تطبيع العلاقات مع نظام الأسد.. عنوان جديد للانقسام في لبنان


شادي السيد

ثارت موجة من ردات الفعل على الساحة السياسية اللبنانية مؤخرًا، على خلفية تقارير صحفية تحدثت عن اعتزام عدد من الوزراء اللبنانيين زيارة سوريا، بمبادرات شخصية، دون تكليف حكومي رسمي.

وأفادت تقارير بأن من بين من أعلنوا عزمهم زيارة سوريا، وزير الإعلام ملحم الرياشي، الذي أشار بعد جلسة للحكومة أول أمس الأربعاء، ردّاً على أسئلة للصحفيين، إلى أن "قرار مجلس الوزراء (اللبناني) هو النأي بالنفس عن محاور الخلاف وأي زيارة إلى سوريا لن تكون بقرار رسمي من الحكومة."

كما أعلن كل من وزير الزراعة غازي زعيتر من ميليشيا "حركة أمل" (شيعية) ووزير الصناعة حسين الحج حسن من ميليشيا "حزب الله" ووزير المال علي حسن خليل "حركة أمل" نيتهم زيارة سوريا بعد أن تلقوا دعوات رسمية من جانب حكومة نظام الأسد، وسط انقسام سياسي حول الموقف من هذه الزيارات.

وفي هذا الإطار قال عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل، الكاتب والمحلل السياسي راشد فايد لوكالة "الأناضول" إن "الكلام عن زيارة وزراء لبنانيين لدمشق هو محض افتعال، فالجميع يعلم في لبنان، أن العلاقات بين حزب الله وحلفائه كحركة أمل والحزب القومي السوري الاجتماعي مثلاً، ماتزال قائمة مع نظام الأسد، وهناك زيارات يقومون بها إلى سوريا، والهدف من الإعلان عن هذه الزيارات الآن، هو دفع لبنان ليكون معبراً لنظام الأسد إلى دول أخرى، وتحديداً الدول العربية."

وأضاف فايد: "من هنا تم الحديث في الإعلام عن استيراد لبنان الكهرباء من سوريا، من أجل إحراج قوى الرابع عشر من آذار أو القوى الرافضة لهذه الزيارات الرسمية إلى سوريا (تيار المستقبل، حزب القوات اللبنانية، الحزب التقدمي الاشتراكي)، والقول لهذه القوى أنكم تقبلون بالكهرباء من سوريا وترفضون الزيارات الرسمية إليها، مع العلم أن موضوع استيراد الكهرباء هو اتفاق قديم بين البلدين يعود إلى ما بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية مطلع التسعينات من القرن الماضي."

وأردف قائلا: "أعتقد أن الوزراء اللبنانيون سيزورون نظام الأسد، لكن الحكومة لن تقرّ أي اتفاقية بين الطرفين، لأنه ووفق القانون، لايمكن للوزير البت باتفاقيات بين الدولتين، لأنه بحاجة إلى توقيع كل من رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير المالية، والأكيد أن رئيس الحكومة سعد الحريري لن يوقع على أي اتفاقية مع نظام الأسد."

من ناحيته قال الكاتب والصحافي المقرب من ميليشيا "حزب الله" قاسم قصير لـ"الأناضول" إن "موضوع الزيارات إلى سوريا يأتي بفعل الظروف الواقعية والميدانية، وهذه الظروف تغيرت اليوم، ما يعني الحاجة إلى تغيير الأداء، ولا يمكن التعاطي اليوم مع سوريا كما كان التعاطي معها في السنوات القليلة الماضية أيام احتدام الأزمة هناك، فنظام بشار الأسد قطع مرحلة الخطورة وبات واضحاً بقاؤه في الحكم".

وأضاف: "وبالفعل عاد النظام ليبني مؤسساته ويستعد لمرحلة إعادة الإعمار، مع ما يرافق هذه المرحلة من عمل ولقاءات ومؤتمرات، وللبنان دور أساسي في مرحلة إعادة إعمار سوريا وهو أمر أكد عليه رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وبالتالي من المنطقي للبنان أن لا يبقى الوضع على ما هو عليه، لذا تمت دعوة الوزراء اللبنانيين من قبل نظرائهم السوريين."

وأضاف قصير: " العلاقات مع نظام الأسد لم تنقطع أبدا، واتفاقيات التعاون بين البلدين ما تزال قائمة، إلى جانب استمرار التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، فهناك سفير للأسد في لبنان وسفير للبنان في سوريا، وفي الفترة السابقة كان هناك أمر واقع على الأرض، أمّا اليوم فقد تغير الواقع الميداني، لذلك أعتقد أن الزيارات ستتم ولن تؤثر على العمل الحكومي."

وتأتي تلك التحركات مع الانتهاء من معركة جرود عرسال اللبنانية على الحدود مع سوريا واتمام صفقة بين ميليشيا "حزب الله" من جهة وجبهة "فتح الشام (النصرة سابقا)" من جهة ثانية والتي انتهت باستعادة ميليشيا "حزب الله" ثمانية أسرى وخروج مسلحي "فتح الشام" وأهاليهم من جرود عرسال إلى الشمال السوري.

وشهدت منطقة جرود عرسال في يوليو/ تموز الماضي معارك بين ميليشيا "حزب الله" اللبناني ومجموعات سورية مسلحة، أبرزها "فتح الشام"، استمرت عدة أيام، ثم توقفت، قبل أن يعلن الطرفان نهاية الشهر ذاته صفقة تبادل أسرى ومدنيين، تحت إشراف مدير جهاز الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم.

وشنت ميليشيا "حزب الله" الهجوم من محورين، أحدهما من الجانب السوري، والثاني من داخل الأراضي اللبنانية.

ولم يشارك الجيش اللبناني مباشرة في هذه المعركة، واقتصر دوره على التصدي لهجمات تشنها المجموعات المسلحة قرب مواقعه الموجودة على أطراف الجرود من جهة عرسال.

وتضم بلدة عرسال مخيمات تضم عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين الهاربين من الحرب في بلادهم.

وتشارك ميليشيا "حزب الله" منذ عام 2013 في القتال إلى جانب الأسد، وينتشر مقاتلوها في عدد من المحافظات السورية رغم دعوات من داخل لبنان لسحبهم تطبيقا لسياسة "النأي بالنفس" التي أعلنتها بيروت عقب اندلاع الثورة السورية آذار/ مارس 2011.

وارتكبت الميليشيا جرائم بحق السوريين من قتل واعتقال وعمليات تهجير طالت مناطق على الحدود السورية اللبنانية إضافة إلى مساندة النظام في حصار المدن السورية (مضايا والزبداني)، كما كان لها دور في تهجير أهالي أحياء مدينة حلب الشرقية.




المصدر