مطالبات بالتحقيق والعقاب .. “عدوّ العقول” يُعدم باسل الصفدي

9 آب (أغسطس - أوت)، 2017
8 minutes

muhammed bitar

رغم مرور عدة أيام، لم تهدأ عاصفة الغضب والحزن التي عمّت أوساط النشطاء السوريين ومختلف الجهات الدولية وذلك عقب شيوع خبر وفاة مهندس البرمجيات البارز باسل خرطبيل “صفدي” في سجون نظام الأسد.

وفي آخر تداعيات الحدث، حثّت منظمتان حقوقيتان الرئيس الفلسطيني محمود عباس على إجراء تحقيق عاجل بشأن إعدام خرطبيل، ومئات الفلسطينيين الآخرين.

وطالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان والشبكة السورية لحقوق الإنسان بفتح التحقيق بموجب عضوية فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية، للتحقيق بما قامت به السلطات السورية بحق فلسطينيي سوريا على مدار السنوات الخمس الماضية، وأوضحتا أن اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في سوريا تعرضوا منذ بدء الثورة السورية عام 2011 للعديد من الانتهاكات التي تصاعدت مع مرور الزمن حتى أصبح استهدافهم “كمجموعة مستقلة بذاتها هدفًا”.

وذكرت المنظمتان أن العديد من الجرائم ارتُكبت بحقهم ومنها ما يرقى لأن يصنف جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب، كالتصفيات الجسدية واستهداف الأحياء والمخيمات الفلسطينية المدنيّة بالبراميل المتفجرة والاعتقالات التعسفية والتعذيب.

وطالبتا بتقديم نتائج التحقيق للمحاكم المحلية الفلسطينية لملاحقة المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم من أجل العدالة، ومنع سياسة استمرار الإفلات من العقاب.

وكانت ردرود الفعل الأولى على خبر وفاة باسل خرجت من الولايات المتحدة الأمريكية التي نددت بإعدام المبرمج، محملة نظام الأسد المسؤولية .

وأعربت الخارجية الأمريكية في بيان لها عن غضبها إزاء أعمال العنف المتكررة بما فيها التعذيب والإعدامات التي يقوم بها نظام الأسد خارج نطاق القضاء، وجاء في البيان أن نظام الأسد يتحمل مسؤولية إلحاق المعاناة والموت والدمار بشعبه.

نهاية بطل

وفي وقت سابق، أفاد ناشطون ومصادر حقوقية وعائلية بأن نظام الأسد نفّذ حكم الإعدام بحق الصفدي عام 2015 بعد أن ظل معتقلاً لديها منذ آذار 2012.

وكتبت أرملته نورا غازي على صفحتها في فيسبوك في وقت متأخر من مساء الثلاثاء الماضي “غصّت الكلمات في فمي وأنا أعلن اليوم باسمي واسم عائلة باسل وعائلتي تأكيدي لخبر صدور حكم إعدام وتنفيذه بحق زوجي باسل خرطبيل صفدي”.

وأوضحت أن إعدامه جرى “بعد أيام من نقله من سجن عدرا (ريف دمشق) في تشرين الأول 2015 … نهاية تليق ببطل مثله”، وأضافت “يا خسارة سوريا يا خسارة فلسطين يا خسارتي”.

أما منظمة العفو الدولية فكتبت على موقعها على تويتر “يؤلمنا تأكيد خبر إعدام الناشط باسل خرطبيل صفدي سنة 2015 في سوريا، فلترقد روحه بسلام”.

و قالت أنّا نيستات، المدير العام للبحوث بالمنظمة في تعليق لها على نبأ إعدام الناشط السوري الفلسطيني الأصل: “نشعر بأسى وغضب عميقين لسماع هذا الخبر المحزن، وسيبقى باسل خرطبيل في ذاكرتنا، على الدوام، كرمز للشجاعة وكمناضل سلمي من أجل الحرية حتى النهاية، وستظل أفكارنا وقلوبنا مع عائلته، إن وفاة باسل خرطبيل تذكير مفعم بالأسى لنا بالأهوال التي تشهدها السجون السورية كل يوم؛ فعشرات الآلاف من الأشخاص الذين يقبعون حالياً وراء القضبان في مرافق الاعتقال التابعة للحكومة السورية يواجهون التعذيب وسوء المعاملة والإعدام خارج نطاق القضاء، وهذه الأفعال القاسية ترقى دون شك إلى مرتبة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.

واختتمت أنّا نيستات بالقول: “نحث الحكومة الروسية على استخدام نفوذها لدى السلطات السورية للمساعدة على وقف هذا الجنون، فيجب أن تسمح لمراقبين مستقلين بدخول مواقع الاحتجاز في مختلف أرجاء سوريا، وبإجراء تحقيق في هذا الأمر، فحياة آلاف الأشخاص عرضة للخطر”.

