لماذا لا يُكثِرُ مسلمو ألمانيا الجدد من ارتياد المساجد؟!


muhammed bitar

زوجان سوريان يعرضان وثائق تسجيلهما التي أصدرتها الحكومة الألمانية مؤخراً”.

بعيداً عن محاولتهم “أسلمة” البلاد، يجد بعض اللاجئين السوريين في ألمانيا أن الإسلام فيها أكثر محافظةَ من أن يروق لهم.

أكثر من أي بلدٍ أوروبي أخر، احتضنت ألمانيا منذ العام 2015 ما يزيد عن المليون شخص من اللاجئين وطالبي اللجوء القادمين من البلدان ذات الغالبية المسلمة. وقد وفرت مسألة اندماج هؤلاء اللاجئين وجبة دسمة للأصوات اليمينية المتطرفة في السياسة الألمانية والذين استغَلوا بعض الحوادث مثل هجوم العام 2016 الذي استهدف سوق عيد الميلاد في برلين، والاعتداءات الجنسية التي شهدتها مقاطعة كولونيا في رأس السنة الجديدة للقول إن القادمين الجدد من المسلمين يشكلون تهديداً للمجتمعات الغربية. وتزامناً مع بلوغ أزمة اللاجئين في أوروبا ذروتها، حصل حزب “ألمانيا البديلة” المتطرف على نسبة 15 بالمئة من استطلاعات الرأي مُركِزاً بشكل كبير على الخوف من اللاجئين والخطاب المعادي لـ”إضفاء الطابع الإسلامي” على البلاد.

وعلى أي حال، ليست هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها ألمانيا موجة تدفق إسلامي كبير، حيث أنه وقبل العام 2015، كانت ألمانيا تؤوي مسبقاً حوالي 4 ملايين مسلم معظمهم من الأتراك الذين قَدموا إليها قبل 60 عاماً للمساعدة في إعادة إعمار البلاد في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بيد أن الكثير منهم اليوم غير مندمجين في المجتمع الألماني بصورة جيدة بل يعيشون في جيوب اجتماعية داخل المدن الكُبرى ويتحدثون التُركية أكثر من الألمانية، ويرتادون المساجد التي يديرها الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية/ دي اي تي اي بي/ وهو منظمة مرتبطة بشكل مباشر بالسلطات الدينية في الحكومة التركية.

وكانت الجالية المسلمة الموجودة في ألمانيا مسبقاً على اتصال محدود مع موجة الوافدين الجدد، إذ أن الكنائس والمنظمات العلمانية كانت هي من يدير معظم الملاجئ وبرامج الإغاثة، في حين أن كثيراً من اللاجئين لا يرتادون المساجد حتى ويقولون إن من يرتاد مساجد العرب هم من المحافظين جداً بينما يتحدثُ نظراؤهم في المساجد التركية لغة مختلفة. ويشتكي بعض اللاجئين الذين تحدثت إليهم من أن مُرتادي المساجد الموجودة مسبقاً كانوا متعجرفين وأنه لا صلة للتعاليم فيها بالأمور التي تشغلهم من قبيل الاندماج والصدمات النفسية وإيجاد أُسُسٍ في مجتمع جديد. يقول هؤلاء إن المسلمين الأقدَم في ألمانيا يركزون كثيراً على سياسات الهوية وتصوير أنفسهم على أنهم ضحايا، ربما لأنهم شعروا وكأنهم أقليات غريبة منذ عقود. ولم يتخلَّ كثير من الوافدين الجدد عن ثقافتهم أو دينهم لكنهم لا يريدون مناقشة هذه المسائل لاسيما وهم يسعون جاهدين للاندماج في المجتمع الألماني.   

في رمضان الماضي، دخلت أفين اليوسف ذات السبعة والعشرين عاماً وزوجها ريزان ديرسيوي والذي يَكبُرها بعام، قاعة الإفطار بجوار مسجد كولونيا المركزي ومعهما طفلتهما الرضيعة في عربة الأطفال. كان ذلك قبل ساعتين من غروب الشمس /موعد الإفطار/، بيد أنه تم مسبقاً تجهيز القاعة للإفطار مع وجود عدة نساء تركيات يَحُمن حول أطباق الأرز الكبيرة المُخصصة لمئات الحاضرين. كانت الأعلام التركية والألمانية تتدلى من سقف القاعة. اقترب الزوجان الكرديّان اللذان كانا قد فرا من القامشلي في سوريا قبل سنتين، من إحدى النسوة التركيات داخل القاعة وتحدَثا معها، قالت أفين بألمانية ضعيفة : “أريد أن أعرف ما إذا كان هناك دروس للنسوة في هذا المسجد”، بيد أن المرأة التركية عبست وارتبكت، حينها تحدثت أفين بكلمات عربية وألمانية وأشارت بيديها: “قرآن، دروس، مسجد، عربية؟”. استدعت المرأة التركية رجلاً ليتحدث مع أفين وزوجها وبدوره أعطاهما بطاقة خاصة بالمسجد وقال بالألمانية: “اتصلا بهذا الرقم وأسألا غداً”.

