نيزافيسيمايا غازيتا: الأكراد السوريون بين موسكو وواشنطن


سمير رمان

الصورة: Getty images

وضعت عمليّة تحرير الرقَّة من قبضة “تنظيم الدولة الإسلاميّة”، على الأجندة الإقليميّة والدوليَّة، ليصبح السؤال المركزيَّ يدور حول تسوية الأزمة السوريّة. وكلّما اقتربت قصَّة “تنظيم الدولة الإسلاميّة” من نهايتها، ازداد عدد المحلِّلين السياسيين الذين يتحدَّثون عن سورية، وكأنَّها أصبحت مقسّمة إلى مناطق نفوذ.

وجدت الفكرة المتجذِّرة في مراكز الأدمغة الأميركية، حول إقامة تحالفٍ كرديٍّ-عربيٍّ في شمال شرق سورية، تطبيقَها على يد “قوات سورية الديمقراطيّة”/ (قسد) التي تهيمن عليها “وحدات حماية الشعب”. وقع اختيار الولايات المتحدة الأميركية، على هذه القوات بالذات، لتجعل منها حليفها الأهمّ في حربها على “تنظيم الدولة الإسلاميّة”، على الأراضي السوريّة. في وقتٍ ما، كانت واشنطن تصرِّح، بأنّ القوات الأميركية ستغادر المنطقة، بعد تحرير الرقّة؛ ولكنّ الأكراد سيكونون بحاجةٍ إلى التسليح والمعدَّات لحفظ الأمن في المناطق التي يسيطرون عليها. ولنذكِّر بأنَّ قاطني مدينة الرقة هم من العرب، ولذا فإنَّ ولاء سكّانها لقوات يشكِّل الأكراد غالبيتها PYD، أمرٌ مشكوكٌ به. في السياق، ومهما كان الأمر مستغربًا، فإنَّ الوجود الأميركي لفترةٍ ما من الوقت، يشكّل ضرورةً لتفادي وقوع عواقب سلبيَّةٍ محتملة غير مرغوبة. بالإضافة إلى ذلك، من الصعب تصوُّر أنَّ يقبل الأكراد -بعد كلّ هذه الدماء التي أريقت على هذه الأرض- التخلّي طواعيةً عن سلاحهم وتسليمه للأميركيين. من المؤشرات التي ترجِّح استمرار التواجد الأميركيّ، بعد تحرير الرّقّة، قيامُ الأميركيين بإقامة عدَّة قواعد عسكريّة وتسليحها، إضافةً إلى الكثير من البني التحتيّة التي أقامتها على الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد السوريون.

ولكن، من ناحيةٍ أُخرى، يتعلّق مجرى الكثير من الأمور بالقدرة على إقناع رئيس الولايات المتحدة الأميركيَّة دونالد ترامب بضرورة استمرار التواجد الأميركيّ في هذه المنطقة. فما هي استراتيجيّة الخروج الأميركيّ؟ وهل سيكون دعم الأكراد في سورية من مصلحة واشنطن؟ هذا سؤالٌ ملحّ، لأنَّ تطور الأمور في منحى معاكس، يمكن أن يدفع واشنطن، حينئذ، إلى محاولة تطبيع علاقاتها مع أنقرة، وأن تحصل على مكاسب أكبر. يؤكّد قسم من المحللين السياسيين الأميركيين على ضرورة الإبقاء على فضاءٍ سياسيٍّ موحَّد في سورية، وذلك من خلال قيام حوارٍ بين الأكراد والنظام السوري في دمشق، بمساعدة موسكو. وإن توفّرت مثل هذه الشروط، فسيكون بمقدور الولايات المتحدة الأميركيّة إعفاء نفسها من مسؤوليّة إبقاء قواتها في سورية، وما يترتب على ذلك من نفقات. بينما يرى الجزء الآخر من المحللين السياسيين الأميركيين أنَّه يجب النظر إلى إبقاء الولايات المتحدة الأميركيّة على تواجدها في سورية، من منظور الإجراءات الاحترازية للحيلولة دون ظهور تنظيم الدولة مجدَّدًا، فضلًا عن الرغبة الأميركيَّة في كبح جماح إيران في سورية. ولهذا، فإنَّ مستقبل سورية يتعلَّق بالقرار الذي سيتّخذه ترامب.

أمَّا بالنسبة إلى موسكو، فمن الضروري التفكير باستراتيجية خروجها من سورية؛ إذ ترافق جرُّ روسيا إلى الحرب السوريةّ في عام 2015، بتصريحاتٍ المسؤولين الروس بأنَّ موسكو ستسعى للحفاظ على العلاقة بين دمشق والأكراد السوريين. قدّمت روسيا كلّ أشكال الدعم الدبلوماسي للأكراد، وكانت تصرُّ على إشراك زعيم حزب PYD صالح مسلم، في العمليّة التفاوضيّة. يتلخَّص الموقف الروسي في المحافظة على وحدة الأراضي السوريّة، وفي الإصرار على تحديد هيكلية الدولة المستقبليّة عن طريق المفاوضات، بمشاركة كافّة أطراف النزاع، بما في ذلك مشاركة الأكراد السوريين. كما هو معروفٌ، فقد تضمّن مشروع الدستور السوري الذي اقترحته روسيا، أثناء جولات المفاوضات في العاصمة الكازاخستانية أستانا، إقامةَ منطقة ذات حكمٍ ذاتيٍّ ثقافيّة واسعٍ، خاصّة بالأكراد. وهذا يدلّل، مرّةً أُخرى، على اهتمام روسيا بالحفاظ على وحدة الأراضي السوريّة، مع تأمين حقوق المواطنين الأكراد. بالإضافة إلى ذلك، شهدت موسكو، عام 2016، افتتاح أوَّل ممثليّةٍ، في العالم، لما يسمَّى كردستان الغربيّة (روجافا)، كان إطارها منظّمةً روسيّة غير تجاريّة.

