هل انتهت الحرب في سوريا؟


muhammed bitar

يتردد على مسامع السوريين وألسنتهم اليوم، سؤال مهمّ وهو “هل انتهت الحرب في سوريا”، وازداد تداول هذا السؤال خصوصاً بعد بدء سريان وقف إطلاق النار في المنطقة الثالثة منخفضة التوتر “ريف حمص الشمالي” الذي جاء بعد المنطقة الجنوبية والغوطة الشرقية. هذه الخطوات أدّت إلى بروز روسيا كطرف وحيد قادر على فرض إرادته في الملف السوري بعد تنحي الولايات المتحدة الأمريكية أو تفويضها لروسيا من قبل ترامب.

ولكن كيف تنتهي الحرب وما يزال بشار يحتل قصر المهاجرين وهو من كان سبباً من أسباب الثورة؟ وكيف تنتهي الحرب والبلد يرزح تحت وطأة أكثر من احتلال؟ وكيف تنتهي الحرب وأكثر من نصف الشعب السوري مهجّر خارج بلاده منتشراً في أصقاع المعمورة؟

دور أكبر

 عادت روسيا مؤخّراً إلى واجهة الأحداث العالمية كدولة مؤثرة في السياسة الدولية، مستغلّةً تراجع الدور الأمريكي أو تفويضها من قبل ترامب، بالإضافة إلى الظروف التي مرّت بها الثورة السورية، والتي ساهمت روسيا في أحداثها، بعد عجز النظام ومعه إيران وميليشياتها عن كبح جماح الثورة.

تدخّلت روسيا في سوريا، أواخر عام 2015 بشكل مباشر بقواها الجوية والفنية لتسهم إسهاماً فعالاً في تدمير سوريا أرضاً وحضارةً وشعباً، وتسهم في تهجير أهلها لقاء تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية، وكان تدخّلها بمثابة زرع ثم انتظار الأرباح في موسم الحصاد، فهي تستثمر على حساب الدم السوري والقهر والتهجير الذي يعانيه السوريّون.

وتمثّلت الثمرة التي سوف تجنيها روسيا من تدخّلها إلى جانب النظام السوري في السيطرة على جزء هام من مقدرات سوريا لإنعاش الاقتصاد الروسي المُنهار، وهذا لا يمنع أن روسيا سوف تستفيد أيضاً في الملفات الأخرى العالقة على مستوى الصراعات الدولية.

وإذا ما بحثنا في دور روسيا في الملف السوري، نجد أنّها تنشر شرطتها العسكرية في كل من المنطقة الجنوبية (درعا والقنيطرة والسويداء)، إضافةً إلى الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي، ومن المحتمل أن يكون لها تواجد في مناطق أخرى، إضافة للمنطقة التي تحتلها عصابات الأسد والميليشيا الداعمة لها، ويمثّل كل هذا التواجد والانتشار الواسع خدمةً لثبات القوات الروسية في القاعدة البحرية في طرطوس وقاعدة حميميم والقواعد الجوية والبرية الأخرى، التي تمكّن روسيا من الاستفادة من استثمار الغاز والنفط الذي تنازل لها عنه بشار في اتفاقية رُهن اقتصاد البلد خلالها لمدة 49 سنة قادمة، وهذا ما يحقق أهداف التدخل الروسي في سوريا.

أطماع أخرى

من جهةٍ أخرى، فإن الأطماع الإيرانية حاضرة في دمشق وريفها، مشكّلة طوقاً حول العاصمة يحيط بها إحاطة السوار بالمعصم.

وتكثّف إيران وجودها وانفرادها في ثلاث محاور، الأول بمنطقة غرب دمشق من جهة مدينة الزبداني ووادي بردى والقلمون الغربي وصولاً الى البقاع اللبناني الذي يحتوي على قاعدة شعبية لـ “حزب الله” في لبنان.

أما المحور الثاني فهو من ريف دمشق إلى عمق حوران والسويداء ومن باديتها إلى بادية حمص وصولاً إلى ريف الرقة ، ثم من غربي حمص وريفها إلى الساحل السوري، وهي منطقة واسعة جداً تتجاوز الـ 60% من المساحة الكلية لسوريا وهذا أيضاً يحقق جزءاً كبيراً من مخطط وجودها في سوريا، وإن كان هذا العمق الجغرافي لا يكفي مخططاتها الطامحة إلي ربط ساحل البحر المتوسط غرباً بـ “مزار شريف” شرقاً مروراً ببيروت ودمشق وبغداد وطهران إلى عمق باكستان وأفغانستان.

أما الولايات المتحدة الأمريكية فتسيطر على المنطقة الشرقية من سوريا وقد هيأت الأكراد ليكونوا أساس جسر لها يُربكون تركيا التي تختلف معها واشنطن من حيث النظرة الاستراتيجية لمستقبل المنطقة، ويراقبون إيران التي تعتبر اليوم من أهم أدوات تنفيذ المخطط الأمريكي للمنطقة والمشرق العربي الذي يعدّ اليوم ساحة تنفيذ هذا المخطط. ويطمح الأميركيون من خلال ذلك لوضع المنطقة برمتها من المحيط الهندي وحتى المتوسط تحت رقابتهم مستفيدين من النفط الموجود. يُضاف إلى ذلك تأمين حماية خط الغاز القطري المزمع انشاؤه والذي يمر من العراق إلى سوريا وصولاً للبحر المتوسط ثم إلى أوربا (من الممكن أن يكون خطراً على أمريكا وضع هذا الخط بحماية كردية عوضاً عن أن يكون بحماية تركية).

