واشنطن بوست: لربما تكون الخطوة التالية للدولة الإسلامية هي الشبكات الإجرامية السرية


أحمد عيشة

موالٍ للدولة الإسلامية يلوح براية الجماعة في الرقة، سورية في 2014. (رويترز)

بعد أشهرٍ من الحرب البريّة الشرسة، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الشهر الماضي، النصرَ على “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش) في الموصل. غيرَ أنَّ المحللين على الأرض قالوا: إنَّ المعركة لم تنته بعد. فقد ظهرت بالفعل نسخة جديدة من “تنظيم الدولة الإسلامية” من بقايا هجوم الموصل، وتتكيف بسرعة مع شكلٍ جديد من الحرب. ومع انهيار الخلافة، ينتقل الجهاد إلى عالم الجريمة الجنائي.

لقد رأينا هذا النمط من قبل، في أفغانستان، بعد أن خسرت حكومة طالبان السلطة في 2002، لجأ مقاتلوها إلى الجبال، واتجهوا إلى صناعة الهيروين لتمويل تمردهم. وفي الصومال، بعد أنْ أطاحت قوات بقيادة إثيوبيا، بحكومة اتحاد المحاكم الإسلامية في 2007، استغل متطرفو الشباب صناعات الفحم غير المشروعة والتهريب، لتمويل حملتهم ضد الاتحاد الأفريقي. وفي مالي، بعد فقدان السيطرة على منطقة أزواد الشمالية في 2012، استغل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي علاقاته مع شبكات الاتجار بالكوكايين المربحة في غرب أفريقيا، لتغطية تكاليف حربه ضد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، بقيادة فرنسا.

ماذا يمكننا أن نتنبأ، كيف سيبدو “تنظيم الدولة الإسلامية” بعد سقوط الموصل؟

للإجابة عن هذا السؤال، نحن بحاجةٍ إلى الخوض العميق في قلب اقتصاد العراق المخفي. طوال عقود، ربطت شبكات التهريب القوية العراقَ بأسواقٍ سرية مربحة، في جميع أنحاء المنطقة، ومولّتْ سرًّا جماعاتٍ مسلحة طوال مدة النزاع. ولأنَّ “تنظيم الدولة الإسلامية” يفقد سيطرته المناطقية على طرق التهريب الرئيسية هذه، فإنَّ مصيره سيعتمد على إمكانية الحفاظ على النفوذ في عالم الأعمال الخفي هذا.

التحول من الحكم إلى التمرد

في الوقت الذي تفقد فيه “الدولة الإسلامية” أرضها، ومواردها، وقاعدتها الضريبية، تتحول الحركة من دولةٍ بدائية إلى حركة تمردٍ أقلّ كلفة، وأكثر مرونة. وكلما طُردت الجماعات المسلحة من أراضيها، فإنها تميل إلى الانتقال من الحاكم إلى المتمرد. عندما فقدت طالبان سيطرتها في أفغانستان، حلَّتْ الحركة ما يُسمى بالإمارة، وانتقلت إلى تمردٍ على غرار حرب العصابات. وبعد أنْ فقدت حركة الشباب ميناء كيسمايو، في الصومال، توقفت عن محاولة الحكم، وبدأت بمهاجمة المدارس، ومراكز التسوق في كينيا المجاورة. الحوكمة مكلفةٌ؛ بينما تكتيكات المتمردين، على غرار الإرهابيين، رخيصة.

لقد كانت قيادة “تنظيم الدولة الإسلامية” تستعد لهذا التغيير في الحظ/ الثروة منذ شهور، وقالت علنًا ​​إنها ستتكيف مع أيّ خسارةٍ في الأراضي. وقال ريناد منصور، وهو زميلٌ في بيت شاثام، وكان يتتبع هذه الشبكات في العراق وسورية منذ سنوات: “لقد خسروا المال والأرض، ولكن تذكر أنَّ تكاليفهم الآن أقل، لأنهم لم يعودوا بحاجةٍ إلى الحكم”. وأضاف: “يمكننا بالتأكيد أن نتوقع منهم أنْ يعيدوا التركيز على استهداف المدنيين، وقصف المدن”.

بالنسبة للمسلحين، فإنَّ هذه الأشكال الوحشية من العنف منخفضة التكلفة، وسهلة التنفيذ، وتساعد في الحفاظ على الوهم بالأهمية العالمية. وكما أخبرني مؤخرًا، أمارناث أماراسينغام، وهو خبيرٌ في شؤون تجنيد المقاتلين الأجانب: “مع خسارة الأرض، فإنَّ الدولة الإسلامية ستعود إلى [استخدام] تكتيكات حرب العصابات؛ مما ينتج دعايةً كبيرة”.

