اللجوء السوري ساعد الحكومة الأردنية على تبرير فشلها الاقتصادي


علاء كيلاني

أكدت مديرة مركز (تمكين) للدعم والمساعدة في الأردن ليندا كلش أن بيئة عمل السوريين، في الأردن، هي بيئة عمل غير لائقة؛ فالأجور منخفضة، وساعات العمل طويلة، مع حرمانهم من الضمان الاجتماعي والإجازات السنوية والمرضية، وغيرها من الحقوق. وأشارت إلى أن اللجوء السوري جاء مساعدًا للحكومة، في تبرير فشل محاولات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. وهنالك العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، يتم تحميلها للسوريين، بما فيها غلاء المعيشة والتضخم؛ إذ أصبح اللجوء السوري شماعة لتغطية الكثير من السياسات الاقتصادية الفاشلة. التقتها (جيرون) وكان هذا الحوار:

 

– لا يخفي الأردن، اليوم، قلقه من زيادة أعباء اللجوء السوري، في ظل التحديات الصعبة التي تواجه اقتصاده؛ هل يمكن في ظل هذا القلق ضمان رفع مستوى الخدمات الحكومية التي يقدمها للاجئين والمجتمعات المحلية المستضيفة؟

– يواجه الأردن تحديات اقتصادية جمة، بخصوص رفد ميزانية الدولة، وبدا ذلك واضحًا، في نهاية العام الماضي وبداية هذا العام، فقد فرض العديد من الضرائب والرسوم التي أثقلت كاهل المواطنين، سواء كانوا أردنيين أم غير أردنيين. كما يعاني من ارتفاع الدين العام الذي تجاوز 95 بالمئة من إجمالي الدخل العام، وقد يكون هذا أحد الأسباب التي أدت إلى ضعف الخدمات المقدمة للاجئين، بالإضافة إلى سوء استخدام الموارد التي تأتي خصيصًا لاستيعاب أزمة تدفقهم؛ كل ذلك أدى إلى إضعافه، وبالتالي إلى عدم رفع مستوى الخدمات المقدمة للاجئين وكذلك الأردنيين، ولا سيما إذا تحدثنا عن الخدمات الأساسية المتعلقة بالتعليم والصحة وغيرها من الخدمات الأساسية.

– تقول الحكومة، بالفم الملآن، إن الوضع قد وصل إلى حد الإشباع، وإلى أعلى قدرة تحمل، مع أن تكلفة استضافة اللاجئين يتم تعويضها من المساعدات الدولية، وقد ارتفع دعم مجموعة الدول المانحة للأردن في السنتين الأخيرتين بشكل ملحوظ.

– كما ذكرت سابقًا هناك سوء إدارة للموارد والتعويضات التي تقدم مقابل استضافة اللاجئين في الأردن، فبالرغم من تدفق الأموال التي تخصص لمساعدة الأردن على تخطي أزمة اللجوء، إلا أن سوء الاستخدام يؤدي إلى تفاقم الأزمة، سواء الأزمة الاقتصادية أو أزمة الخدمات المقدمة للاجئين، وكذلك ضعف التنسيق بين المؤسسات الدولية؛ مما أدى إلى توزيع غير عادل للمساعدات، فضلًا عن ضعف المشاريع التنموية.

– حتى غلاء المعيشة الذي سجل مستويات عالية، بسبب التضخم وعدم كفاءة الاقتصاد، يعزو الشارع أسبابه إلى الوجود السوري؛ هل أصبح موضوع اللجوء شماعة لتغطية كثير من السياسات الاقتصادية الفاشلة في المنطقة؟

– للأسف الشديد، وكأن موضوع اللجوء جاء مساعدًا للحكومة، كحجة لتبرير فشل محاولات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. فهنالك العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، يتم تحميلها للسوريين بما فيها غلاء لمعيشة، والتضخم. وأصبح اللجوء السوري شماعة لتغطية الكثير من السياسات الاقتصادية، على الرغم من أن التضخم كان قبل اللجوء السوري، وكذلك السياسات الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع الأسعار وضعف الأجور، وغلاء المعيشة وغيرها. وبالطبع، عندما تتحدث الحكومة عن تأثير الأزمة السورية على التنمية؛ ينتقل الحديث إلى الشارع، ويردد ما تردده الحكومة؛ ما يعد نوعًا من التضليل، ومحاولة احتواء الشعب لتبرير سياسات فاشلة.