لقد وجدت أمريكا أن الكرد شريك أقل كلفة من الأتراك الذين تتضارب مصالحهم في المنطقة مع الحسابات الأمريكية، فللأكراد الأفضلية في هذه الحالة، وهذا ما يحقق أهداف أمريكا أيضاً من تدخلها في سوريا.

أما إسرائيل التي هي بمثابة المدير العام لمجموعة إدارة الحرب في سوريا، فلقد حصلت على غايتها، فسوريا ممزقة مشتتة، منهارة اقتصادياً، موزعة بين عدة دول، لا يمكن إعادة تجميعها مرة أخرى وإن اجتمعت جغرافيًا فهي أبعد ما تكون عن القدرة على اتخاذ أي قرار سيادي يخيف إسرائيل على مدى قرن مقبل على الأقل.

تهميش

 تُرك الشعب السوري وحيداً يواجه آلة القتل والتدمير الأسدية والروسية والأمريكية بحجج كانوا هم صنّاعها حتى استُنزفت كل مقدرات السوريين البشرية والاقتصادية وبناهم التحتية، ووصلت الحال بالشعب السوري الى مرحلة اليأس.

كل ذلك يعتبر نضوجاً للحالة السورية من وجهة نظر من يدير الحرب فيها، وتعتبر مرحلة مناسبة للبدء بطرح الحلول أو تجريبها.

أما حال العرب فالعجز مطبق على الشعوب، واليأس يحتل النفوس، وكل الحكام مشغولون بتثبيت أوضاعهم في بلدانهم عن طريق عدّة إجراءات، يأتي على رأسها أداء فروض الطاعة للإدارة الأمريكية بدفع المال، ومصالحة إسرائيل وتطبيع العلاقات معها علناً، وإعلان الحرب على الإرهاب (الإسلام دون ذكر اسمه)، والمساهمة الفعالة في إفشال الثورة السورية، لأن نجاحها يعني فيما يعني تهديد عروش كل الطغاة ومستعمري السلطة في المنطقة.

إن هذه النقاط التي يستخدمها الحكّام العرب لا بد من مراعاتها لأي سلطة تبحث عن بقائها في المرحلة المقبلة، واللافت في أمر الملف السوري تعدد الجهات التي تبحث أوتتفاوض فيه، فمن جنيف إلى أستانا إلى عمان إلى هامبورغ فالقاهرة، وفي كل الأماكن ليس مهمّاً أن يُمَثل الشعب السوري بشقيه (سواء نظام أومعارضة)، فالتفاهم الأمريكي الروسي يكفي كي يصبح الاتفاق نافذاً، ولعل الاتفاق الأخير الذي تم في القاهرة كان الأغرب في تاريخ المفاوضات على الإطلاق حيث كانت روسيا لوحدها وكان معها رجل حمصي تم استدعاؤه من قبلهم كونه حمصي يسكن في مصر، رافضين حضور أي ضابط أو دبلوماسي أو قانوني، مع أن الرجل صرّح أنه لا يمثل أحداً على الأرض من الفصائل العسكرية أو التجمعات السياسية أو غيرها، إنما يمثل ذاته وحمصيته واسمه خالد زيني، وقد وقّع على ورقة ليس لديه نسخة منها ولا يعرف مضمونها.

ويمكن القول أن هذا أغرب من اتفاقات الخيال (إذا وجدت)، وهو تهميش للشعب صاحب العلاقة الحقيقي.

وثمّة عدّة أسباب لإقحام القاهرة حديثاً في المفاوضات، منها استبعاد تركيا الداعمة للثورة، وتقريب نظام السيسي المعادي للثورة والداعم لنظام شريكه بشار.

الثورة لن تخبو

 وفي ظل هذه الظروف التي أُطلقت فيها يد الروس، وتغلغل الفرس، ورضيت إسرائيل عما يحدث، وانسدَّ الأفق في وجه ثوار سوريا، يظن البعض أن الحرب في سوريا قد وضعت أوزارها، وأرخت حبائلها، ويحق لهم جميعاً أن يفكروا هذا التفكير، ولكن المصيبة أن تقتنع بعض قوى الثورة بهذه الفكرة، لأن الكل حقق مصالحه باستثناء الشعب السوري فبشار الأسد ما يزال يحتل قصر المهاجرين، وطغمته ما تزال تتحكم بقوت الشعب وأمنه، وقد زاد على ذلك أن البلاد أصبحت تحت سيطرة عدة قوة مُحتلّة.

إن من يروج لهذه الإشاعة هم الروس والقوى الكبرى صاحبة النفوذ والمصالح التي تريد التهدئة للوصول لمصالحها واستثماراتها فقط، وليس من أجل الشعب السوري وحقن دمائه، وتخفيف آلامه، يساعدهم في ذلك من لف لفهم ودار في فلكهم من سوريين باحثين عن حصص في المناصب والمكاسب والنفوذ، تاركين الشعب السوري يرزح تحت وطأة الفقر والاحتلال، بعد ارتهان مقدراته للروس والإيرانيين والأمريكيين وما تبتزه الفئة الموالية من الشعب الفقير المجبر على التعامل بالرشى والأتاوات، وهذا الحال لا يرضي الشعب السوري، لأنها لا تحقق أياً من مصالحه، إذاً هي استراحة بعد تعب، ولا بد بعدها من انبعاثة لهذا الشعب تعيد له كرامته وحقوقه وأرضه .وهذه الانبعاثة قد تكون عسكرية كحرب التحرير الشعبية، أوسياسية أو أي شكل آخر ترتضيه قوى الثورة السورية لنفسها،

فالثورة عشعشت في النفوس الحرة، ولن تهدأ النفوس الأبية إلا باستعادة حقوقها.




المصدر