الغارديان: ترامب يمكن أن يكون خارج منصبه في غضون عام ولكن هذا سيكون بداية مشكلات الولايات المتحدة


أحمد عيشة

سيكون اليمين المتطرف أمام خيار صعب بين التمسك بـ ترامب، أو التحول نحو رئاسة تحررية، ومحافظة اجتماعيًا، برئاسة مايك بنس

“إن أصبح بينس رئيسًا، فستكون هذه اللحظة الحقيقية للكشف (الفضيحة)”. صورة: دارون كَمنغز/ أسوشيتد برس

قائمةٌ مختصرة، من “مغمورين معروفين”، تشير إلى أنَّ رئاسة دونالد ترامب، لن تستمر 12 شهرًا. ونحن نعلم أنَّ هيئة محلفين كبرى ما زالت تجتمع منذ عدة أسابيع، ولها سلطة استدعاء، للنظر في الأدلّة على تورط الكرملين في حملة ترامب.

نحن نعلم أنَّ دونالد الابن تلقى رسالةً بالبريد الإلكتروني من وسيطٍ يعرض اجتماعًا كجزءٍ من “دعم روسيا وحكومتها للسيد ترامب”، وأنه عندما أصبح هذا الأمر معروفًا، أدلى الرئيس شخصيًّا بموقفٍ كاذب عن ذلك الاجتماع.

ونحن نعلم أيضا أنَّ المستشار الخاص روبرت مولر لا يحقق فقط في التعاملات الروسية لزعيم الحملة السابق، بول مانافورت، ومستشار الأمن القومي السابق، مايكل فلين. وفي الأسبوع الماضي، أصبح من الواضح أنَّ مولر يحقق أيضًا في الصلات بين أوليغارشيين روس، وأعمال ترامب التي وصفها الصحفي التحقيقي، كرايج أونجر، بأنها “غسيل” المال القذر للعصابة الروسية.

السيناريو الذي يُوصف في الدوائر الديمقراطية هو أن ترامب يحاول، ويفشل في إقالة مولر، وهو واحدٌ من أكثر المشتبه بهم الذين حصلوا على حصانة، وهو يفشي الأسرار. بعدئذ، إما أن يستقيل ترامب، أو أن يتم توجيه الاتهام إليه. مايك بينس يصبح رئيسًا؛ وعندها فقط نتعرف على ما يريده المليارديرون اليمينيون حقًا من وراء المشروع. لأنَّ ترامب لم يكنْ أبدًا اختيارهم الأول: خلال الأشهر الستة الأولى من حملته، كان المانح النخبوي الأساسي لحملة ترامب، هو دونالد ترامب الابن نفسه. ولم يحدث ذلك إلا عندما فشل المحافظ المتدين، تيد كروز في إشعال الجماهير التي حولّت أموال رجال الأعمال المتطرفين إلى ترامب.

حتى ذلك الحين، الأخوة كوخ، الذين موّلوا مجموعات الضغط اليمينية بنحو 400 مليون دولار (307 مليون جنيه)، ظلوا مبتعدين حتى تم تثبيت حليفهم بينس كشريكٍ لترامب. إذا أصبح بينس رئيسًا؛ فستكون اللحظة الحقيقية للكشف. كلُّ النفايات والترهات التي غرّد بها ترامب على (تويتر)، وكلُّ الهراء الذي تلفظ به في المسيرات، سوف ينظر إليه على أنَّه مقدمةٌ سريالية للحدث الرئيسي. ولكن ما هو الحدث الرئيسي؟

في الواقع، هناك اثنان من المشاريع اليمينية المتميزة، ولكن المتداخلة في الولايات المتحدة. الأول، والأكثر ارتباطًا بشكلٍ واضح مع الإخوة كوخ، وأفضل وصف له تعبيره المعتمد: “الدفاع عن الدخل”. وهو يعتبر كلَّ دولار، من ديون الولايات المتحدة البالغة 19 تريليون دولار، استحقاقًا مستقبليًا على أرباح المشاريع الخاصة؛ فإنه يريد ضريبةً منخفضة -وكما ذكر داعمُ ترامب، روبرت ميرسر، ذات مرة- دولة “تقلصت إلى حجم رأس الدبوس”. وفوق كلّ شيء، فإنه يريد إزالة القيود المتعلقة بالأعمال التجارية الكبرى، بما في ذلك الحد الأدنى للأجور التي حرمت أفقر الناس في أميركا من “فرصة نجاح مستحق”، على حد قول كبير الخبراء في فريق استراتيجي الإخوة كوخ.

وقد تم توثيق التأثير الواسع لـ: “الأموال المستورة”* للإخوة كوخ، في كتاب جين ماير لعام 2016، الذي يحمل الاسم نفسه. فهي تمول، من بين أمورٍ أخرى، ما يقرب من 300 دورةٍ أكاديمية في الكليات والجامعات، حيث يُملي اليمينُ المناهجَ: يتعلم الطلاب أنَّ “كينز سيئ، وأنَّ المؤسسات الصناعية المستغِلة جيدة، وأنَّ تغير المناخ هو أسطورة”.

