أماكن خامنئي الاحتجاجية


نزار السهلي

قدم مرشد إيران علي خامنئي تصورَه “للمسلمين”، للاحتجاج على سلوك الصهاينة نحو مدينة القدس، بأن يمارسوا فعل الاحتجاج داخل مكة، في موسم الحج القادم، بمعنى أن تتحرك فرق الخامنئي -من مكة- للتعبير عن غضبها، احتجاجًا على تقصير ولاة أمر المسلمين مما يحدث لأشقائهم في المسجد الأقصى، قال الخامنئي: الحج أفضل فرصة للأمة الإسلامية للاحتجاج على انتهاك الصهاينة للمسجد الأقصى.

اختيار ملالي طهران بلادَ العرب وعواصمهم لتصدير أفكارهم “الثورية”، والتعبير عنها بأشكال مختلفة، هو أبرز ما يميز سياسية طهران، منذ أربعة عقود، من خلال زعزعة أنظمة الحكم والرغبة في توسيع رقعة الانتشار، وحلم استعادة الإمبراطورية “الفارسية”، والتستر خلف التقية السياسية والدينية، لكن مع انهيار بقية جدار التقية، منذ ستة أعوام، انكشفت مرامي التصور الإيراني والدعوات التي يطلقها ملالي (قم وطهران)، بعد هدم نصف الساتر في بغداد وبيروت، لتسقط شعارات طهران نهائيًا على الأرض السورية، مع بدء حملة ميليشياتها إطلاق أكاذيب “حماية المراقد والقبور”، منذ ستة أعوام، وحضور طهران بصفة “الاستشاري” المتجول بجانب جيش الأسد للمساعدة بقتل السوريين.

اللافت في تصريح علي خامنئي، ولا سيّما بعد الأحداث التي شهدتها مدينة القدس، أنّ التصريحات الإيرانية والبيانات الصادرة عن مرجعياتها الدينية والسياسية، المحشوة بعبارات تتعلق بقضايا “الأمة العربية أو الإسلامية”، لم تعد تستدعي التشكيك في صدقيتها فحسب، بل إنها أصبحت تُتهم -بمجرد خروج التصريح- بالكذب الذي يسيل منها. بخصوص الاحتجاج على انتهاكات الصهاينة في القدس، أصبح أي تصريح يتعلق بالقدس أو فلسطين يتحول مباشرة إلى سلة الكذب، ولا يختلف عن الشعار العربي الرسمي لا بالمهاترة ولا بالمزايدة، وبالنسبة إلى رفع العتب الذي يمارسه ملالي طهران تشدقًا على انتهاك الصهاينة للمسجد الأقصى، من دون مراجعة الانتهاكات التي قام بها غلمانها وميليشياتها في بغداد وصنعاء وبيروت ودمشق وباقي المدن السورية، فإن العربي المتلقي دعوة الملالي لن يجد وقتًا لقراءة ما تجتره بيانات طهران، وهو يحصي ضحايا تدخلها وانتهاكاتها لمقدسات السوريين.

بكائية خامنئي على القدس، تلاشى صدقها لدى الفلسطيني والسوري، ولم يعد التعويل عليها حتى من باب القراءة أو النشر، فهي أصبحت بابًا للتندر والتهكم والاستهزاء مثل بقية البكائيات الممانعة في المنطقة، أما اقتراح خامنئي مكان “الحج” للتعبير عن الغضب حيال ما يجري للمسجد الأقصى، فلا يستحق سوى الرد على المرشد بالقول: أفضل الأماكن للاحتجاج هي مطالبة عصاباتكم القاتلة وفرقكم المذهبية بالتوقف عن قتل المحتجين على سياسة الطاغية، وهم الذين احتجوا سبعة عقود على سياسة الاحتلال حتى جاء غلمانكم ليقتلوهم، وإن أفضل الاحتجاجات هي التي عبر عنها المقدسيون بأنفسهم، والتي عبر عنها السوريون بأنفسهم، عندما تحرروا من تجارتكم الفاشلة للشعارات.

من كان يمتلك صواريخ بسبعة دقائق لمحو “إسرائيل” من الوجود، ليس بحاجة إلى “حفنة” محتجين هنا وهناك لممارسة الصراخ، ومن يتبجح بزرع حدوده بصواريخ تصل إلى كل قواعد “الشيطان الأكبر” ليس بحاجة إلى مطالبة من يتعرض للقتل من عصاباته التعبير عن غضب من المحتل، دون التعبير عن غضب من سياساته الداعمة لأنظمة القتل لتسهيل أجندة مذهبية طائفية في المنطقة تخدم من ينتهك المقدسات، لكن من يمتلك كل هذه القوة “العنترية” والوحشية، ليستعرضها على جثث “العرب والمسلمين” الذين يتباكى عليهم السيد خامنئي، بينما ثوب “التأرنب” وسع لينزلق به مع محوره الممانع، ومن يتحالف مع “الشيطان الأكبر”، في بغداد ودمشق في خندق واحد، لا يمكنه أبدًا امتلاك أي دافع أخلاقي وإنساني يجيز له تمرير مطالبه أو مناشداته للغير بالتعبير عن الاحتجاج، وهو يعرف أن التعبير عن الغضب من سياسات دولته التي رسمها الولي الفقيه فاق كل غضب في كل مكان.




المصدر