شهادات

لعل أبرز الشهادات والتفاصيل التي قيلت عن الصفدي جاءت على لسان أنور البني رئيس المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية والمحامي الخاص بباسل، إذ أشار البني إلى أن النظام قتل هذا المبرمج بقرار من المحكمة الميدانية وقَّعه بشار الأسد شخصيًا.

وتحدث البني عن المبرمج الصفدي، وقال إنه كان نابغة في مجال عمله البرمجي، وعملُه حمى مئات الناشطين في الثورة السورية عندما دربهم على الحماية الرقمية وحماية الاتصالات، وطريقة تحميل فيديوهات المظاهرات السلمية في تلك الفترة.

وأضاف البني أن كل الناشطين السوريين الذين بدؤوا الثورة السورية يعرفون قيمة ما قدمه باسل لهم، وكذلك نظام الأسد يعرف أهمية ما يفعله باسل لذلك أبقاه في السجن مع ناشطين آخرين.

وأشار البني إلى أن “باسل كان العدو الأساسي لنظام الأسد”؛ فالنظام بحسب البني يعتبر أمثال باسل هم الأعداء الحقيقيون له، لأن النظام يعرف أن مقتله يكمن في العقول المفكرة الحرة التي تطالب بالتغيير السلمي.

وقال الطبيب السوري بشار فرحات صديق باسل الصفدي في المعتقل إن باسل كان مؤمنًا بالثورة السورية، وكان مصرًّا على خيار السلمية ويدافع عنه، ويعلم أنه يدفع في المعتقل ثمن وقوفه مع الثورة وإيمانه بها.

وأضاف فرحات أن التهمة التي وُجهت لباسل هي “التجسس لصالح دول أجنبية”، وبحسب فرحات هذه التهم وغيرها جاهزة يوجهها نظام الأسد لأي شخص يعارض سياساته.

قمع

باسل هو مهندس حواسيب سوري فلسطيني عمل كمطوّر لبرمجيات مفتوحة المصدر مستخدماً خبرته التقنية لتعزيز حرية التعبير والوصول إلى المعلومات من خلال شبكة الإنترنت، كما ترأس باسل مشروع “المشاع الإبداعي” السوري، وكان يعرف بكونه معلماً مساهماً لويكيبيديا، وداعياً لثقافة حرية التعبير.

وحصد باسل عدداً من الجوائز منها “جائزة مؤشر الرقابة على حرية التعبير الرقمية” عام 2013 لاستخدامه التكنولوجيا لتعزيز حرية وانفتاح الإنترنت، كما اختير من قبل مجلة “فورين بوليسي” ضمن قائمة المفكرين المئة الأهم بالعالم لعام 2012 “لإصراره، رغم كل الظروف، على سلمية الثورة في سوريا”.

اعتُقل خرطبيل على أيدي المخابرات العسكرية في 15 آذار 2012، ثم بقيّ محتجزاً ومعزولاً عن العالم الخارجي لمدة 8 أشهر في سجن المخابرات العسكرية في كفرسوسة وبعدها نُقِلَ إلى سجن صيدنايا العسكري، حيث تعرّض طيلة 3 أسابيع لشتى أنواع التعذيب من قبل القائمين على السجن، بحسب ما أخبر عائلته لاحقاً.

لم تتلق عائلته أي معلومات من المسؤولين عن مكان تواجده أو سبب اعتقاله حتى 24 كانون الأول 2012، حين نقلته السلطات المعنية إلى “سجن عدرا المركزي”.

وهناك تمكّن أخيراً من لقاء زوجته وعائلته، واستمرّ الوضع على حاله حتى تشرين الأوّل 2015، حين انقطعت جميع الاتصالات بين باسل والعالم الخارجي، وذلك إثرّ قيام قوات الأمن بنقل باسل بصورة مفاجئة من زنزانته في سجن عدرا إلى مكان مجهول وفقاَ لتقارير مختلفة، تبين لاحقاَ أن محكمة الميدان العسكرية حكمت على باسل خرطبيل صفدي بالإعدام .

ومنذ اعتقاله، وعلى مدى السنوات العديدة الماضية، دعت جهات مختلفة من المجموعات الحقوقيّة إلى إطلاق سراح باسل، حيث أطلقت منظمة العفو الدولية حملة لمنح باسل إمكانية التواصل مع أسرته ومحاميه والحصول على الرعاية الطبية، كما وصفه وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري بأنه “سجين رأي” في اليوم الدولي لحقوق الإنسان في عام 2015، كما وقد دعا مجلس إدارة مجلس كرييتف كومونز (المشاع الإبداعي) لإطلاق سراح باسل الفوري والآمن في قرار في آخر اجتماع لها. وفي العام 2012، اختارت مجلة “فورين بوليسي” باسل كواحد من أفضل 100 مفكر عالمي لعام 2012، “لإصراره، رغم كل المخاطر، على ثورة سورية سلمية”، وفي آذار 2013 منحت منظمة “مؤشر الرقابة” الدوليّة باسل جائزة مؤشر الرقابة للحريّة الرقميّة لعام 2013، عن عمله في استخدام التقنية لتعزيز إنترنت مفتوح ومجاني.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]