يتميز المشروع التحرري بتركيزه المتواصل على الاقتصاد. تمامًا مثلما أنَّ الأيديولوجية النيوليبرالية تقلّل من كل القيم البشرية لصالح الإنسان الاقتصادي ( homo economicus)،** كذلك، فإنَّ أيدولوجية كوخ لا تهتم حقًا بالإثنية، أو الدولة، أو الرذائل الخاصة. ويمكنها أنْ تتكيف مع حقوق السود، والسجناء، والمهاجرين، ومدخني الماريغوانا.

أما الجانب الآخر من الأيديولوجية اليمينية المتطرفة، على النقيض من ذلك، فيريد دولةً قمعية، ومعايير اجتماعية محافظة مفروضة -وإذا اقتضت الضرورة- دستورًا ينجزها بالقوة والسلب. إذا قمنا بتحليل ترامب من خلال أفعاله، بدلًا من كلماته المشوهة، فإنّه النزعة المناهضة لليبرالية السياسية التي اكتسبها خلال الأشهر السبعة الأولى من رئاسته. فعندما أوقف أحد القضاة حظره على هجرة المسلمين، هاجم دور القضاء الدستوري. وعندما كشفت الصحافة عن مخالفات، وصفها بأنها “أعداء الشعب الأميركي”. وعندما رفض جيمس كومي طلب ترامب بـ “الولاء”؛ أقاله من منصبه.

قبل عيد الميلاد، من المرجح أنَّ نخبة اليمين المتطرف في الولايات المتحدة سوف تواجه خيارًا: التمسك بـ ترامب، متجمعةً خلف جدار من جنرالات سابقين، ومعرقلَةً باتهامٍ محتمل. أو التحول إلى الخطة كما كانت، في أوائل عام 2016، رئاسة تحررية، ومحافظة اجتماعيًا، برئاسة بنس.

ونحن نراقب الخطة تتكشف من بريطانيا، حيث تتوضح خطة موازية لوضعنا الخاص. في كلتا الدولتين، فرضت مجموعة النخبة قطيعةً استباقية مع العولمة: “أميركا أولا”، وبخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكزيست” هي محاولات لإنقاذ مشاريع السوق الحرة الوطنية، على حساب التخلي عن الأنظمة والقواعد المتعددة.

ولكن بمجرد أنْ يتم التخلص من القيد الخارجي؛ فإنَّ اليمين الحديث سيواجه هذه المعضلة التي لم تُحَل: الحرية السياسية التي يولّدها السخط الناتج عن مستويات الحرية الاقتصادية التي يريدها دائمًا.

إنَّ أنماط تعزيز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكسيت” هنا، ونماذج ستيف بانون، في الولايات المتحدة تشترك في خيال “فانتازيا” حول نوع المجتمع الذي يحركه السوق، والذي يريدون العيش فيه، ولكن لا يمكن أنْ يروا أيّ وسيلةٍ لتحقيق ذلك إلا من خلال فترة من الفوضى.

ما خلقوه، بين حزيران/ يونيو، وتشرين الثاني/ نوفمبر 2016، كان بلدين ديمقراطيين غير مستقرين. غير مستقرين ليس لأنَّ مؤسساتهما ضعيفة، ولكن لأنَّ نخبهم منقسمة، والليبرالية السياسية من دون اتجاه.

لا رفض ترامب، ولا وضع بريطانيا الخارجة من الاتحاد الأوروبي “بريكسيت” في مكانٍ ثانوي وقليل الأهمية، سيحلان هذه المشكلة الأساسية.

اسم المقالة الأصلي Trump could be out of office within a year – but the US’s problems would be just beginning الكاتب بول ماسون، Paul Mason مكان النشر وتاريخه الغارديان، The guardian، 7/8 رابط المقالة https://www.theguardian.com/commentisfree/2017/aug/07/trump-out-in-year-usa-problems-just-beginning-paul-mason?utm_source=esp&utm_medium=Email&utm_campaign=GU+Today+main+NEW+H+categories&utm_term=238419&subid=21764362&CMP=EMCNEWEML6619I2 ترجمة أحمد عيشة

*- الأموال المستورة: وهي الأموال التي تتبرع بها الشركات الكبيرة وأصحاب المليارات للمنظمات غير الربحية، ومن ثم تستخدم هذه الأموال في تحقيق أهداف تهم المتبرعين، مثل دعم الحملات الانتخابية وغيرها من المشاريع، كما تساعد أصحابها في التهرب من الضرائب.

**- الإنسان الاقتصادي ( homo economicus): مصطلح لاتيني يستخدم في النظريات الاقتصادية لوصف البشر باعتبارها كائنات عقلانية ومهتمة ذاتيًا وقادرة على إصدار أحكام تخص غايات محددة ذاتيًا (مثل تراكم الثروة والموارد). كما يستخدم هذا كقاعدة أساسية بالنسبة إلى معظم النماذج الاقتصادية، حيث يفترضون أن جميع البشر سوف يتصرفون مثل الإنسان الاقتصادي، وسبقه مصطلحات تصنف الإنسان تبعا للحقب التاريخية، فكان أولها الإنسان الصانع والإنسان المفكر أو العاقل، تبعا لسيادة النشاط البشري.




المصدر