رد ديرسيوي بالألمانية قائلا: “شكراً جزيلاً”. وعند خروجهما من المسجد، مرَ الزوجان الكرديان بمجموعة كبيرة من النساء المحجبات. نظرت أفين إليهن وهزت رأسها قائلة: “جميعهن تركيات” ولن يَتَمَكَنَ من التواصل معنا.

وكان سبب ذهاب أفين وزوجها إلى المسجد التركي هو سماعهما بأنه أحد أكبر المساجد في ألمانيا. وقالت أفين إنها كانت تبحث ومنذ وصولها مع زوجها إلى كولونيا، عن مكان تستطيع فيه مناقشة الإسلام بشكل علني دون الشعور بالضغط عليها لتصبح أكثر مُحافَظَةَ. وأضافت أفين: “أودُ إيجادَ مسجدٍ يعرفهُ الألمان حيث أكون متأكدة من أن من فيه ليسوا متطرفين”. وكانت أفين قد جربت الذهاب إلى بعض مساجد العرب، بيد أنها شعرت أنه من المستحيل أن تسأل الأسئلة التي كانت لديها لدى زيارتها المسجد التركي من قبيل ما إذا كان هناك مشكلة في خلع حجابها أو كيف تُرَبي ابنها ككُردي ومسلم وألماني في الوقت ذاته.

وقالت أفين: “نعيش اليوم في العام 2017 ويحتاج ديننا إلى اللحاق بركب العصر، بينما يعيش هؤلاء الناس نمط الحياة قبل ألف عام، وجُلَ ما يتحدثون عنه هو العادات والتقاليد”.

وأضاف ديرسيوي أن معظم المساجد في كولونيا هي ذات توجه شخصي إلى حدٍ كبير، وقال: “إنهم يحاولون فقط استقطاب المزيد من الناس لصالح مجموعتهم، وجَعلَكَ تبدو مثلهم تماماً”. وتابع ديرسيوي بأنه قد يعود وزوجته إلى المسجد التركي ولكن ليس قبل أن يضم المسجد أشخاصاً يتحدثون العربية.  

داخل المسجد، تَجَمَعَ اللاجئون والمهاجرون الأقدم- من الأتراك والعرب والفرس وغيرهم، لتناول وجبة الإفطار. وانطلقَ أذان المغرب بينما كان الجميع يتناول أطباقاً ممتلئَة بالطعام، من دون أسئلة عن هوياتهم وأصولهم. ولَوَحَ أحد المدراء الأتراك بيده في الغرفة وأخبرني بالعربية الفصحى أن الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية كان هو الراعي الرسمي لمأدبة الإفطار هذه فاتحاً الأبواب أمام جميع المسلمين من اللاجئين وغيرهم.

وبعد ذلك، مر بجانبنا شخص سوري وضَحِكَ مُقتبساً بعربية عامية سريعة، وقال: “لماذا تسأله عن اللاجئين”؟ جميعهم أتراك، لم يذهبوا إلى المخيمات ولا يتحدثون إلى السوريين، ولا يعرفون أي شيء عن مشاكلنا”، بيد أن الرجل التركي لم يفهم اللهجة العربية السورية.

يُعَدُ الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية أكبر منظمة إسلامية في ألمانيا  حيث يدير 950 مسجداً ومنظمة في عموم أنحاء البلاد. ومع ذلك، فقد كانت مشاركة الاتحاد مع استجابة اللاجئين محدودة نظراً لأن المنظمات الإسلامية أصغر وأقل ارتباطاً بالسياسة من نظيراتها المسيحية، بحسب ما صرح به  بكر ألبوغا الأمين العام للاتحاد. وقال ألبوغا: “يتم تقديم جميع الدعم والعمل تقريباً للاجئين من قبل الحكومة التي تدفع المال للمنظمات الكنسية، وإن عائداتنا المالية أقل بكثير من ذلك”.

