موجة “النزوح الأكبر” تصل من عرسال.. فكيف سيتمّ استيعابها؟


muhammed bitar

في عملية تهجير وصفت بالأكبر وصل إلى محافظة إدلب يوم الخميس الماضي نحو ٧٥٠٠ شخص بينهم مقاتلون من هيئة “تحرير الشام” ولاجئون من منطقة عرسال على الحدود بين لبنان وسوريا، في إطار اتفاق لوقف إطلاق نار يتضمن أيضاً تسليم أسرى من مقاتلي ميليشيا “حزب الله”.

ووفق الناشط الإعلامي في مدينة كفرنبل بلال بيوش، فقد توزّع النازحون ضمن مراكز إيواء مؤقتة جُهزت لأجلهم في مخيمات منظمة “ساعد” بقرية معارة الإخوان، ومخيمات “الإندومي” و”الكهربا” في خان العسل، فيما وصل جزء منهم إلى مخيم “الأيتام” في قرية خربة الجوز على الحدود السورية التركية، واستقبلت القرية الطينية في عقربات بعض الأسر.

وأفاد الناشط بأنّ حوالي 400 أسرة تم نقلها إلى منطقة الراشدين بريف حلب الغربي الواقع تحت سيطرة المعارضة، حيث سيسكن هؤلاء في بيوت بعضها مهجورة فيما ستتولى منظمات خيرية إعادة تأهيل بعض البيوت المهدّمة.

وأوضح بيوش لـ “صدى الشام” أنّ مراكز الإيواء التي خصصت للنازحين في المخيمات “مؤقتة لمدة أسبوع واحد فقط ريثما يؤمّن الواصلون أماكن جديدة لإقامتهم”، منوهاً إلى حالة “استنفار” واسعة قامت بها العديد من الجمعيات الخيرية في إدلب لتأمين العدد الأكبر منهم في ظل ضعف الإمكانيات والأعداد الكبيرة للمهجرين الواصلين مؤخراً إلى المحافظة.

وفي هذا السياق أعلنت منظمات إنسانية منها “جمعية الوفاء الخيرية” و”هيئة سوريا للإغاثة والتنمية”، و”منظومة الاسعاف CRD”  و”منظمة بنفسج” مواصلة جهودهم لمساعدة النازحين وتقديم الخدمات الأولية لهم، داعين في الوقت ذاته إلى تقديم الدعم المناسب ليتمكنوا من الاستمرار.

ويخشى العديد من الناشطين من تكرار سيناريو نازحي الوعر في مدينة جرابلس الذين عادوا إلى مناطق النظام بفعل الظروف المعيشية السيئة عقب تراجع الدعم الإغاثي المُقدّم للنازحين السوريين.

مشاريع

 حول مدى قدرة المنظمات الإنسانية على تقديم الدعم المتواصل للنازحين، وكيفية استيعاب التدفق السكاني الكبير على محافظة إدلب خلال الآونة الأخيرة رأى عاطف نعنوع مدير فريق “ملهم التطوعي” (فريق سوري يعمل في المجال الإغاثي) أنّ “المساعدات الإغاثية التي تقدّمها معظم الجمعيات الانسانية من لباس وطعام وغذاء وخيام لم تعد كفيلة بتدارك الكارثة الكبيرة التي يمرّ بها النازحون”، مضيفاً أن بعض المخيمات على الحدود باتت تعاني من انتشار الأمراض بسبب انقطاع المياه وقلة الغذاء وضيق الأحوال.

وأكدّ نعنوع لـ “صدى الشام” أنّ الحل الجذري لمشكلة النازحين يكون من خلال المباشرة بإعادة الإعمار في المحافظة، في ظل تحسّن الوضع الأمني، وعبر توفير فرص عمل لهؤلاء، والبدء بمشاريع استثمارية وإنتاجية تمكّنهم من تحسين أوضاعهم.

وأوضح الشاب الناشط في العمل الإغاثي منذ خمسة أعوام، أنّ فريقه أطلق صندوقاً خاصاً لدعم المشاريع الإنتاجية للأسر الفقيرة النازحة، مثل الزراعة والصناعات اليدوية والخياطة وغيرها، معبّراً عن قناعته التامة بأنها الطريقة الوحيدة “لتمكين النازحين من العيش بكرامة دون انتظار الطعام والشراب من أحد”.