قامت روسيا بالعمل على هذا الاتجاه عبر القنوات الدبلوماسيّة وعلى الأرض، ففي آذار عام 2017، تمّ التوصّل، بمشاركةٍ روسيّة، إلى اتفاقٍ يقضي بقيام “قوات سورية الديمقراطية”، بتسليم القوات السورية الحكوميّة بعض المناطق الواقعة إلى الغرب من مدينة منبج في الشمال السوري؛ ما سمح بإقامة منطقةٍ عازلةٍ بين فصائل (درع الفرات) الموالية لتركيا، و”قوات سورية الديمقراطية”؛ واضطرَّت أنقرة، عقب ذلك، إلى التخلّي عن محاولات التقدّم باتجاه الشرق، ممَّا صبَّ في مصلحة النظام، الأكراد والولايات المتحدة الأميركيَّة معًا. علاوةً على ذلك، ومع تقدُّم القوات الحكومية السوريّة باتجاه شرق محافظة حلب، أمكن إقامة “كوريدور” لوجستي بين المناطق الخاضعة لسيطرة “قوات سورية الديمقراطيّة” والمناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكوميّة السوريّة، ممَّا فتح الطريق أمام استعادة الروابط الاقتصاديّة بين المناطق السوريّة. من الناحية الاستراتيجيّة، أصبحت هذه الاتفاقات أحد عناصر دعم الحوار، بين دمشق والأكراد، بخصوص مسألة بنية الدولة السوريّة المستقبليّة. وممَّا يؤكّد هذا الأمر، الاتفاقات السريّة التي تخلّت القوات الكرديَّة بموجبها عن بعض المناطق التي تسيطر عليها جنوب شرق الرقة، لصالح القوات الحكومية. بالطبع، كانت روسيا الوسيط النشط بين الطرفين.

في 17 آذار/ مارس 2016، عندما أعلن الأكراد السوريين، من جانبٍ واحد، إقامة منطقة فدراليّةٍ في الشمال السوريّ، لم تلق هذا الخطوة قبولًا من أيٍّ من القوى الداخليّة أو الخارجيّة. موقف الأكراد السوريين الرسميّ (المعلن) لا يطالب بالحصول على الاستقلال. وفي واقع الأمر، بحصولهم على دعمٍ أميركيّ واسع، وبقيامهم بشنِّ هجومٍ على معقل “تنظيم الدولة الإسلاميّة” في الرقّة، يتطلّع الأكراد السوريون إلى عقد اتفاقاتٍ مستقبليّةٍ مع النظام، حول الإدارة الذاتيّة الكرديَّة. إنَّ البراغماتيّة التي ميّزت السياسية الروسيّة بهذا الشأن، والاتصالات التي يجريها الروس مع ممثّلي الأكراد السوريين على الأرض، تسمح لموسكو بالتأقلم مع مختلف السيناريوهات، بغضِّ النظر عن حال الكيان السياسيّ الذي ستكون عليه المنطقة الكردية. وباتّباع مقاربة مدروسة، تستطيع موسكو الحصول على أذرع تأثيرٍ جديدة في المنطقة.

لا يمكن أن يكون الأكراد السوريون غير مدركين لطبيعة التحالفات المؤقتّة في الشرق الأوسط. فبعد تحرير الرقَّة، قد يفقد الأكراد الدعم الأميركي؛ لذا فإنَّ محافظتهم على علاقاتٍ متقدِّمة مع روسيا تتيح لهم إمكانيّةً للتوصّل إلى اتفاقٍ مع النظام السوريّ، وبتوافر ظروفٍ مناسبة يحمون أنفسهم من الأتراك. بيد أنَّ الكثير من الأمور التي ستحدث لاحقًا، ستكون مرتبطة بالقرارات التي ستتخذها إدارة الولايات المتحدة الأميركية، بعد تحرير الرقّة، كما أنَّها تتعلَّق، أيضًا، بقدرة موسكو على تفعيل العمليّة السياسيّة، بحيث يتمكّن السوريون من التوصّل إلى تسويةٍ فيما بينهم.

 

اسم المقالة الأصليّة Сирийские курды между Москвой и Вашингтоном كاتب المقالة روسلان محمدوف: خبير المجلس الروسي للشؤون الدولية مكان وتاريخ النشر صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا. 9 آب 2017 رابط المقالة http://www.ng.ru/kartblansh/2017-08-09/3_7047_kartblansh.html

ترجمة سمير رمان


المصدر