زهير سالم لـ”صدى الشام”: كلّ السورييّن متخوفون على مستقبل إدلب


muhammed bitar

ينظُر السوريون بقلق متزايد إلى ما يجري في إدلب، على وقع توسع نطاق سيطرة “هيئة تحرير الشام”، ويأتي ذلك في وقت شدّد المبعوث الأمريكي إلى سوريا “مايكل راتني” على أن “جبهة النصرة” لا تزال على قائمة أهداف بلاده، ما زاد من ضبابية المشهد المستقبلي للمدينة.

تداعيات الأوضاع هذه وغيرها دفعت بعدد من السياسيين والعسكريين لتقديم مراجعاتهم في سبيل الخروج من الحالة “المتردية” التي تعيشها الثورة السورية.

ولعلّ أبرز النقاط الجدليّة التي تميّز هذه المراجعات هي تحديد الأطراف المسؤولة عما آلت إليه الثورة، إذ راحت تعلو الأصوات منددةً بتصدّر “الإسلاميين” للمشهد السوري، ومحملةّ إياهم كامل المسؤولية عن المرحلة المترديّة التي وصلت إليها البلاد.

لكنّ بالمقابل يرى مدير مركز الشرق العربي للدراسات الاستراتيجية والحضارية، والقيادي في جماعة “الإخوان المسلمين”، زهير سالم، أن القيادات السياسية والشخصيات الدينية “المعتدلة” هي من تتحمل مسؤولية تراجع الثورة.

ويميّز سالم، بين المشروع الدعوي للجماعة، وبين الجماعة كتنظيم، مشيراً في حوار مع “صدى الشام”، إلى أن الجماعة تعاني أوضاعاً صعبة، ناجمة عن المضايقات الدولية والإقليمية التي تتعرض لها.

وإلى نص الحوار الكامل:  

– هل يشمل العرض المفتوح للميثاق التصالحي لحقن الدماء (الذي دعوتَ إليه فصائل المعارضة المختلفة أواخر الشهر الماضي) هيئة تحرير الشام؟

مع تجدّد الاقتتال الداخلي سواء في الجنوب أو في الشمال، كان لا بد من وجود مبادرة تقوم على مفهوم الفضفضة، أي التحدث بلغة الأخوّة والمحبة والمصالحة، وهناك مشكلات حقيقية يجب أن تُسمع من كل الأطراف، وقد اقترحتُ أن يختار كل فصيل ثلاث شخصيات من المجتمع لبحث المقترحات. منذ البداية أردنا أن تكون القوى سوريّة وأن لا يكون لها ارتباط خارجي، وكانت نصائح كثيرة قد ذهبت بهذا الاتجاه.

أما إذا أردنا أن نقول بأن “هيئة تحرير الشام” غير مقصودة لأنها دخلت في دائرة التصنيف الإرهابي، ولا يجوز التعامل معها، فهذا باعتقادي غير مبرر، الآن “حزب الله” يتفاوض في عرسال على مسمع العالم كله مع من يصفهم العالم بـ”الإرهابيين”.

الآن كل السوريين متخوفون من المستقبل في إدلب، وهناك كارثة ما تنتظر المدينة، والدروس علّمتنا بأن هناك مجتمعاً دولياً قويّاً، عندما يريد شيئاً، يصطنع أداته وذرائعه ثم يمضي فيه.

ومن هنا جاءت هذه الدعوة حينما رأيت بأن كثيرين ممن هم في مقام يؤهّلهم أكثر مني لتوجيه مثل هذه الدعوة، قد تركوا دروهم.

– لاقت دعوتكم انتقادات، ومنها على سبيل المثال تلك التي أطلقها الكاتب السياسي الكردي صلاح بدر الدين، حيث وصف دعوتكم بأنها “جزء من مشهد مقزز”، وقال  “نسي المنظر الإخواني أن جماعته هي من تسبّبت بزرع جماعات مسلحة لتكون بديلة عن الجيش الحر”، ما ردكم على ذلك؟

كل إنسان يقول الكلام الذي يتناسب مع رؤيته ومع خلفيته ومع تربيته، والله عز وجل أمرنا بأن نعرض عن مثل هذا، “خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين”.

– من هنا، إلى أي مدى ساهم ما يعرف بـ”أسلمة الثورة”، في تنفير جزء من المكونات السورية من الثورة، وكنا قد شاهدنا في بداياتها تفاعلاً من كل أطياف الشعب السوري؟

لدينا لعبة قديمة جديدة متمثلة بلعبة المصطلحات، أي نضع مصطلحاً ثم نبني عليه، ومنها الأسلمة، وما هو المقصود منها.

بالأساس قامت الثورة في بلد عمومه من المسلمين، والسواد العام المتضرر الأكثر من ظلم بشار الأسد هم المسملون، ولا شك في ذلك.