انسحاب استراتيجي نحو شبكات إجرامية مخفية

بما أنَّ الدولة الإسلامية لم تعدْ قادرةً على فرض الضرائب، والسيطرة على طرق التجارة غير المشروعة؛ فإنَّ قيادتها تنسحب نحو اقتصادٍ خفيّ للبقاء على حالها من الناحية المالية. والأهم من ذلك أنَّ الجماعة تحولّت إلى أساليبٍ أخرى لغسل الأموال على غرار المافيا، لإخفاء وحماية مواردها النقدية الكبيرة. وقال منصور: “إنهم يبحثون بالفعل عن نماذج اقتصادية أخرى، تبدو تمامًا مثل الجريمة المنظمة”. وأضاف: “إنهم يحولّون الأموال إلى دولاراتٍ أميركية، ويستثمرون في شركاتٍ محلية، مثل شركات الأدوية، أو وكالات السيارات”.

ومع انتقال مقاتليها للعمل بشكل سريّ، يخطط “تنظيم الدولة الإسلامية” لاستخدام هذه الشركات لإخفاء، وغسل مواردها النقدية الضخمة.

من خلال الانسحاب نحو الاقتصاد تحت الأرضي، تأملُ “الدولة الإسلامية” في العمل مثل مافيا، وابتزاز الأعمال التجارية المحلية، والانتظار حتى عودة فرصةٍ أخرى للارتقاء إلى السلطة. ومع ذلك، فإن نجاح “الدولة الإسلامية” يتوقف على ما إذا كانت الشبكات الإجرامية القائمة في العراق ستسمح لها بالعمل في مناطقها. هناك شبكات تهريب قوية، وطويلة الأمد في المنطقة، لتحمي مصالحها التجارية الخاصة بها، وقد تبرهن هذه النخب الإجرامية على أن تكون اختبارًا غير متوقع لطموحات “الدولة الإسلامية” في عالم الجريمة.

لدى المهربين سبب وجيه للاشتباه بالمتطرفين. وكما شرحت في كتابي الجديد، قبل وصولها الدراماتيكي إلى السلطة في 2014، أقامت “الدولة الإسلامية” تحالفًا سريًا وقويًا مع أصحاب المصلحة الرئيسيين في الاقتصاد تحت الأرضي، في الموصل، ووعدتهم بتعامل وصفقاتٍ أفضل من الميليشيات الفاسدة، والجشعة المرتبطة بالحكومة. لكنَّ هذه العلاقة ساءت بعد أن خدعت الخلافة التي أعلنتها “الدولة الإسلامية” مؤيديها التجاريين، ورفعت الضرائب بشكلٍ تصاعدي. إنّ حقيقة أنَّ “الدولة الإسلامية” خدعت هؤلاء المهربين الراسخين قد تجعل من تراجعها نحو التخفي أمرًا خطرًا.

وفي حين أنّه من السهل التخلص من أيديولوجياتهم المتطرفة، فإنَّ القصة الحقيقية وراء هذه الجماعات الجهادية، غالبًا ما تتشابك مع الشبكات الإجرامية، والمصالح النفعية. في أفغانستان، قام المهربون الأثرياء، على طول الحدود الباكستانية، بتمويل سلطة طالبان لسنواتٍ. وفي الصومال، كانت النخب التجارية السرية في مقديشو مسؤولة مباشرة عن تمويل صعود حركة الشباب. وفي مالي، تزوّج قادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من بنات زعماء المافيا الذين يسيطرون على صناعات السجائر والمخدرات غير الشرعية، وذلك لتعزيز تلك العلاقات المربحة.

في جميع أنحاء العالم، يتصرف الإسلاميون بشكلٍ جيد، عندما تستثمر شبكات الأعمال الإجرامية مشاريعها السياسية.

العلاقات التجارية الإسلامية: زواج المصلحة

كما شرحت في كتابي، يمكن للمهربين أن يهتموا أقل بالأيديولوجية الجهادية. هم نفعيون، وليسوا أيديولوجيين. ومع تراجع “تنظيم الدولة الإسلامية”، يعود هؤلاء المهربون إلى السوق لحساباتٍ سياسية في المعركة من أجل العراق، وسيدعمون الطرفَ الذي يقدم لهم أفضل اتفاق. إذا أخفقت الحكومة العراقية في كبح جماح فسادها وابتزازها؛ فإن تلك النخب الغنية قد تختار الحفاظ على تحالفها السري مع “تنظيم الدولة الإسلامية”. ومن شأن هذه الموارد أن تعطي المسلحين الإسلاميين القدرةَ على شنّ حرب عصاباتٍ مستمرة في العراق، حرب تستمر لعقود. في الحرب، هذا هو فن الاحتيال.

اسم المقالة الأصلي Islamic State’s next move could be underground criminal networks الكاتب* عائشة أحمد، Aisha Ahmad مكان النشر وتاريخه واشنطن بوست، The Washington Post، 8/8 رابط المقالة https://www.washingtonpost.com/news/monkey-cage/wp/2017/08/08/islamic-states-next-move-could-be-underground-criminal-networks/ ترجمة أحمد عيشة

* عائشة أحمد، أستاذ مساعد في العلوم السياسية في جامعة تورنتو، ومديرة مبادرة الإسلام والشؤون العالمية في مدرسة مونك. كتابها الجديد “الجهاد وشركاه: الأسواق السوداء، والسلطة الإسلامية” سيصدر هذا الشهر.




المصدر