 

– يتردد أن المجالس البلدية أو السلطة المحلية في المجتمعات المضيفة للاجئين، هي الأخرى كانت تعاني من مشكلات مالية قديمة أورثتها عبئًا ثقيلًا. ويقال إن تدفق اللاجئين عقّدها أكثر.

– البلديات كانت تعاني من مشكلات مالية وأزمات قديمة، واللجوء السوري ساعد في زيادتها، بسبب ارتفاع تكاليف تقديم الخدمات المقدمة من قِبل المجتمعات المضيفة للاجئين، بالإضافة إلى ضعف ميزانياتها، وتفشي الهدر وعدم المساءلة؛ ولتبرير الفشل، يتم تحميل الأزمة السورية الأزمات التاريخية التي كانت ولا تزال تمر بها البلديات.

 

– على المستوى العام، هناك صعوبة في إيجاد وظائف مع ارتفاع نسبة البطالة. وبالنظر إلى لائحة المهن المغلقة، نجد أنه لا دور للسوريين، على عكس ما يروّج له، لأن معظم القطاعات التي يعملون بها لا يعمل بها الأردنيون.

– نسب البطالة مرتفعة في الأردن منذ سنوات، ذلك لأن فرص العمل المستحدثة أقل بكثير من أعداد الخريجين سنويًا من الجامعات والمعاهد ومراكز التدريب.

العديد من العاملين السوريين أصحاب الحرف سدوا النقص الحاصل في سوق العمل الأردني، لكن لا يعني ذلك أن نسب البطالة ترتفع في ظل اللجوء السوري. فعدم وجود واستحداث فرص عمل، إضافة إلى بيئة العمل الطاردة، وتدني الأجور وساعات العمل الطويلة، هي السبب ولا إضافة. ومن الخطأ ألا نستفيد من الخبرات التي يتمتع بها السوريون، لنقل المعارف إلى الأردنيين ونضيف قيمة للاقتصاد الأردني.

– يقول رئيس اتحاد نقابات العمال إن “سوق العمل تضم نحو 600 ألف سوري”، مع أن مجمل عدد الذين ضمتهم لوائح المفوضية السامية لشؤون اللاجئين هو نحو 660 ألف لاجئ تقريبًا، بما فيهم الأطفال وكبار السن. ألا يوجد في الأمر مبالغة؟

– دائمًا تشكل الإحصاءات، وفوضى الأرقام مشكلة في الأردن. ومن خلال تصريحات المسؤولين الرسميين، نجد هناك اختلافًا في الأرقام حتى داخل الجهة الواحدة. فعلى سبيل المثال، وردت ثلاثة أرقام مختلفة، لعدد السوريين العاملين في الأردن، من وزير العمل، وأمين عام وزارة العمل، والناطق الإعلامي في الوزارة، وكانت هذه التصريحات في خلال أقل من عشرة أيام، تخللها تصريح برقم مختلف لوزير الصناعة والتجارة، أكيد هنالك مبالغة في الأرقام الصادرة من بعض الجهات، ولا سيّما أن فرص العمل التي ينتجها سوق العمل الأردني قليلة بالنسبة إلى الأعداد الداخلة عليه.

– في بعض القطاعات الإنتاجية والتجارية، سجلت شكاوى عديدة، تقول إن أرباب العمل، يعرضون عمالهم السوريين لظروف عمل غير لائقة، مثل الدوام المتواصل الطويل، والتأخر في سداد الأجور، وحرمانهم من حقوقهم؛ ألا يتعارض ذلك مع بنود قانون العمل الوطني؟

– بالتأكيد تتعارض مع بنود قانون العمل، ولا يخفى أن البيئة السائدة هي بيئة غير لائقة، فالأجور منخفضة، وساعات العمل طويلة، مع حرمان العاملين من الضمان الاجتماعي والإجازات السنوية والمرضية، وغيرها من الحقوق، بالإضافة إلى تشغيل الأطفال، وعدم توفر معايير السلامة والصحة المهنية.