وتحتفظ الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية الألمانية بمركز يُدعى /كوربرشافت ديس أوفينتليشين ريكتس/ كور/ وهو نوع من التسجيل يجيز لهذه الكنائس امتلاك الأراضي وإبرام العقود الحكومية لا بل و جمع العشور عبر ضرائب الدولة. وعلى النقيض من ذلك، فإن الجماعات الإسلامية هي في معظمها /إينتجراجينير فيرين/ فحسب، وهو نوع من الجمعيات التطوعية أقرب إلى نادي التنس أو جمعية بريدج. ويحاول الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية تأسيس منظمة إسلامية للرعاية الاجتماعية تكون مسجلة على مستوى /كور/ على حد قول ألبوغا، لكنه لم ينجح بعد. وأضاف البوغا: “نحن بحاجة لهذا الاعتراف بحيث يتسنى لنا العمل مع الدولة وبذلك يُنظَرُ إلينا على أننا أصحاب وجود شرعي لا غُرباء.

وعلى نطاق واسع، يُنظَرُ إلى الاتحاد الإسلامي التركي في ألمانيا على أنهُ مشبوهٌ نظراً لارتباطه بالحكومة التركية. وليس بالضرورة أن يكون أئمة مساجد الاتحاد مواطنين ألمانيين، ويتلقون رواتب مباشرة من /الديانة/ أي السلطات الدينية في الحكومة التركية. والعام الماضي، تم إلقاء القبض على بعض خطباء الاتحاد وهميتجسسون على أشخاص يشتبهُ بدعمهم للانقلاب الفاشل في تركيا، نيابة عن الحكومة التركية. ورغم ذلك، أصَرَ البوغا على أن الاتحاد الإسلامي التركي لا يتلقى أي أوامر من الحكومة التركية. وأما بالنسبة لتعزيز المجتمعات الموازية التي لا تتحدث الألمانية، قال ألبوغا إنه لا ينبغي إلقاء اللوم في ذلك على المسجد التركي.

وقال البوغا: “نريد لجميع أعضائنا أن يتحدثوا الألمانية ويصبحوا ألمانيين، ولكننا نريدهم أيضاً أن يعرفوا ثقافة ودين أجدادهم وأصولهم. تجلبُ المساجد الغِنى الديني والثقافي في مجتمع متداخل الثقافات والأديان. وإذا كنتم لا تريدون ذلك، فحينها أنتم تُطالبون باستيعاب وليس باندماج”.  

ورغم ذلك، يرفض بعض السوريين علانية طريقة تفاعل الأتراك مع المجتمع الألماني. ففي العاصمة برلين على سبيل المثال، يقود  السوري همام نصريني أستاذ الفلسفة السابق من مدينة حلب، مجموعة من اللاجئين السوريين تحاول تأسيس مركز ثقافي لتحسين التواصل والاندماج مع الألمان. وقال نصريني: “نَوَدُ فعل شيء مختلف عمّا يفعله الأتراك، ولا نريد أن نبقى هنا لستين عاماً ونظل منفصلين عن المجتمع”. وتابع نصريني أن المشكلة مع المساجد ليست دينية محضة وإنما ديموغرافية، وهي أن إمضاء الوقت في المسجد يعني أن تكون مع العرب الآخرين على حساب الاندماج وتَعَلُم الألمانية.

 ” سيدة سورية تحمل دفترها الخاص بتعلم اللغة الألمانية في بوتسن. ألمانيا / عدسة إينا فاسبيندير /غيتي/.”

وتابع نصريني أن التحدي الآخر الذي يواجهه السوريون إنما هو مستمر منذ بداية ثورتهم ويتمثل بفصل الهوية المدنية عن الدين. وقال: “نريد أن ننجز تَصَوُرَنا لمجتمع سوري حديث وتقدمي، وهذا لا يعني أن يكون لا دينياً، بل أن يكون مجتمعاً مدنياً. وهكذاً بإمكانك أن تكون متديناً أو لا ولكن في كلا الحالتين لا ينبغي لك إكراه الآخرين أو الضغط عليهم ليكونوا كذلك”.

وقال بعض اللاجئين إن قِلة فقط من المساجد الموجودة في ألمانيا تفتح أبوابها لهذا النوع من التفكير.

وقال الشاب السوري  سومر كريكر البالغ من العمر تسعة وعشرين عاماً والذي طلب اللجوء في الأردن قبل أن يعبر البحر قاصداً ألمانيا عام 2015:” معظم المسلمين هنا منغلقون فكرياً ويجعلونك تكره الدين”. ويعيش كريكر اليوم في بلدة سولينغين الصغيرة خارج كولونيا. وأضاف كريكر أن إعادة توطين اللاجئين كان سياسة جيدة لكنها يتيمة. ومعظم سكان سولينغين هم من كبار السن. يعيش كريكر في عقار يملكه رجل تركي لا تتحدث زوجته اللغة الألمانية وتعيش عائلته بدون رعاية اجتماعية تقريباً.  لم يذهب كريكر إلى المسجد سوى مرة واحدة ، وكان ذلك في العيد لكنه وجد أن رسالته فارغة وعبثية.

