تل الزعتر: 41 عاماً ورائحة الدم تلفح الوجوه


أحمد مظهر سعدو

مازالت جريمة مخيم تل الزعتر التي ارتكبها النظام السوري في مثل هذه الأيام من آب/ أغسطس عام 1976 ماثلة أمام العيان، تلفح الوجوه وتثير الاشمئزاز، يوم ارتكبت عصابات الأسد المجزرة المروعة ضد الفلسطينيين.

قبل 41 عامًا سقط المخيم شهيدًا، وتحديداً في 12 آب/ أغسطس 1976، حين ارتُكبت الجريمة، وراح ضحيتها أكثر من 3 آلاف فلسطيني، قتلتهم ميليشيات تابعة للنظام السوري بوحشية، وهذه الميليشيات وأمثالها تتابع قتل الشعب السوري والفلسطيني على امتداد الأرض السورية. ويستكمل الأسد الابن ما بدأه أبوه، والذاكرة السورية والفلسطينية لم تنس الجرائم السابقة، ولن تنسى ما يحصل الآن، وهو أشد وحشية ومرارة.

في استذكار هذه الذكرى المؤلمة، التقت (جيرون) كتاب ومثقفين فلسطينيين، ربطوا بين ما جرى في تل الزعتر وبين ما يجري اليوم في مخيمات اللجوء الفلسطيني على الأراضي السورية، وما يحصل لكل الشعب السوري الذي خرج يومًا ليقول نعم للحرية ولا للنظام القاتل.

د. يوسف سلامة، أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق سابقًا، ورئيس تحرير مجلة (قلمون)، قال لـ (جيرون) “إن تجربة الاستبداد في التاريخ واحدة. تبدأ صغيرة وتأخذ في النمو والانتشار في كل الاتجاهات. وأبغض أنواع الاستبداد هو الاستبداد السياسي الذي يتعين ويتجسد في صور لا حصر لها من العنف. ومن هنا فإن تجربة العنف واحدة ممتدة من الأسد الأب إلى الابن. ومما يؤسف له أن تمر كل المآسي والمجازر التي ارتكبتها العائلة دون حساب أو عقاب وتجربة تل الزعتر التي تم القضاء فيها على سكان المخيم بأكمله ليست إلا صورة مصغرة من تجربة العنف الدموي الذي لاقته مدينة حماة في مطلع الثمانينات فبدعوة التصدي للإرهاب فتكت قوات الأسد بمدنيي المدينة بأكملها والتجربة نفسها تكررت في حلب في فترة قريبة من ذلك التاريخ، واليوم يعيد الابن التاريخ نفسه في صورة أشد عنفًا من كل الصور التي مارسها الأب بحق الشعب السوري ويبدو أن عنف الابن متناسب مع عمق الوعي الذي أظهره الشعب السوري في ثورته التي لا تقبل بديلًا عن انتصار الحرية، وقيام الدولة الوطنية الديمقراطية وبالتالي كان حجم التصدي وكمية الدماء متناسبة بصورة سلبية مع نبل المطالب وسمو التضحيات. والشعب الفلسطيني شريك في كل ما حدث للشعب السوري في عصر الأب وأيام الابن على حد سواء”.

من جهته يرى أيمن أبو هاشم، المنسق العام لتجمع (مصير) أن “تجربة الفلسطينيين بدأت مع الأسد الأب حين اتضح دوره الوظيفي في تصفية الحركتين الوطنيتين الفلسطينية واللبنانية منذ منتصف سبعينات القرن الفائت، وكانت المجازر التي ارتكبتها قواته في مخيمات وتجمعات تل الزعتر والكرنتينا وجسر الباشا في العام 1976 والتي راح ضحيتها آلاف اللاجئين الفلسطينيين من سكانها، تأكيدًا  فاضحًا على دوره العدائي للفلسطينيين، واستخدام أبشع الوسائل الوحشية لإنهاء حركتهم الوطنية، وهو ما استمر في عهد الأسد الأب حين دعم حركة أمل وساندها في حربها على مخيمات بيروت في منتصف الثمانينات، حيث اضطر سكان مخيم برج البراجنة المحاصرين من قبل تلك الحركة لأكل لحوم القطط والكلاب، وهو ما تكرر في حرب الأسد الابن على مخيم اليرموك الذي انحاز أهله لثورة الشعب السوري منذ بداياتها، واضطرار سكان هذا المخيم الفلسطيني الأكبر في سورية إلى أكل الحشائش ولحوم القطط أيضًا جراء الحصار العنيف الذي فرضه الأسد الابن والميليشيات الموالية له على المخيم منذ نهاية العام 2012 وحتى الآن”.

وأضاف “لقد قتلت هذه العصابة الحاقدة أكثر من 3500 لاجئ فلسطيني من أبناء المخيمات والتجمعات الفلسطينية في سورية، ولازالت تعتقل أكثر من 12 ألف لاجئ فلسطيني في سجونها، قضى منهم جراء التعذيب الوحشي ما لا يقل عن 900 شهيد، كان آخرهم المهندس الشاب باسل الصفدي من أوائل علماء التكنولوجيا المشهورين عالميًا، ولم يقف الأسد الابن عند هذا الحد، بل واصل مشروع تهجير الفلسطينيين في سورية بما يعرف اليوم بنكبتهم الثانية الأشد إيلامًا من نكبة آبائهم وأجدادهم الأولى على يد الكيان الصهيوني، وكل تلك الحقائق الدامية التي يتحمل مسؤوليتها القانونية والأخلاقية نظام الأسد الأب ومن ثم الأسد الابن”، ونبّه إلى الدور الخطير للنظام السوري، وقال “تكشف الأحداث الدور الخطير والمشبوه لهذا النظام في تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على شهودها من خلال تغييبهم، بالقتل والحصار والتجويع والتعذيب والتهجير، خدمة لمن صمتوا عنه في حربه الشعواء ضد الشعب السوري”.

الكاتب الفلسطيني محمد مشارقة، أكد أن مجزرة تل الزعتر “كانت الفصل الأهم في مشروع النظام الأسدي لتدمير الحركة الوطنية الفلسطينية بقيادة الرمز ياسر عرفات، وما يمثله من روح استقلالية القرار، بعيدًا عن مسار الهيمنة والإلحاق الذي اختطه النظام، الذي كان يرى في الورقة الفلسطينية بكل أبعادها أحد روافع دوره الإقليمي، وهي السياسة التي لم تتبدل منذ الأسد الأب إلى يومنا هذا. فقد مارس النظام الأسدي نهجًا تدميريًا للحركتين الوطنيتين الفلسطينية واللبنانية، وشرعن الانقسام والتخريب في منظمة التحرير الفلسطينية وطارد رمزها وقائدها حتى استشهاده”، واعتبر أن ما يجري اليوم دورًا ممنهجًا للنظام “فما نشهده الْيَوْمَ من تدمير ممنهج للمخيمات الفلسطينية ليست سوى الفصل الأخطر في مسار تصفية القضية الفلسطينية وفِي الجوهر منها قضية اللاجئين؛ كعربون من النظام لإسرائيل لاعتماده، وغض النظر عن جرائمه المستمرة ضد الشعب السوري، هذا الشعب العظيم الذي ظل على الدوام ومنذ بدء الهجمة الصهيونية على بلادنا الركيزة الأهم في دعم الثورة الفلسطينية المعاصرة”.




المصدر