نحو بناء مؤسسات المجتمع المدني في الجولان المحتل


أيمن أبو جبل

من الطبيعي والمتعارف عليه في المعترك الاجتماعي والسياسي أن نختلف في تحليل وتفسير أيّ حدث تاريخي أو سياسي معين، يأخذ أبعادًا تمسّ وجودنا الحاضر، أو تاريخنا الماضي، وقد تتباين الآراء والتفسيرات والتحليلات حوله، بما لا ينفي وجود هذا الحدث.

ولكيلا تصبح ذاكرتنا الفردية والجمعية بين يدي المتلاعبين في مصاير الأفراد والمجتمع، ويتحول الحق إلى باطل، والباطل إلى حق؛ من الضروري، بل من الواجب، استحضار التاريخ لفهم الحاضر، ورسم ملامح المستقبل، دون التجني، أو التطاول، أو تجاهل وتهميش مراحل كانت عاملًا في التشكيل الاجتماعي والسياسي والثقافي لمجتمعٍ ما. ولا بدّ من وقفة، لوقف أي عملية استهتار وتلاعب في مستقبل المجتمعات والأفراد على حد سواء، استنادًا إلى تجربة خمسين عامًا من الكفاح والنضال، والعراك، والترهل، والتشظي الذي عايشه المجتمع الجولاني “اليتيم” بين قوى إقليمية ودولية.

إن غياب الاستناد إلى الوثائق والمستندات، وقراءة الأحداث الماضية عند كتابة التاريخ، أو معالجة المشكلات الاجتماعية والسياسية لأي مجتمع هو عمل غير مهني، ومُجحف، ويفتح الباب للتأويل والتشويه، وحرفِ الأمور عن سياقها وجوهرها، ومن هنا يبقى من الضروري، لمعالجة الحاضر، فهم الماضي على حقيقته واستخلاص العبر منه.

باستعراض سريع لتجارب المجتمع الجولاني الذي قاد وأدار ونظّم شؤونه بنفسه، وإن كان بشكل عفوي وتلقائي في مواجهة “أجهزة دولة توفرت فيها كل الإمكانات والطاقات، وبالنهاية استسلمت أمامه، وعجزت عن كسر شوكته أثناء الأزمات التي عصفت به، وهددت كيانه، طوال الخمسين عامًا الماضية، وفي الوقت نفسه شكّلت تتويجًا لمرحلةٍ عدّها الجولانيون انتصارًا يجب صونه، وتدعيمه والبناء عليه، في مسألة تحديد مصيرهم، ومستقبلهم الذي لن ينتظر عجزهم الراهن في المبادرة، والتخلي عن الخطابات الإنشائية، وتوظيف كفاءاتهم وإمكاناتهم لبناء أسس وركائز ذاتية، لإدارة شؤونهم المحلية، وقضاياهم الاجتماعية والسياسية، على نحو لم يفعلوه سابقًا، ومن ناحية أخرى تسخير الطاقات والجهود لمواجهة أي محاولات أو برامج تُهدد هوية المجتمع الجولاني السورية، كمشروع الانتخابات الإسرائيلية المزمع تنفيذها، في تشرين الأول/ أكتوبر 2018؛ الأمر الذي يعدّه غالبية الجولانيين سابقة خطيرة، تهدد الهوية الوطنية أرضًا وشعبًا، وتُهدد النسيج الاجتماعي في الجولان على حد سواء، وهذا ما عُبّر عنه في الاجتماع الشعبي في مقام أبي ذر الغفاري، في الجولان بتاريخ 11 تموز/ يوليو 2017.

لقد كان العمل النضالي في الجولان السوري المحتل، قبل تجربة الإضراب الكبير في شباط/ فبراير 1982، مقتصرًا على العمل السري وخلايا المقاومة الوطنية التي انطلقت منذ البدايات الأولى للاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان السورية، بين السنوات 1967 – 1979، حيث حمل بعدها بذور النضال الجماهيري الشعبي الذي تُوّج في إعلان الإضراب العام والمفتوح، رفضًا لقانون ضم الجولان إلى “إسرائيل”، وتطبيق القانون المدني والقضائي والإداري على الجولان المحتل، بعد انتهاء مرحلة الحكم العسكري، في الأول من نيسان/ أبريل عام 1982 رسميًا، وقد شهد الجولان، خلال سنوات العمل السري، عدة محطات رئيسية في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، أخذت الطابع الشعبي المنظم والمحدود، أبرزها:

