أيُّ كتابٍ سيموتُ معك
10 آب (أغسطس - أوت)، 2017
سوزان علي
[ad_1]
لتكن هي العزلة، نسيجُ الكونِ الموسيقيّ المتآكل حول خصري، ولتكن تلك الزعانف المنتفخة فوقَ غطاء الطاولة مصيرَ الفكرة المستديرة حول صوتِها، لتكن بكائيّات الخطيئة حيوانات منويّة، تكتبُ الشّعر وتقول لأميّ ما عجزتْ خطواتي عن قوله.
ليكنْ بيتي الجلاّد، ووساوسي مسطرةُ الضّوء نحو الفناء، فإنْ مالت في قلبي إبرة التفاصيل نحو الشّهوة، فسأعرجُ على كتفٍ قديمٍ صوب النهر، وإن قادتني الرغبة إلى ما ليس لي، إلى الذي لم يكن يومًا لي، فسأنبشُ أظافري وأبلعُ اللحم المنسيّ.
تغيبُ الشمس، يغيب ألم الوردة، صوتُ منشارٍ يغيب في قلب الشجرة، لونُ الكنبة البنيّ يغيب، الزيارات مؤجلة، العاطلون عن العمل ينفضون رماد السجائر داخل ثقوب الجدران، لم يكن ما رأيته يقظةً ولا حتى حلمًا، الشمس فقط غابت عن هذا البيت في هذه اللّحظة تمامًا، وخلف البحر طَعنتْ رجلين وأكلتْ طُعم السمكة.
لماذا تكبر الأشجار بسرعةٍ حول القبر؟
سمعتُها تتكلمُ مع ظلِّها، الملعقةُ الصّدئة تحت مقعد الحديقة، قبل أن تمرّ عجوزٌ وتجلس قربي، قطة سوداء اقتربت محدقة في وجهينا، العصفور نقر فتات الخبز وطار، أكياس النايلون السوداء غطّت وجه الزهرة.
(اليوم ما أكلت إلاّ الهمّ)، رمى أحد المارّة هذه الجملة بيننا ومضى.
لترقص القرية، غاب الجبل وراء الغيم، وترك المدى وحيدًا بلا أمنيات، قفزت سكةُ القطارِ في النّهر، اختبأت النّذور بأغصان الصفصاف، تدحرج التفاح من السفح، وخيّمت القبلة على المفارق، ووحيدةً سارت الأحذية إلى الضّفة.
غاب الملل واستيقظ المهرج المتقاعد عن عمله منذ سنين طويلة، فالحريق جاء باكرًا هذه السنة، لتنسى القرية غنّى الرماد حتى الصّباح.
الذّهب يلمعُ وراء واجهة المحل، الناس بطيئون، ظلالُ شجرة الكرز غطّت الخواتم والأساور والعقود المتدليّة، ليبدو الكرز ذهبًا والذهب كرزًا، الريح عاكست الظلال المرسومة، وقلبَت اللافتة المعلقة على مقبض الباب، (سنعود بعد قليل) صاحت الكرزات.
السماءُ صافيةٌ جدًّا، أحدهم نادى نجمته في الليل، أحدهم فرك أذن حبيبته قائلًا: أنت نجمتي، أحدهم حزّ السكين على وشم النجمة فوق شرايين يديه، الراعي نظر من ثقوب الناي إلى النّجمة، لمع قشُّ الحظيرة تحت النجمة ونام، قاربٌ يحلمُ ممسكًا بنجمة، فستانٌ يمارس الحبّ، أزراره على شكل نجمة، السماء صافية جدًا هذا اليوم حدّ الشفقة.
السقفُ يسكنُ البيت الصغير في الطابق الرابع مجبرًا، لم تكن حالته بهذا السوء، قبل أن يصير لكَ مفتاح، لم يرَ في حياته آدميًّا، لا ينظرُ إلى السماء، ولا يفكر بأن يبعث بدعوةٍ واحدةٍ إلى الله، الصمتُ كان يغطي جلدكَ ودمعكَ، وتلك القصائد الكثيرة التي كتبتها، وقرأتَها بصوتٍ رخيمٍ لأصدقائك وللجدران فيما بعد، لتعود إلى صمتك من جديد، لم يُفلح كلّ المطر الغزير الذي تساقط في ذاك الشتاء، في أن يُخفي الدموع التي بين عينيه.
