانين.

ونتيجة ذلك فقد عانى الطفل (غير المجنّس) من عدم قدرته على التحرك خارج منطقة معينة لأنه لا يحمل جواز سفر أو هوية، وبالتالي بقي أسير قوانين حملت أمه بالنهاية على التخلي عنه ليتبناه شخص سوري علّه يعطيه الجنسية السورية، ولأن التبني ممنوع في سوريا فإن المساعي لم تنجح ولا تزال تعوّل (وقد قاربت السبعين من العمر) على حلم الحق بالمساواة مع أخيها الذي يعيش في بلد أجنبي آخر (واستطاع أن يعطي أولاده الجنسية السورية) بينما ولدها الذي أحب سوريا وعاش فيها لا يتمتع بحق نيل جنسيتها؛ هذا الحق الذي يمنحه حق الانتقال بحرية والعمل الخاص أو العام، ويؤهله لمتابعة الدراسات العليا وللسفر والتملك.

أثر “الحرب”

في سنوات الثورة ازدادت القصص تعقيداً خارج وداخل سوريا، وكذلك عدد الأسر التي لم تسجّل أبناءها بسبب عدم منح الجنسية السورية لأبناء المرأة السورية، علماً أن حالات الطلاق والزواج من عرب وأجانب أصبحت لا تحصى ولا تعد، ما يعني أن النتائج الكارثية ستظهر لاحقاً، كما ظهرت اليوم نتائج عدم منح الحق بالجنسية لأولاد السورية الذين يعيشون في سوريا، لنجد عائلات بأكملها بلا جنسية أو هوية أو انتماء واضح.

ومن الحالات الإيجابية التي ينبغي الإشارة لها هناك الجزائر وتونس اللتين منحتا المرأة حق منح جنسيتها لأبنائها أسوة بالرجل، كما عدّلت مصر بعضاً من القوانين التي تعطي أبناء المصرية الجنسية دون زوجها، لكن لا تزال سوريا ولبنان والأردن والعراق وغيرهم من الدول العربية أسرى قوانين غير مفهومة ولا واضحة تستهدف حقوق النساء.

شبكة الصحفيات السوريات




المصدر