الليلة الأولى من ليالي شهرزاد بعد العفو عنها


فوزات رزق

قالت شهرزاد:

بلغني، أيها الملك السعيد، أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، في بلاد تدعى “شامستان”، ملكٌ من الملوك الصغار الغلمان، وما ملك غير الله، وإذا كان عليك ذنب استغفر الله. وكان هذا الملك يحب رؤية النار محبة عجيبة، ويطرب لرؤية ألسنة اللهب تتراقص آتية على الأخضر واليابس من الحطب؛ ونتيجة لهذا الحب جعل النار شعارًا لمملكته.

وكان أن ابتنى موقدًا في باحة قصره، وأمر ألا تنطفئ ناره ليل نهار، وأوكل مهمة ذلك إلى مجموعة من الوقّادين؛ ما لبث أن ازداد عددهم، حتى شكلوا ديوانًا سمي ديوان الوقادين. وانحصرت مهمة هذا الديوان في جمع الحطب من أنحاء المملكة، لإذكاء النار في موقد القصر ليل نهار. وقد جنّد لهذه المهمة عددًا من الحطابين أخذوا يقطعون الأشجار حتى أتوا على جميع الغابات في المملكة.

وحين نفد الحطب، ولم يبق ما يذكي الموقد في ديوان الوقّادين؛ استدعى الملك وزيرَه وقال له: وزيري، لقد نفد الحطب من المملكة، وخبا نار الموقد في ديوان الوقّادين. وسوف تنطفئ النار التي اتخذنا منها شعارًا لمملكتنا، وهذا يهدد عرش المملكة التي اقترن اسمها باسم النار التي توقد في موقد القصر ليل نهار. وتابع الملك:

– وزيري! عليك تدبّر أمر النار المهددة بالانطفاء، وإني أمهلك ثلاثة أيام، قبل انطفاء النار في الموقد، حتى تجد مخرجًا من هذه المصيبة. وما لم تتوصل إلى حلّ يحفظ هيبة المملكة؛ فسوف تلاقي من الجزاء ما لم تسمع به، ولم يخطر على قلب بشر.

نظر الوزير إلى الملك في مجلسه وهو في غاية الكدر، فمهلة ثلاثة الأيام سوف تنقضي قبل أن يتدبّر أمر النار التي تكاد أن تنطفئ في موقد ديوان الوقادين.

وكما يجري -يا مولاي- مع الوزراء في مثل هذه المحنة؛ عاد الوزير إلى بيته، والهم يكاد يأكل صدره. وحينما رأته ابنته على تلك الحال قالت له:

– فديتك بنفسي يا أبتي. أراك على غير عادتك اليوم ماذا جرى لك؟ علني أستطيع أن أفرّج كربتك، وأزيل الهمّ عن صدرك؛ فتنهّد الوزير وقال لها:

– وماذا بيدك أن تفعلي يا بنتي وأنا أمام المحنة التي حلّت بالمملكة؟ قالت ابنة الوزير

– لا ترني صغيرة يا أبتي، فإنّ الله يضع سرّة في أصغر خلقه. وما من مشكلة إلاّ ولها حل. أفض ما بنفسك وبما يقلقك، وإني سأتدبّر الأمر بعون الله.

وحين أخبرها الوزير بما يعتمل في صدره قالت له:

– الأمر أهون مما تتصوّر يا أبي. وليس بالصعوبة التي تظنها. قال الوزير:

– وكيف ذلك؟ قالت:

– بما أنه لم يبق حطب في المملكة لتغذية الموقد؛ تحرقون المدينة وستبقى النار متقدة إلى ما شاء الله. قال الوزير بدهشة:

– نحرق المدينة؟! هل يرضى الملك بذلك؟ قالت:

– ما دام الملك مغرمًا برؤية النار، فسوف يكون مسرورًا.

في اليوم التالي، ذهب الوزير إلى قصر الملك. وأفضى له بما يراه مناسبًا، لإنقاذ سمعة المملكة. فتعجّب الملك من فطنة وحصافة وزيره، وأمر فورًا بإشعال النار في المدينة. وبأقل من ساعة، أخذت النار تلتهم البيوت حتى وصلت إلى قصر الملك.

عند ذلك أدرك شهرزاد الصباح، وسكتت عن الكلام المباح.




المصدر