تجربة أول تظاهرة جماهيرية في الجولان، حدادًا وحزنًا على وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في عام 1970، وقد انطلقت من المدرسة الثانوية في قرية مسعدة ثم تواصلت إلى مجدل شمس، بقيادة شخصيات وطنية وطلابية بارزة، وتم تفريقها بالقوة من قبل سلطات الحكم العسكري، واعتقال العشرات من المشاركين. تجربة رفض تعيين المجالس المحلية، ورفض دفع الضرائب (ضريبة الدخل) واقتحام البيوت والمنازل والمحلات التجارية من قبل الجيش الإسرائيلي، وبيعها في مزاد علني في مدينة حيفا، ومواجهة الأهالي لهم، في تشرين الثاني/ نوفمبر 1972 . تجربة السجون والمعتقلات، والإفراج عن أول دفعة من معتقلي الجولان المحتل، بقرار من وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك “عيزر فايتسمن” تمهيدًا للمرحلة القادمة من مشروع فرض قانون ضم الجولان إلى الدولة العبرية، وفرض الجنسية الإسرائيلية على سكانه عام 1979. تجربة أول اجتماع شعبي عام، في تاريخ 16 كانون الثاني/ يناير 1979 بمجدل شمس، للرد على المخطط الإسرائيلي الرامي إلى فرض الجنسية الإسرائيلية على أهالي الجولان، والتحذير من خطورة المشروع الإسرئيلي، وإرسال برقيات احتجاجية بشكل علني إلى المؤسسات الدولية والإنسانية، والحكومة الإسرائيلية، والتوقيع على مذكرة علنية، ضمت 1200 توقيعًا، ترفض الخطوة الإسرائيلية الاستفزازية. أول إضراب تنفذه الحركة الطلابية في المدارس الثانوية والابتدائية في الجولان السوري المحتل، تضامنًا مع الأشقاء الفلسطينيين، بعد محاولات الاغتيال التي تعرض لها رؤساء المجالس البلدية المنتخبة في فلسطين المحتلة، في 10 شباط/ فبراير 1980، تلاها إضراب وتظاهرة طلابية لطرد أحد المعلمين الإسرائيليين من المدرسة الثانوية. إصدار الوثيقة الوطنية لمواطني الجولان، التي تؤكد على الانتماء السوري إلى الجولان أرضًا وشعبًا وهوية وسيادة، وتحذر من استلام أو قبول الجنسية الإسرائيلية، وتعلن فرض الحرمان الاجتماعي والديني على كل من تسوّل له نفسه تغيير وتبديل انتمائه العربي السوري، وتؤكد على أن الجولان أرض عربية سورية محتلة، لا يمكن التفريط بها. وكل من يحمل الجنسية الإسرائيلية يعتبر كافرًا بدينه، وخارجًا على تقاليد الطائفة العربية الدرزية، ويتعرض للمقاطعة في كافة المناسبات والطقوس الدينية والاجتماعية، في تاريخ 25 آذار/ مارس 1981. تجربة الإضراب العام والمفتوح، والقيادة الشعبية غير المُنتخبة رسميًا التي رافقت الإضراب، وضمت: الزعامة التقليدية – الزعامة الدينية شخصيات شبابية، ومعتقلين سياسيين سابقين، في 14 شباط/ فبراير 1982.

شكّلت كل تلك التجارب، مرشدًا وإرثًا ورصيدًا جولانيًا في مواجهة السلطات الإسرائيلية، ولعبت دورًا بارزًا لامتداد الفعل النضالي للتأثير على الحالة الاجتماعية والسياسية في الجولان، وتحديد سلوكياتها لصون الهوية السورية للجولان، والحفاظ على خصوصيته، على مستوى استمرار المواجهة مع الاحتلال من جهة، والعمل نحو مأسسة الحالة الجولانية من جهة ثانية، فأفرزت الحاجة الوطنية والاجتماعية آنذاك، تشكيل رابطة الجامعيين، واللجنة النسائية، وعدة أطر رياضية ثقافية ووطنية بديلة، في محاولة لاستثمار تراكم الإنجازات الوطنية، وتشكيل حاضنة لها، تُقابل مشروع السلطة الإسرائيلية التي بدأت تعيد التفكير في سياسة القبضة الحديدية “المباشرة” التي انتهجتها لقمع صمود وإرادة الجولانيين.