– مثل هذه التصرفات، ألا تسجل تحت بند الاتجار بالبشر؟

– قد ترتقي إلى شبهة الاتجار بالبشر، الأمر يعتمد على تفاصيل الحالة والانتهاكات التي تعرضت لها. وفي حالات الأطفال، معظمها اتجار بالبشر، لكن بالتأكيد توصف الظروف الآنفة بأنها عمل جبري.

– تروي لورا أوسلي، من مؤسسة (كافود) للتنمية الدولية، أنها أمضت بعض الوقت مع عائلات سورية في عمان، ووجدت، عندما زارت إحدى العائلات، أن أحمد -وهو طفل عمره 12 عامًا، وهو المعيل الوحيد في عائلته- كان خارج المنزل، يعمل مدة 13 ساعة كعامل نظافة في مكتبة، وكان يعمل مدة سبعة أيام في الأسبوع، كيف تصنف هذه الحالة؟

– بالتأكيد عمل الأطفال يخالف المعايير الدولية والقوانين المحلية، وهي مخالفة واضحة، حيث يجري تشغيل الطفل لساعات طويلة، وتستغل حاجته دون منحه أي عطلة، هي مخالفة قانونية أيضًا، إذ لا يجوز تشغيل الأطفال. قد تشكل هذه الحالة اتجارًا بالبشر، علاوة على أنها اغتيال للطفولة وحرمانها من الحقوق الأساسية.

– ربما هناك حالات كثيرة مشابهة، هل تقومون بدور على هذا الصعيد للحد منها؟

– في حال ورد أي حالة تشغيل أطفال لمركز (تمكين)، يتم متابعتها قانونيًا مع الجهات المختصة، بما فيها وحدة مكافحة الاتجار بالبشر ووزارة العمل، نحاول أن نرفع درجة الوعي في ما يخص هذا الجانب، لكن بالطبع الأمر يحتاج إلى جهد أكبر، إذ إن مشكلة عمل الأطفال ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالظروف الاقتصادية والاجتماعية للأسر.

– وهل وضعتم أيديكم على حالات يمكن توصيفها بأنها اتجار بالبشر؟

– هنالك حالات اتجار بالبشر بشكل عام، صادفت فريق عمل المركز.

– وماذا عن دور وزارة العمل في مثل هذه القضايا؟

– دور وزارة العمل التفتيش والرقابة، ومخالفة أصحاب العمل الذين ينتهكون حقوق العاملين لديهم، إلا أن هناك ضعفًا شديدًا في التفتيش، وقلة في عدد المفتشين بشكل عام، فضلًا عن أن آلية تقديم الشكاوى ضعيفة، وكذلك الاستجابة.

– وكيف تقوّمون واقع التزام الشركات بتطبيق أحكام قانون العمل الأردني، مثل الالتزام بالأجور وساعات العمل، والعمل الإضافي وتوفير شروط وظروف العمل اللائق؟

– التزام نسبي، يعود ذلك إلى طبيعة الشركات، حيث إن غالبية الشركات الصغيرة والمتوسطة لا تلتزم عادة بالقوانين، وتحتاج هذه الشركات إلى رقابة مستمرة.

يعمل مركز “تمكين للدعم والمساندة” في الأردن على حماية وتعزيز حقوق الإنسان، وبناء مجتمع متسامح يتمتع بالمسؤولية تجاه الاحتياجات الأساسية للمواطنين والفئات المستضعفة بهدف ضمان الحرية والمساواة والعدالة. كما يسعى المركز لخدمة أهدافه في إطار حركة حقوق الإنسان العالمية من خلال شبكة من المحامين والناشطين في العمل التطوعي الذين يكرسون أنفسهم للدعوة إلى الكرامة والحرية والدفاع عن حقوق الأفراد المضطهدين.




المصدر