مركز كارنيغي: بوتين الذي يشبه بريجنيف


سمير رمان

تشير كلُّ المعطيات إلى أنَّ فترة حُكم فلاديمير بوتين ستكون -على ما يبدو- أطول من فترة حكم بريجنيف، ويذكر أولئك الذين عاصروا تلك الفترة، كيف بدت لهم وكأنَّها بلا نهاية. أمَّا بالنسبة إلى بوتين، فهي على وشك أن تبدأ من جديد.

يقضي بوتين معظم أوقات عمله في استعراض الاحتفالات، والمشاركة في المراسم العسكرية وما يليها من زيارات للكنائس التي جرى ترميمها، وكأنَّها أصول أوليغارشيّة قيِّمة. وفي لوحةٍ واحدة، كما في لوحةٍ كاريكاتوريّة كُتب تحتها “بدون تعليق”، يتجمَّع الجيش، الأسطول، مجمَّع الصناعات العسكرية وأجهزة الاستخبارات على مختلف أنواعها، لتشكِّل رسالةً واضحةً ومفهومة. إنَّها نِتاج 18 عامًا من حكم فلاديمير بوتين، من 9 آب 1999 وحتى الآن، عُيّن بوتين، إمَّا في منصب الرئيس أو في منصب رئيس الوزراء.

18 عامًا، ليست رقمًا عاديًّا، فهو مهمٌّ للغاية في إطار التاريخ السياسي للبلاد، فقد استمرّ حكم ليونيد بريجنيف الفترة نفسها التي قطعها الموت وحده. وعلى الأرجح، ستكون فترة حكم بوتين أطول من فترة حكم بريجنيف.

كان بريجنيف -أيضًا- يحبّ كلَّ ما هو عسكريّ، وينظر الى المراسم العسكرية بجديّةٍ تامّة؛ وبفضلهما حكم البلاد، فالذاكرة المقدَّسة جعلت النظامَ، أيضًا، مقدَّسًا بشكلٍ ما. وفي الوقت نفسه، يستخدم بوتين التقنيات نفسها لتقديس نظامه، بفارقٍ وحيد هو أنّ ليونيد إيليتش بريجنيف لم يُشرِك تقنية الحربَ، بينما بوتين فعل.

قام بريجنيف بكلِّ شيء على “أساس متين من الماركسيّة – اللينينيّة”، بينما عند بوتين، يلعب هذا الدور الانصهار الوطني – المحافظ، وكذلك “حساء الشعارات”، كما عرَّفها توماس مان. أمَّا النجمة الحمراء والمخاطبة بـ “الرفاق الضبَّاط” فتتعايش هنا بسلامٍ مع الصوم، الصلاة والمخاطبة بـ “قداستكم”.

كان بريجنيف عجوزًا أو، كما في النكتة السوفيتية، “سوبر عجوز”. أمَّا بوتين فعلى العكس، إذ كان حتى زمنٍ قريب، يحرص على إبراز كامل طاقته، ليظهر بمظهر الشباب. وفجأةً، قبيل حلول موعد الحملة الانتخابيّة الثالثة، ظهر بوتين بمظهر ربِّ العائلة الكبيرة (pater familias)، حيث هناك الأحفاد في حياته الخاصّة، أمّا في الحياة السياسيّة، فهناك الأمَّة بأسرها باستثناء العاقِّين. وتحوّل منطقه إلى منطق كثير الكلام نوعًا ما، وأحيانًا قد يكون غير دقيق، مستندًا إلى معلوماتٍ متفائلة مبالغ فيها، ولا تتطابق حتى مع الإحصاءات الرسميّة التكميلية نفسها. عمليات القمع القاسية للاحتجاجات، وتنفيذ حملة اعتقالات واسعة في صفوف قادة المناطق الروسية، تترافق مع إظهار “أب الأمَّة” عواطف جيّاشة، أثناء زيارته للسيدة ذات الـ 90 عام لودميلا الكسييفنا(1). يتحوَّل بوتين ليس إلى أبٍ للأمَّة، بل إلى جدّها الذي لا يُنتظر منه أيُّ شيءٍ. لقد أصبح الخلفيّة المتحدّثة الدائمة، أصبح قيصرًا هجينًا.

لقد أصبح يشبه كثيرًا الجنرال فرانكو آخر عهده. نظرية المؤامرة توجّه الدفَّة، التكنوقراط في مناصب الوزراء، الشيء الناقص الوحيد هو العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركيّة. قائد الأمَّة ذاته هو جزءٌ من الصورة الإجمالية للدولة، هو الباقي الذي لن يذهب إلى أي مكانٍ أبدًا، همُّه الرئيس إبقاء نفسه في السلطة و/ أو تأمين انتقالها.

غير أنّه كان، مع فرانكو، خوان كارلوس، وكان يعتني به ويُهيّئه ليلعب دور الأداة الانتقالية. حاليًّا، ليس لدى بوتين شخصيةٌ انتقاليّة، حتى بريجنيف، كان عنده أندروبوف الذي مهَّد الطريق لوصول غورباتشوف الذي قام بالعمليَّة الانتقاليّة.

يعرف بوتين إلى ماذا سيؤدّي الإعلان المبكر عن العمليّات الانتقاليّة، على غرار غورباتشوف تمامًا. حتى الآن، لم يبلغ بوتين محيطه المقرّب عن الموعد والشروط التي يقبل عندها أن يُصبح “البطَّة العرجاء”. ربّما سيمضي بوتين أعوامه القادمة في البحث عن أندروبوف أو خوان كارلوس، أو أنْ يصبح هو نفسه أحدهما.

لودميلا الكسييفنا: ناشطة في مجال حقوق الإنسان منذ العهد السوفيتي. تعرَّضت لكثير من الضغوط، حتى هاجرت إلى الولايات المتحدة عام 1977، وعادت إلى روسيا عام 1993. خلال الفترة 1998-2004 أصبحت رئيسًا لجمعية هيلسنكي الدولية لحقوق الإنسان. عضو مجلس تطوير المجتمع المدني وحقوق الإنسان. مؤلفة لعشرات الأعمال في قضايا حقوق الإنسان. حازت على جوائز عدة، منها جائزة فيجيسلاف بافل، عام 2015.

 

اسم المقالة الأصليّة Путин как Брежнев كاتب المقالة أندريه كولوسنيكوف مكان وتاريخ النشر مركز كارنيغي في موسكو. 2 آب 2017 رابط المقالة http://carnegie.ru/2017/08/02/ru-pub-72725

مكان النشر الأول صحيفة فيدومستي. 2 آب 2017 رابط المقالة https://www.vedomosti.ru/opinion/columns/2017/08/02/727595-putin-brezhnev ترجمة سمير رمان




المصدر