لقد أحدثت تجربة الإضراب الذي استمر ستة أشهر متواصلة، تغيرات جوهرية في البنية والعلاقات الاجتماعية الجولانية، تميزت باللحمة الداخلية، بحكم أن كافة فئات المجتمع الجولاني قد لحقها ضرر ما من جرّاء السياسيات الإسرائيلية المتشددة، من اعتقالات ومصادرات وملاحقات، وإقامات جبرية وحبس منزلي، وغرامات مالية باهظة، كما أن الشعور الجماعي بالاستهداف عزز الترابط العضوي واللحمة بين المجتمع الجولاني، ووُظف هذا الاستهداف بطريقه عشوائية، نحو ترابط اجتماعي وسياسي وأحيانًا اقتصادي، لتعزيز الحالة النضالية الجولانية التي تجلت بمواجهات شعبية واسعة وعنيفة أحيانًا، أثناء “حفل” طرد رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيرس من مجدل شمس، وهروبه من أزقتها، في العام 1986 وتدشين تمثال المسيرة في العام نفسه، والنصب التذكاري للشهداء، واستشهاد المناضلة غالية فرحات، برصاص القوات الإسرائيلية في عام 1987. وتجربة المخيمات الصيفية والأعمال التطوعية الأولى التي عززت الشعور بالانتماء الجماعي أكثر، بخاصة بين أوساط الشبيبة والأطفال.

لقد كان لمشاركة كافة شرائح وفئات المجتمع الجولاني بتجربة الإضراب، أثر كبير في بلورة الوعي الفكري على مستوى الأفراد والمجموعات والأطر التي عملت بوسائل وأدوات جديدة، تتلاءم مع الفعل الاحتلالي للسلطات الإسرائيلية، ومحاولة ايجاد بدائل عملية (في ظل انعدام الترابط وأية علاقات رسمية أو سواها مع الدولة السورية) تُقلل من الارتباط مع مؤسسات الاحتلال التي خرجت من تجربة المواجهة المباشرة لـ “أسرلة” المجتمع الجولاني بفشل ذريع، وفي هذا الإطار تم تشكيل الجمعية العربية للتطوير سابقًا (جولان للتنمية اليوم) ومأسسة وتأطير العمل الثقافي والفني وتشكيل المركز الإعلامي والتوثيقي، في سنوات التسعينيات من القرن الماضي، وفق ما تتيحه وتسمح به الأنظمة والقوانين الإسرائيلية وبتمويل أوروبي، يتعامل مع الجولان كمنطقة سورية محتلة، إلى جانب استمرار فاعلية العديد من الأطر الثقافية والفنية والرياضية التي بقيت تعمل وفق أدوات العمل السابقة، ولم يكتب لها النجاح والاستمرارية.

لقد لعبت رابطة الجامعيين، والأطر والأندية الرياضية والنسائية، في سنوات الثمانينيات، والجمعية العربية للتطوير لاحقًا، أدوارًا عدة في تعزيز ورفد الحالة الجولانية، وتنامي العلاقات المبنية على أسس وطنية واضحة، تخدم وتحشد كافة الإمكانات والطاقات في مواجهة الاحتلال، وتذويب الفوارق بين كافة الأعمار والانتماءات الفكرية، وتعزيز مشاركة المرأة ودعمها، مهنيًا وسياسيًا واجتماعيًا، وإنتاج منهجية في العمل بطريقة تعدت المألوف القروي والشعبي والتقليدي، حيث حملت تلك المرحلة خصائص ومميزات عديدة، دفعت المعارضين للنهج المؤسساتي والتخصصي والمهني، إلى محاربة وتعطيل عملها من خلال اللجوء إلى “الرفاق في القيادة شرقي الشريط” الذين رحبوا باستصدار قرار مخابراتي سوري بحل الجمعية ومرافقها بصفتها الاعتبارية، في بدايات الألفية الثانية، الأمر الذي ساهم في تعميق الخلاف، بين الفكر التقدمي واليساري المعارض للنظام الذي حملته الجمعية، واليميني الموالي والمرتهن للنظام والأجهزة الأمنية السورية.

