‘الجيوش العربيّة: بين قتل الأهل وحماية الأنظمة’
10 آب (أغسطس - أوت)، 2017
حسام عبد الرزاق
[ad_1]
كانت الجيوش -منذ تأسيسها- تقوم على أساس حماية الشعوب أفرادًا وجماعات، ومستقلين وأحزابًا، وحياديّين ومُنتمين؛ طالما أنّهم أبناء هذا الوطن، يستنشقون هواءه، ويشربون ماءه، ويأكلون من خيراته، ويكبرون وتكبر أحلامُهم في مرابعه وساحاته. وليس بذي أهميّةٍ مطلقًا أن يكون هذا الفرد أو تلك الجماعة أو هاتيك الهيئة أو ذاك الحزب مُواليًا لذوي السُّلطة الحاكمة أو معارضًا لها، قريبًا منها أو بعيدًا عنها، مُتبنّيًا رأيها أو مخالفًا له؛ لأن هذا الجيش لم يكن، في يومٍ من الأيام، ولا في أيّ حالٍ من الأحول، جزءًا من السُّلطة القائمة يبقى ببقائها ويتغيّر بتغيّرها؛ بل هو جيش كل الوطن، بكل انتماءاته وطوائفه وتنوُّعه الفكري والثقافي والقومي، فالكل في منظوره ومُنطلقاته سواء؛ إذ هو ينظر إلى أبناء الوطن على أنّهم كلٌّ لا يتجزّأ، ووحدة لا تتفرّق، وجميعٌ لا يتمزّق ولا يتبعثر، فيسعى لحماية الكل من العدو الخارجي؛ ولا يتردّد في حماية كل فرد من أبناء وطنه من سطوة أبناء جلدته وجبروتهم وظلمهم إذا ما كان، فهو للكل لأنه من أبناء الجميع، همّه حمايتهم، وغايته الذّود عن دمائهم وأعراضهم وأراضيهم، يبذل في سبيل ذلك كل غالٍ ونفيس، ولا يتردّد لحظة واحدة -إن وقع عدوان على أي من أفراد الوطن- في أن يفتديه بنفسه، وأن يُريق دمه على مذبح كرامة الأرض والوطن والمواطن.
لقد كانت الجيوش -قديمًا وحديثًا- مبعثًا لبثّ الطمأنينة والرّاحة والاستقرار في كل ركنٍ من أركان الوطن؛ بل كان ذلك وما زال هو المقصد الأسمى لقيامها وتأسيسها وتكوينها، وأيّ انحراف في بوصلة هذه الجيوش، بفعل أي عامل من العوامل المؤثّرة في الوطن؛ سيحوّل هذه الجيوش إلى أداة للقتل والدّمار والخراب، بعد أن كانت -كما يتوقّع منها- قوّة أمان وإعمار وبناء، وستغدو قوتها التدميرية لعنة تُلاحق كل مواطن من أبناء الوطن، وتقُض مضجعه وتسرق ملكه وتستبيح حرماته.
وما معظم الجيوش العربية السيئة السمعة إلّا مثالًا صارخًا لهذه الجيوش التي أضاعت الاتجاه، وفقدت الطريق وأضلت السّبيل؛ فتحوّلت إلى أيقونة دمٍ وقتلٍ وتدميرٍ، وأداةٍ في أيدي السّاسة والقادة والحكّام الذين لا يرقبون في أوطانهم إلّا ولا ذمّة، فإذا بهذه الجيوش تستأسد على أبنائها وتستذئب على شعوبها التي ظنّت في يوم من الأيام أن هذه الجيوش ستكون عونًا لها لا خنجرًا مسمومًا في ظهرها.
لقد سعى حكام الأمة -الذين نصّبوا أنفسهم، رغم أنف شعوبهم، رموزًا للوطنية والقومية، حتى غدوا وقد ارتبطت أوطانهم بأسمائهم، بعكس ما ينبغي أن يكون- لترويض هذه الجيوش، ومن ثم تحويلها لخدمتهم والدفاع عن سلطتهم وحماية مكتسباتهم وثرواتهم التي جمعوها على حساب قوت شعوبهم وأبناء أوطانهم، وبذلك تحولت جيوشنا “المغوارة” من حماية الأرض إلى حماية السلطة، ومن الدّفاع عن الشّعوب إلى الدفاع عن الحكّام الذين اختصروا الوطن بهم وبأبنائهم وبجلاوزتهم؛ فصار من الطبيعي أن تكون هذه الجيوش مجنّدةً للذبّ عن الأنظمة الحاكمة ولو ضد أبنائهم وأهليهم الذين لا ذنب لهم إلّا أنهم حلموا يومًا بأن يكون لهم حق تقرير المصير في أوطانهم المغتصبة، من قبل ذئاب لبست لبوس الحكام والقادة والسياسيين.
إن السنوات الأخيرة التي شهدتها منطقتنا العربية أبرزت الوجه القبيح لتلك الجيوش المدجّنة التي انهزمت أمام كل التحديات الخارجية التي واجهتها، على الرغم من كثرة العُدّة والعتاد، ولم تنجح إلّا في معركتها مع شعوبها الضعيفة والمقهورة، فدكّت مدافعها بيوت الوطن، وداست دباباتها كرامة أبنائه، وسحقت طائراتها هامات أهله وذويه دون رادع من ضمير أو مانع من خُلُق أو دين.
لقد باتت شعوب منطقتنا العربية، بفعل تبعيّتها للأنظمة الظلامية القائمة، هدفًا لجيوشها التي جهلت -أو تجاهلت- واجبها الأصلي الذي أقسم عليه كل جندي فيها، والمتمثل بحماية الوطن وأبنائه من اعتداءات المتربّصين بأمنه وترابه، فغدا العدو آمنًا، والخصم مطمئنًا، والغريم سالمًا، وعاش المغتصب للأرض والديار والمقدسات أجمل أيامه وأفضل أوقاته، مع وجود أنظمة ضعيفة مهترئة تحتفظ جيوشها “البطلة” بحق الردّ على العدو الخارجي، أو تردّ عليه بقتل أبناء شعبها المتهم في نظرها بالعمالة للعدو والتآمر مع الخارج، وما حال هذه الجيوش “العربية” القاتلة لشعوبها مع أعداء العرب وقوميتهم المجيدة إلّا كقول جرير يصفُ خصمه الأدبي الفرزدق قائلًا:
زعم الفرزدق أن ســــــيقتل مربعًا أبشـــرْ بطول ســــــــلامةٍ يا مربعُ
ورأيــتُ نبْلك، يا فرزدق، قصّرتْ ورأيتُ قوســـَـك ليس فيـــها منزعُ
[ad_1] [ad_2] [sociallocker]
[/sociallocker]