بعض الشرائح تدّعي أنها تعرضت للظلم أكثر من غيرها، وأنا أقول أن الظلم الأكبر الذي وقع على أهل سوريا كان من نصيب المسلمين، على كل المستويات، بالتالي من الطبيعي أن يحملوا عبء الثورة على كل المستويات، ويخطر لي هنا سؤالا بريء وليس طائفي، اليوم في تركيا لدينا المئات من الضباط المنشقين من النظام، كم عدد الضباط من أبناء الطوائف الأخرى ما بين هؤلاء؟ إذاً، البقية لم يعلنوا عن انشقاقهم لأنهم لم يتضرروا أولاً، وثانياً لأن قتل السوريين على يد النظام هان عليهم، ثم من الذي منع العلمانييّن والليبرالييّن والقومييّن والعلوييّن أيضاً من النزول إلى الميدان؟

– بالمقابل ما مدى مسؤولية الإسلاميين عن تراجع الثورة، أو تعثرها إن لم نقل فشلها، كما يقدّر البعض؟

كما أشرت إن مصطلح الإسلاميين والأسلمة وغيرها، ليس أكثر من ذريعة للغرب لمحاربة إرادات هذه الشعوب، الآن هل يطرح حزب “العدالة والتنمية” في تركيا شعارات إسلامية أم شعارات علمانية، حتى يتم التخطيط ودعم الانقلاب عليه؟

وبالعودة إلى سؤالك، وأتحدث هنا بصفة شخصية، أي كمدير لمركز الشرق العربي، أنا أعتبر أن مسؤولية القيادات السياسية التي تحمل راية الإسلام (الجماعات والعلماء) كبيرة جداً عما حصل في الثورة.

إن نكوص هؤلاء، والتحاقهم في فضاء السياسة، من المجلس الوطني والائتلاف وهيئة التفاوض، وما ترتب عليه من جلوسهم خارج الوطن في فضاءات الهجرة والمَهاجر، هو الذي أدى إلى هذا، بمعنى آخر إن غياب مشروع إسلامي حقيقي عن الساحة السورية، فتح الطريق للجولاني وللبغدادي، وكثير ممن التحق بهذه التنظيمات لربما لو وجد شخصيات مسلمة معتدلة أمامه لما فعل.

بالتالي لم يعد يمتلك هؤلاء أي مَن هم في فلك المهجر قوى حقيقية على الأرض، ما دفع بهم إلى انتظار ماذا يقول السفير الفلاني، والوزير الفلاني، وبالتالي خرج الأمر من يدهم باعتبارهم الممثلين الحقيقين أو الذين كان يجدر بهم ذلك.

وأنا أقول كان لدى هذه الطبقة ضعف أو جبن أو سوء تقدير منها، وهُم يتحملون جزءاً كبير من خذلان الثورة.

– هل ينطبق واقع الحال هذا على  جماعة الإخوان المسلمين؟

كنت أتكلم بالعموم، وأظن أنا العموم يشمل الخصوص.

– خلال أعوام الثورة يلاحظ المراقب أن جماعة “الإخوان المسلمين” أوحت ولا تزال بأن هناك فصائل عسكرية كبيرة على الأرض تابعة لها، رغم نفي الفصائل، وهنا نسأل لماذا لم تحضُر الجماعة بقوة عسكرياً، كما هو على الصعيد السياسي؟

قد أخالفك في الحالتين، ليس هناك من حضور عسكري للإخوان وأنا كنت ألوم على ذلك، وليس هناك الحضور القوي، وبعض الناس يرى بأن الجماعة لها دور سياسي كبير.

إن الجماعة تعيش في ظروف صعبة داخلية وخارجية، والعالم يضايقها ويحاصرها ولنا في هذا أمثلة كثيرة، وما يقال عن دور سياسي كبير لها إنما هو نوع من سياسة نظام الأسد في التخويف من الجماعة، والعالم يقبض عليها، عندما أتكلم عن الإخوان أنا أميز بين الجماعة والتنظيم، والأخير يعني من يحمل راية الجماعة لفترة تاريخية معينة، أما الجماعة فهي فكر ومشروع قائم في نفوس كثير من السوريين الذين ليس بالضرورة أن يكونوا من الأعضاء المنتسبين.

إن مشروع الجماعة ليس مشروع سلطة، وإنما مشروع دعوي، ولا يتنافى مع السلطة لكن لا ينحسر فيها، بمعنى آخر نحن لدينا مشروع عام من ضمن أهدافه أنه إذا وصلنا للسلطة فيجب علينا أن نكون على استعداد، لكن عدم وصولنا لها لا يعني أننا مهزمون، وبالخلاصة لا أرى أن حضور الجماعة متكافئ مع التحدي الذي يواجه الأمة.

-شدّد مبعوث الولايات المتحدة لسوريا مايكل راتني في بيانه الأخير، على أن جبهة “النصرة” لا تزال على رأس أهداف بلاده، وهنا نسأل إلى جانب حديثكم عن تخوفكم من القادم على إدلب، هل ترون في هذا البيان إعلاناً من الولايات المتحدة لحرب مفتوحة ضد “هيئة تحرير الشام”؟

ليست جبهة “النصرة” هي المستهدفة، وإنما هي ذريعة لاستهداف كل الفصائل، وكل سوري حر، لكي لا يفرح “الثَّور الأحمر” (على حاله)، وقد تكون “النصرة” اليوم هي الثَّور الأبيض. اليوم التصعيد قائم على الرقة ودير الزور وغداً في إدلب، حتى آخر مسجد ومستشفى.

