نانت الفرنسية تعيد افتتاح متحفها : يتضمن تسعة قرون من تاريخ الفن


muhammed bitar

أعيد أخيراً افتتاح متحف مدينة نانت في غرب فرنسا، بعد ست سنوات على إغلاقه. ونانت تعد من أهم المدن الفرنسية، وهي مدينة جامعية ومسجلة بصفتها «فضاء للتاريخ والفن» على لائحة التراث العالمي. أما متحفها الذي أنشئ عام 1801 فهو من أقدم المتاحف الفرنسية المخصصة للفنون. وكان قد خضع خلال أعوام إغلاقه لعملية تجديد وترميم شاملة حتى يليق بمدينة نانت ويصبح متحفاً حديثاً متلائماً مع متطلبات القرن الحادي والعشرين.
يشتهر هذا المتحف على الصعيدين الفرنسي والعالمي بفضل مجموعته الفنية التي تختصر قروناً من تاريخ الفنون ومن بينها روائع لفنانين عالميين، كما أنه يتميز بمبناه الكلاسيكي المهيب المشيّد من الحجر، ويتمتع بموقع إستراتيجي إذ يقع في قلب منطقة تاريخية قرب قصر شهير وكاتدرائية عريقة.
هذه المميزات لم تعد كافية لجعل المتحف قادراً على مواكبة التحديات التي فرضها علم المتاحف في الأزمنة المعاصرة، فكان لا بد من عملية إعادة بناء امتدت ستة أعوام وأدت الى توسيعه والاستفادة من مساحات جديدة ستكرس للمحترفات التربوية وتنظيم الندوات واللقاءات والحفلات الموسيقية والراقصة التي تهدف إلى تحويل المتحف مكاناً للثقافة الحية، وتجعله أيضاً على احتكاك مباشر بالجمهور. وقد أشرف على هذه الأشغال مكتب ستانتون وليامس الهندسي البريطاني، وبلغت تكاليفها نحو تسعين مليون يورو.
تختصر محتويات المتحف تسعة قرون من تاريخ الفن، وهناك أولاً أعمال مهمة من فرنسا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا تغطي المرحلة الممتدة من القرن الثالث عشر حتى القرن الثامن عشر. أما القرن التاسع عشر فممثل بصورة بهية مع لوحات لفنانين معروفين اقتناها المتحف، كانوا على قيد الحياة في حينه وأسماؤهم لامعة، ومنهم دولاكروا رائد الحركة الرومنسية والاستشراقية الذي نشاهد له لوحة بعنوان «قائد مغربي» أنجزها عام 1837. ومن المعروف أن رحلة أوجين دولاكروا الى المغرب كانت محطة فاصلة في مسيرته الفنية، ذلك أن انبهاره بطبيعة المغرب وفنونه أدى إلى تعامله بصورة جديدة مع الأشكال والألوان ما مهّد للانطباعية.
من القرن التاسع عشر إلى الأزمنة الحديثة حيث تحضر التيارات الفنية المختلفة مع أعمال لرواد معروفين، منهم الروسي فاسيلي كاندينسكي أحد مؤسسي التيار التجريدي مطلع القرن العشرين، ويملك المتحف زهاء عشرة من أعماله أنجزها عندما عمل مدرسًا في معهد «البوهوس» لتعليم العمارة والفنون في ألمانيا ما بين عام 1922 و1933. كذلك تطالعنا أعمال لفنانين طبعوا بأعمالهم مسيرة الفنون بعد الحرب العالمية الثانية ومنهم الفرنسي بيار سولاج والفرنسي الألماني الأصل هانز هارتونغ والبرتغالية فييرا دا سيلفا. ونختتم زيارتنا مجموعة المتحف مع أعمال الفن المعاصر التي أنجزت منذ الستينات من القرن الماضي حتى اليوم، ومنها عملان للفنانين والمخرجين اللبنانيين خليل جريج وجوانا حاجي توما عن معتقل الخيام في الجنوب اللبناني. وكان الاثنان قد أنجزا ما بين 2002 و2007 فيلماً وثائقياً بعنوان «الخيام» تناولا فيه قصة هذا المعتقل في زمن الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان.
واللافت في المتحف هو انفتاحه على كل الجنسيات والتيارات والتوجّهات الفنية، وهذا ما يضعه في مصاف المتاحف العالمية الكبرى. نلاحظ أيضاً أنّ الفنّ العربي المعاصر يحتلّ، أكثر فأكثر، حيّزاً داخل المتاحف التي تخصص أجنحة للفنون البصرية المعاصرة. وكسائر المتاحف والصروح الثقافية الفرنسية، يجمع متحف مدينة نانت بين الثقافة والتنمية ضمن سياسة ثقافية اقتصادية تميزت بها فرنسا دائماً وتأخذ في الاعتبار ضرورة استقطاب أكبر عدد من السياح الذين يزورون فرنسا بالملايين سنوياً.




المصدر