وأضاف كريكر:” يتحدث الجميع عن التقاليد والتوقعات الاجتماعية ولا يتحدثون عن الإيمان كإيمان وعن الدين كدين حقيقي. وماذا عن شيء ما ينطبق علينا جميعاً اليوم”؟! لمَ لا نتحدث عن العدالة مثلاً؟!. يقول المسلمون فقط “نحن صائمون”، لماذا؟! لا نعرف، فقط لأنه يجب علينا أن نصوم”.

سبب آخر يدفع باللاجئين للابتعاد عن الدين هو لأن الدين وتسييسه بالنسبة لكثير منهم مرتبطان بصدمة نفسية عميقة ومستمرة، بحسب إلكي هيلير البرليني الذي يُدير مشروعاً للاندماج في  ضاحية كارو. وقال هيلير: “الدين شيء يفصل بين اللاجئين، وهو مثل الفيل في الغرفة، “تخيل أن يزيديين يعيشون مع العرب وكانوا قد هربوا للتو من حالة /نحن ضدهم/، لذلك سوف يحاولون عدم الاقتراب من الدين لوقت طويل”.

يصلي الكثير من الناس يومياً من أجل أقاربهم المحاصرين والذين يعانون من القصف والجوع والإرهاب. ولا يهمهم سماع الخطاب المُسيس حول ما ينبغي على الدين إجبارك على فعله، أو ما إذا كانت هويتك الدينية تجعل منك شخصاً جيداً أو سيئاً مقبولاً أو مرفوضاً. فمثلاً، يعيش في منطقة هيلير رجل سوري من خان شيخون كان قد فقد عائلته في الهجوم الكيماوي الذي استهدف المدينة شهر أبريل/ نيسان الماضي. يالها من محنة ومأساة حقيقية لهذا الرجل أن يكون على قيد الحياة محاولاً تعلم الألمانية وهو يعلم يقيناً كيف احترق أحبابه واختنقوا حتى الموت.  

وقال هيلير: “اللاجئون السوريون موجودون هنا بأجسادهم فقط أما عقولهم فهي في إدلب وحلب وحمص وغيرها. يا له من أمر في غاية الصعوبة، إذ أنك عندما تتعمق أكثر وأكثر تسمع عن إخوة اختفوا وعن أمهات يعشن بدون رعاية طبية”. هم هنا يعيشون بسلامٍ بيننا والطيور تغني، لكنهم لا يسمعونها”.

وفي الوقت الذي يتجاهل فيه العديد من اللاجئين الجالية المسلمة الموجودة مسبقاً في ألمانيا، كان الدينُ السببَ في مشاكل داخل بعض مجتمعات اللاجئين لا سيما في الأطُر المُرَكَزة. لقد مضى على وجود القادمين الجدد في ألمانيا عامان تقريباً، ومع ذلك، لا يزال الكثير منهم يعيشون في ملاجئ مؤقتة. ويُحشرُ المئات من طالبي اللجوء داخل غرف واسعة  تفصل بينها الستائر داخل قاعات المؤتمرات الكبيرة، أو يعيشون في مخيمات مقطورة في الأحياء وضواحي المدن.

قالت ناير إنكورفايا وهي ألمانية إيرانية قَدِمَت إلى البلاد كلاجئة قبل ثلاثين عاماً وتُشرف اليوم على مخيم للاجئين تديره منظمة مسيحية غير ربحية في منطقة بانكو في العاصمة برلين، إن بعض اللاجئين في المخيم من الموغلين في المحافظة كانوا قد طلبوا أن يتم الفصل بين الرجال والنساء في طوابير الطعام. وتابعت إنكورفايا: “لم اُرِدَ ذلك لأن وظيفتي هي دمجهم في المجتمع الألماني. نحن في ألمانيا ولذلك نريد أن نحظى بالقيم الألمانية لا سيما فيما يتعلق بالحرية وحقوق المرأة.”.

وعندما أصَرَت إنكورفايا على المزج بين الرجال والنساء داخل المخيم، اندلعت فيه التوترات. وقالت إنكورفايا إن رجلين أو ثلاثة فقط كانوا يضغطون على بقية الموجودين في المخيم. وتابعَت: “كانوا يُشعِرون الناس بالذنب قائلين: “أنتم مسلمون، لماذا تتصرفون كذلك؟!. وفي النهاية، تم إرسال هؤلاء اللاجئين إلى مكان آخر، أما بقية سكان المخيم فقد تم نقلهم إلى مقطورات.