وكان فريق “ملهم التطوعي” أطلق حملة إنسانية عاجلة للتبرع لتأمين خيام وسكن مؤقت للنازحين الوافدين بأسرع وقت ممكن.

بدوره عبّر الناشط في منظمة “ساعد” الخيرية حمادة الخطيب من إدلب عن قناعته بضرورة تفادي الكارثة الانسانية التي تحيق بإدلب من خلال “توفير مساكن بديلة، وإيجاد مصادر تمويل مستقلة من قبل مجلس المحافظة، ودعم مشاريع الماء والطاقة والانتاج الغذائي في المحافظة”.

وأكد خطيب أنّه ومنذ أشهر طويلة أوقفت العديد من الهيئات والدول الكبرى دعمها للنازحين سواء في المخيمات أو عبر توزيع حصص غذائية وتخلّت عنهم، مبدياً قناعته بضرورة ايجاد حلول بديلة بشكل عاجل قبل تقافم الوضع، لاسيما أن بعض نداءات الإغاثة وصلت فعلياً من بعض المخيمات الحدودية، وفق قوله.

النازحون إخواننا

 خلال سنوات الثورة ارتفع عدد سكان محافظة إدلب بفعل النزوح من 1,5 مليون نسمة إلى مايقارب 2,5 مليون بحسب إحصاءات تقديرية قدّمها عاملون في المجال الإغاثي.

ووفق هذا الإحصاءات تحوي المحافظة ما مقداره 271 مخيماً يقطنها قرابة 30 ألف عائلة من مختلف المحافظات السورية، وتُعتبر مخيمات أطمة أكبرها.

ويقول الناشط في المجال الإغاثي ياسر حاج أحمد إنّ “عشرات الآلاف من السكان القادمين من أرياف حمص ودمشق وحلب سكنوا في بيوت فارغة هجرها سكانها، أو قاموا باستئجارها”، مضيفاً أنّ “بعضهم أقام في منشآت حكومية كالمعامل والمدراس وفي شقق أقيمت خصّيصاً لأجلهم”.

ويرى حاج أحمد أنه ورغم الأعداد الكبيرة التي قدمت إلى المحافظة وضعف البنية التحتية إلا أنّ النازحين “لا يزالون يلقون ترحيباً كبيراً من أبناء المحافظة” وفي كل عملية تهجير يتوافد السكان إلى المساجد والجمعيات لتقديم المساعدة الممكنة.

وعن تأثير هذه الأعداد على المحافظة فيما لو استمرّت عمليات التهجير، اعترف الناشط بصعوبة الأوضاع بسبب ضعف وجود المدارس والمشافي وشبكات المياه والكهرباء، مضيفاً أنّ “الضغط السكاني الكبير أدى لارتفاع أسعار العقارات بشكل كبير وهو العامل الأبرز الذي بات يشكو منه الجميع رغم نشاط حركة البناء”.

النزوح الثالث

يروي أبو محمود، وهو أحد سكان مدينة القصير والواصل حديثاً إلى محافظة إدلب، لحظات مؤثرة عاشها خلال رحلة نزوحه الثالثة من عرسال إلى إدلب ووفق الرجل المسنّ فإنّك: “لن تجد شعوراً أقسى من أن تمرّ حافلة نزوحك من أمام منزلك وأنت تنظر له كالسجين الذي لا يستطيع الفوز بحريته”، ويضيف “شعرتُ للحظات بعجزي وضعفي، ثم استسلمت لتلك الحقيبة التي أمسكها بيدي، وأحسست بأن روحي سلبت من جديد كأول نزوح”.

أما عن أسباب اختياره إدلب وعدم بقائه في عرسال أوضح ابو محمود أنّ “عامل الأمان وخوفه على أحفاده هو مادفعه للمغادرة “بعد التهديدات والممارسات غير الأخلاقية التي لقوها مؤخراً من الجيش اللبناني وشبيحة ميليشيا حزب الله”.

يشار إلى أن معظم الواصلين من عرسال اللبنانية إلى محافظة إدلب هم من المدنييّن النازحين من ريف حمص قبل سنوات طويلة، ويعاني هؤلاء من أوضاع إنسانية سيئة وفقر شديد، حيث كان يقيم معظهم في خيم بالية وعشوائية، ويحتاجون لرعاية صحية.




المصدر