فوق المجداف المنسيّ حطّتْ ريشة الطائر المهاجر؛ فتسللَّ النعاسُ إلى أعشاب القاع، وغابت حكاية الصيّاد في حنجرة الأرملة الضجرة، العتمةُ سرقت خوابي النبيذ من الكنيسة، تزوج العروسان فوق الصخرة، الجسرُ أعادَ للانتحار عينيه، آهٍ هذه هي الحياة التي أحبُّها، صاح الحرير الخارجُ للتوّ من دودة القزّ.
النظرات التي تابعت غموضَها حتى وصلتْ الأعماق، حيث السواد لم يعد يحتمل أسرارًا تتمزق، تلك المكتبةُ الشاهقة في عينيك، أيّ كتابٍ سيموت معك؟
ووراءَ أيّ صفحةٍ ستطوي أظافري المتكسّرة؟
حاولَ الليل أن يُبقي على فمِ الأمير أكثر ما يمكن دائخًا فوق شفاه ابنة راعي البقر، حاولت خرافة القمر حول الأسطح المنخفضة أن تنوّمَ أصابعه بين خصلات شعرها الطويل، لمعتْ الخواتم المهجورة في بركة المطر، المناديل المطرّزة على الشبابيك، تدّخلت الملائكة لأول مرّةٍ في قصة حبّ، كانت ترويها امرأةُ القرية المجنونة للتمثال وسط الساحة، كانت ترويها بحفنةٍ من الإشارات والدموع والصراخ.
قِطعُ الشوكولا المعروضة في المحلّ الكبير، الدائريّة والمربعة، الكبيرة والصغيرة، السوداء الحالكة، والبنيّة والبيضاء، الشوكولا المحشوّة فوق الرفوف الذهبية، كانت نائمًة قبل أن يغادر آخر زبون بكاملِ حزنه، وقبل أن تُطفأ الأضواء في الداخل بكامل حزنها، قبل أن يغادر العمال إلى بيوتهم بكامل حزنهم، لتفيق قطع الشوكولا بكامل سعادتها.
الشوكولا تعيشُ على الخيال المتروك، وتذوبُ في الوحدة، تمرُّ امرأةٌ آخرَ الليل، وبطرف كُمِّها تفركُ زجاجَ المحلّ، تتنهد وتقطع الشارع المؤديّ إلى الحانة رقصًا.
كتبتْ الساعة العتيقة في متجر الأنتيكات وصيّتها، ووضعتْها في درج الخزانة العتيقة، منذ الآن، سيفيق العالم على رنينها وسينام على رنينها، ولن تسكتَ أبدًا، ساعةُ الجيب الفضيّة كانت تُحتضر.
كتبتْ سطرًا واحدًا فقط، في صباح اليوم التالي، استغرب صاحب المتجر دقات الساعة، فتح الدّرج ليجد الوصيّة تمتمَ: ادفني مع الآخرين، الهاتفَ والدفاتر والصور والأسطوانات والملاعق والصحون والأقلام، ادفن أشياءك قبل أن تقتلَكَ.
ثمَّ صاحَ: وسأسميّها مقبرة الآخرين.
مشى الكتابُ في جنازة صديقه، أغمضَ رموشَ عنوانه ووضعَ وردة بيضاء بين صفحاته، تابعَ سيرَه حتى وصل القبر، وقفَ آخر المعزين، ينظرُ إلى مكان صديقه الجديد.
غادر الجميع ولم يبق برفقتهِ سوى الكلب، أخرجَ الزهرة من الصفحة رقم 127، ومزّق ورقة الإهداء وأطعَمها للكلب، ثمَّ غرسَ الزهرة في صفحةٍ أخرى، جثا الكلب قربه يبكي.
عند غروب الشمس رحلا، الكتابُ والكلب، كانت الشاهدات تنظرُ إليهما بريبةٍ، لم تتردّد إحداهنّ أن تهمسَ لهما خفيةً: أحرِقوا المكتبة، يقولُ لكم.
[ad_1] [ad_2] [sociallocker]
[/sociallocker]