أما عن راتني فقد قال سابقاً أن كل من يعتبر الأسد عدواً سنسحب عنه السلاح، وهذا ما يسمى في علم التكتيك “العقيدة القتالية”، أي العقيدة التي تحدد للإنسان من هو عدوه، والولايات المتحدة تبشّر السوري بأن الأسد ليس عدوه، لذلك لا يجيب أن يغيب هذا الترتيب الذهني.

– على ذكر الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، هل لا يزال المشهد ضبابياً حيال سوريا، أم أنه بات واضحاً، وأقصد هنا تحديداً مواقف الولايات المتحدة وروسيا وبعض الدول الإقليمية؟

المشهد الدولي يزداد وضوحاً وقتامةً، واللعبة أضحت مكشوفة، وسيأتي اليوم الذي نجد فيه الإعلام العالمي يتعامل مع بشار مثلما تعامل مع والده الذي ارتكب المجازر في حماة وغيرها، على أنه رجل قوي وذكي.

المشروع الدولي أصبح واضحاً، وخصوصاً الأمريكي والروسي منه، وحتى بعض دول الإقليم، وأودّ هنا أن أوجه خطابي لمن تصدّر المشهد السياسي السوري المعارض، كان يجب عليهم أن يستوثقوا من الأصدقاء، وهذا يخصّ كل الأصدقاء أو كل من قدّم نفسه على أنه صديق للثورة.

في الحقيقة لا يوجد صديق للشعب السوري قدّم للسوريين كما قدّمت إيران لحليفها بشار، بل حتى مثل ما قدّم “حزب الله” لبشار. إيران قدّمت في سوريا عشرات الجنرلات ومئات أو آلاف من يسمّونهم هم شهداء ونحن نسميهم قتلى. أي دولة اليوم قدّمت لنا جزءاً من ذلك؟ يقولون لنا بأنهم يطعمون اللاجئين، وهذا يُشكرون عليه، لكن الحرب شيء والإغاثة والنشاط الخيري شيء آخر.

– والحال كذلك، ما الذي على المعارضة بشقّيها السياسي والعسكري القيام به، لتتجنب كل ذلك؟

قد أسمعت لو ناديت حياً، وللأسف فإن كثيراً من الناس قبِلوا أن يحملوا الراية دون حقها، العرب تقول أن على حامل الراية حق، ولنا في التاريخ أمثلة كثيرة، ونحن ابتيلنا بأقوام يجلسون على الصدر ثم يتخاذلون.

– كتبَ الدكتور برهان غليون منذ أيام قليلة مقالاً في مراجعة أخطاء الثورة السورية، اعتبر فيه أن مراجعة الأخطاء من قبل القادة لم تكن لتنقذ الثورة مما هي فيه، لكنها على الأقل ستظهر بأن لدينا أناساً أحرار. لو قُدّر للأستاذ زهير سالم كتابة مثل هذه المراجعة، ماذا سيكتب؟

الدكتور برهان كان صاحب الفرصة الأولى، وهو المؤسس الأول لماكينة العمل الوطني، وبتقديري أعطي فرصة جيدة ليخدم في هذا المجال، وجزاه الله خيراً، فهو قدّم ما يستطيع.

أما عني، أنا أقوم بهذه المراجعات منذ بداية الثورة، وهي منشورة في مركز الشرق، وعند كل خطأ كنت أكتب عنه عبر نقاش بلغة دبلوماسية وموضوعية تضع الأمور في نصابها وتحمّل المسؤوليات لأهلها، وهذا هو حالي، وأنا اعتقد أننا كسوريين عجزنا عن إعطاء حق المنصب.

أعتقد جازماً بأن من أهم الأخطاء التي ارتكبناها عدم وضع سياسة عامة تحارب الهجرة إلى خارج سوريا، وحين بدأت الهجرة إلى أوروبا طالبت حينها بتبني مبادرة للعودة إلى سوريا، وقلت حينها لنعلن جميعاً كمعارضة عن عودتنا إلى الداخل وسأكون على رأس القائمة.

– يؤخذ على الأستاذ زهير سالم، عدم زيارته الأراضي السورية الخاضعة لسيطرة المعارضة خلال فترة الثورة السورية، ما الذي منعكم عن الدخول إلى سوريا؟

لكلّ إنسان ظروفه الخاصة التي تحيط به وتشكل قناعته وقراره، أنا أجد نفسي فاعلاً ونافعاً أكثر من وجودي في الداخل، هنا في لندن في كل يوم لديّ ساعتان أو أكثر للظهور عبر الإعلام، عندما أذهب إلى سوريا قد ألتقي بعشرات هنا وعشرات هنا أو أكثر، لكني أشعر أنّ ظهوري على الإعلام هو لقاء بملايين السوريين، ثم إن هناك عوائق شخصية تعيق زيارتي.




المصدر