كان بإمكان قرار حل الجمعية أن يبقى حبرًا على ورق، لولا استجابة إدارتها، بإجراء تغييرات شكلية، وتغيير اسم الجمعية من “العربية للتطوير” إلى “جولان للتنمية”؛ لتجاوز الخلافات الداخلية، والحرص على اللحمة الاجتماعية، إلا أنها لاحقًا، بعد عدة سنوات من عملها الرائد، أوقفت “بذاتها” مشاريعها الرئيسية والحيوية كالمشروع الثقافي والفني (مركز الموسيقي – بيت الفن والمسرحي “مسرح عيون”)، ومشروع مركز الإعلام والتوثيق (موقع الجولان الإلكتروني)، إضافة إلى روضة الأطفال “المسيرة” التي أُقيمت في العام 1986، والمركز الزراعي والمركز النسوي، لأسباب انكفائية وشخصية ومالية طغت عليها. كان هذا النكوص والتراجع والفشل سببًا في ابتعادها عن الشأن العام والتأثير فيه، ووأد العمل الاجتماعي والثقافي من قبلها، وانحصار عملها في الطب، والطب التخصصي، بعد أزمات علاقات مهنية وشخصية داخلها، وأزمات خطيرة، سادت بينها كمؤسسة جولانية عامة، ومجموعة من الأطباء العاملين ضمن صفوفها؛ أدت إلى تجزأة العمل الطبي وخصخصته، وتشتت جهود وطاقات كبيرة، جردت وحرمت المجتمع الجولاني من طاقات وإمكانات تمتلكها وتوفرها هذه المؤسسة، وقدرات مالية هائلة تدرها الاتفاقات الموقعة مع صناديق المرضى، كانت كافية لاستمرار مشاريع عامة تخدم الحالة الجولانية، وإقامة مشاريع عامة أخرى يتطلبها الشأن العام، إضافة إلى انتهاء وشلل عمل رابطة الجامعيين وذوبانها، وتراجع مختلف الأطر الرياضية والنسائية، التي كانت فاعلة في المشهد الجولاني، حيث تركت في السجل الجولاني بصمات واضحة في المستوى الاجتماعي والسياسي والثقافي والحالة الوطنية.

في كل تلك المراحل، كان غياب الدولة السورية واضحًا وملموسًا عدا عن الدور الخفي الذي قامت به أجهزة الاستخبارات السورية، للسيطرة على الحالة الجولانية، بشكل يتناسب وسياستها بوضع الإملاءات والأولويات والطقوس والشعارات، وأحيانًا ساهم المال -بشكل أو بآخر- في التأثير على الواقع الجولاني (معاشات لفئات محددة تضررت من الاحتلال، ومخصصات لعدد من الأنصار – تسويق التفاح الجولاني – الدراسة الجامعية في جامعة دمشق..).

حتى العام 2011 وانطلاق الثورة السورية، كان المجتمع الجولاني يملك القدرة على خلق آليات لتنظيم نفسه، في كل مرحلة من مراحله، وإن كان بشكل فئوي أو عشوائي، حيث كان الصراع ينحصر مع الاحتلال الإسرائيلي، ورفض السياسات والبرامج التي تستهدف الهوية الوطنية السورية لسكان الجولان، إلا أن المأساة السورية أحدثت تحولات وتغيرات جذرية في العلاقات والبنى والمفاهيم، شملت كافة مجالات المجتمع أفقيًا وعموديًا، ولم تعد حالة الصراع مع الاحتلال في مكان الأولوية بالنسبة إلى العديد من فئات المجتمع الجولاني، الأمر الذي ساهم في تشجيع العنصر الإسرائيلي على الدخول بحريه شبه تامة، لإعادة إنتاج “البرامج المؤجلة” بروحية وذهنية جديدة، تتوافق مع الصراع الدائر بين الجولانيين خاصةً، والسوريين عمومًا، في مسألة تحديد الهوية السورية التي تعرضت نتيجة الحرب وعمليات القتل والاصطفاف المذهبي والطائفي، إلى التشوه والاختزال بين الوطني العام والأشمل، والطائفي الأضيق والأصغر، وبرزت في الجولان السوري المحتل أيضًا قضية الهوية بين انتماءات ثلاث (الهوية السورية الطبيعية والعضوية، الهوية الطائفية المذهبية “الدرزية” والهوية الإسرائيلية)، ولكل تيار من أولئك معارضوه ومؤيدوه، على الرغم من أن السمة العامة الغالبة هي الانتماء العضوي والتاريخي والسياسي للهوية السورية، هوية الآباء والأجداد الذين دافعوا عنها بالأرواح والدماء على مر التاريخ.