وقالت إنكورفايا إنها عندما قَدِمت إلى ألمانيا في سن الثالثة عشرة، لم تتحدث في المدرسة لمدة عام. وأضافت:”كنت منبوذة حقاً. لم أُرِد تعلم الألمانية أو أن أصبح ألمانية. كنت أكره ذلك. ولم تقتنع إنكورفايا بفكرة ألمانيا إلا عندما قابلت بعض المسيحيين الذين عاملوها بلطف. وقالت: “كانوا لطيفين معي، أردتُ شرب الشاي في كؤوس كبيرة لأنهم كانوا يفعلون ذلك، لقد أحبوني لذلك أردتُ أن أكون مثلهم”.

وقالت إنكورفايا إنه في الوقت الذي ينبغي على اللاجئين فيه تَعَلُم وتَقَبُل معايير وأسس الحقوق المدنية الألمانية، ينبغي على الألمان أيضاً مساعدة القادمين الجدد على الاندماج من خلال عدم معاملتهم على أنهم مجموعة ديموغرافية مميزة. وأضافت: “عندما تقول دعنا نخصص غرفة صلاة خاصة للمسلمين فإن ذلك هو نوع التسامح الذي لا يزال يجعلهم غرباء لهم خصوصياتهم وليسوا جزءاً منا”. وطالما أنك تنظر إليهم على أنهم /أوسلاندر/ أي غرباء، فلن يندمجوا في المجتمع. وفي هذا الخصوص، تشعر إنكورفايا بالقلق خاصة على اللاجئين الشباب غير المتزوجين.

وتابعت إنكورفايا: “عندما تشعر بأنك منبوذ ومرفوض فإنك تصبح متطرفا وإذا لم يتم قبول اللاجئين ولم يتحدث أحد معهم عن محطة /يو بان/ لقطار الأنفاق في برلين مثلاً، حينها سيأتي المتطرفون ويقولون لهم تعالوا وكونوا جزءاً من جماعتنا. وبالتالي ينشأ لديك إرهابيون.

وبالرغم من أن الشعور بالرفض لا يؤدي بالضرورة إلى التطرف، فإن رسالة إنكورفايا هي أن التهديد الذي يواجه المجتمع الألماني واللاجئين أنفسهم ليس هو الإسلام، وإنما ضياع هوية اللاجئين. وقالت إنكورفايا إن أحد سكان مخيم بانكو وهو شاب أفغاني أعزب ويبلغ من العمر 24 عاماً، أمضى ثلاثة أشهر مُجرباً شخصيات بديلة، فيوماً كان يرتدي الملابس الوردية بِشعرهِ الأُرجواني وآخر كان يتجول مرتدياً بدلة رجل أعمال، وكان يستمع إلى موسيقى الهيب هوب الصاخبة في المخيم ويرفض تحدث الفارسية. ولاحقاً عانى هذا الشاب الأفغاني من انهيار عقلي نُقِلَ على إثرهِ إلى المستشفى. وأضافت إنكورفايا: “لقد حاول جاهداً أن يكون ألمانياً لدرجة أنه أصبح شخصاً متقلباً وانهارَ في النهاية”. وفي المستشفى، كشف الشاب الأفغاني لإنكورفايا عن علامات حروق على ذراعيه وأخبرها قائلا: “لا أستطيع أن أجد نفسي”.

وقالت إنكورفايا إن هذه الحالة كان مبالغٌ فيها لحد الإفراط، لكن هذا النوع من الشعور بالعزلة هو ما قد يجعل اللاجئين عرضة لتجنيدهم لصالح الجماعات المتطرفة. ويهتم معظم اللاجئين في ألمانيا بالاندماج والبقاء أكثر من اهتمامهم بالدين. ويحاول الكثير منهم اليوم أن لا يصبحوا مثل المسلمين الأقدم منهم متجنبين ارتياد المساجد لأنهم لا يشعرون بالحد الأدنى من الانتماء هناك. ومع ذلك، قد يؤدي هذا النفور ذاته إلى جعل القادمين الجدد عرضة لعدم الاندماج وبالتالي الانسحاب للعيش في مجتمع موازٍ فيما بعد، إذا لم يجدوا الأجوبة التي يسعون إليها في إطار المجتمع الألماني. وقالت إنكورفايا: “سيندمج هؤلاء أينما وجدوا القبول”. 

رابط المادة الأصلي: هنا.




المصدر