لعل العجز عن معالجة المشكلات الاجتماعية الداخلية، وعدم القدرة على مواكبة المتغيرات الحاصلة حوله، تستدعي القبول في مقولة “إن المجتمع الجولاني في الأرض المحتلة لا يستطيع تحمل أعباء الدول وسياساتها”. والمقصود أنه لايستطيع أن يُقرر الحالة السياسية حول مستقبله ومصيره، بين سورية و”إسرائيل” كدولتين تتصارعان على السيادة عليه. فإن توافقت التفاهمات الدولية والإقليمية على عودته لسورية، أو بقائه تحت السلطة الإسرائيلية، فإن المجتمع الجولاني وحده سيكون عاجزًا عن التأثير في تحديد مصيره في تكويناته البنيوية، وتناقضاته الحالية.

إن عدم القدرة على مواكبة تلك التحولات والانعطافات الحادة التي يشهدها الجولان، في العلاقة مع الدوله السورية التي تتعرض إلى انهيارات بنيوية وسياسية، وسيادية، وفي العلاقة مع الدولة العبرية التي تسعى إلى ترسيخ وتعميق وجودها في الخصوصية والشخصية الجولانية، من خلال برامج “أسرلة” الأرض والسكان على حد سواء، تستوجب، من كافة المهتمين في الشأن العام، إعادة قراءة الأحداث الماضية التي شهدها الجولان عبر المراحل الزمنية التي عصفت به خلال الخمسين عامًا الماضية، وإعادة إنتاج منهجية جديدة، تتعامل مع الماضي بحجمه الثوري والوطني الكبير، دون الانتقاص من الدور الكبير الذي لعبه في الصراع مع دولة احتلال، تعدّ من الدول القوية والعنجهية والأشد عنصرية وتطرفًا في المنطقة والعالم، وبالتزامن من الضروري إعادة تشييد رؤيا اجتماعية، تتجاوز الخشبية في الخطاب، وإعادة الاعتبار للوثيقة الوطنية، كعقد اجتماعي ووطني، تراعي المتغيرات والتطورات التي حصلت منذ نحو 36 عامًا على إصدارها، وتعزيز الحوار الداخلي ضمن المتفق والمختلف، بأدوات ووسائل عمل تتناغم وتتوافق مع المتغيرات داخل المجتمع الجولاني، والواقع السوري، بحكم “أن قضية الجولان المحتل هي قضية وطنية سوريّة كبرى لا يجوز العبث بها، وهي من مسؤولية جميع السوريين، وليس أبناء الجولان فحسب، فالجولان جزء لا يتجزأ من التراب السوري بمقدراته البشرية والجغرافية والطبيعية والاقتصادية”. (بيان صالون الجولان – مركز (حرمون) للدراسات المعاصرة – 29/ 7/ 2017).

في المحصلة النهائية، فإن العلاقة المباشرة التي يخضع لها الجولان مع دولة الاحتلال، قد ترهلت بسبب انكفاء شرائح واسعة ومهمة في المجتمع الجولاني، وانفصالها عن رصيدها الثقافي والفكري والسياسي والاجتماعي في سلوكها العملي؛ الأمر الذي فتح الأبواب لبروز أفكار ومشاريع عشوائية، غير مسؤولة، وغير مدروسة، وقد تكون تدميرية للكينونة الجولانية، حيث تقع، على تلك الشرائح والمؤسسات، المسؤولية الاجتماعية الأولى، بتقديم بدائل عملية تُحاكي الواقع الجولاني الوطنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والرياضية، والتعليمية، بوصفها الأكثر قدرة على صيانة الموروث الوطني الجولاني، والحفاظ عليه، وفي الوقت نفسه قيادة إجراء تغييرات جذرية في الوعي والسلوك والخطاب والموقف الجولاني، كجزء لا يتجزأ من مستقبل الوطن والدولة السورية، في مرحلة ما بعد الثورة، وكسر جدار الخوف، ومراحل ما بعد المعارك والحرب السورية بالوكالة، وتفكيك منظومة الأوهام التي يقودها بعض العابثين، والتي تخترق وعيَ بعض فئات المجتمع الجولاني، خلال الأعوام الستة الماضية، بإمكانية الاندماج والتعايش تحت سلطة احتلال.




المصدر