نيو يورك تايمز: على قصاصات القماش، أسماء سورية خالدة في الصدأ والدم


أحمد عيشة

منصور عمري. اعتقل في شباط/ فبراير 2012 في دمشق، سوري، قضى نحو عام في عدة سجون. ليكسي سوال لصحيفة (نيويورك تايمز).

تحت أضواءٍ بيضاء سريرية، وفي مركز حماية ميريلاند، يوم الثلاثاء 8 آب/ أغسطس، بسط منصور عمري -بدقة وعنايةٍ- خمسَ قصاصاتٍ من مواد بالية، مغطاة بالدم والصدأ، مكتوب عليها أسماء المختفين، نقلها عمري داخل ياقة قميصه، وهو يجتاز حواجز القوات الحكومية السورية، وعبر المحيطات.

في شباط/ فبراير 2012، أُلقي القبض على الناشط في مجال حقوق الإنسان، والذي يقاتل من أجل حرية التعبير، ويؤرّخ أو يدوّن أسماء المفقودين، وهو السيد عمري، في مكتبه في دمشق، قضى نحو عام في عدّة سجون، منها تسعة أشهر في منشأةٍ وحشية، تحت إشراف ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد.

وفي هذا السجن الواقع تحت الأرض، قام السيد عمري، وأربعةٌ من زملائه السجناء بتسجيل أسماء جميع السجناء الـ 82 هناك، على أمل إبلاغ أسرهم، وتوثيق الفظائع. قال عمري: “عندما كنتُ في الداخل، رأيتُ نفسي في ما كنت أسجله، رأيتُ ذلك مباشرةً، وشعرت أنه كان واجبي، حقيقةً”.

كانت حصيلة القوائم التي تضمنت تفاصيل الاتصال بالسجناء، مخيطةً في ياقة، وسُنارة أكمام القميص التي هرَّبها السيد عمري، حيث كان هو أولَّ من أُطلق سراحهم. ويجري حاليًا نقل قصاصات المواد إلى متحف الهولوكوست التذكاري في الولايات المتحدة، لعرضها في واشنطن.

عودة إلى ذلك السجن السوري الذي يحرسه مُخبرون لا يعرفون الرحمة، قام السيد عمري وأصدقاؤه بترتيب مواد الكتابة بهدوء: تم تقطيع قطعٍ صغيرة من القماش بعناية من ظهور قمصانهم، وتمَّ استخدام عظام الدجاج المكسورة كأقلامٍ. وعندما ثبت أن صلصة الطماطم من حصصهم لم تكفِ كحبر، استخدم الأصدقاء الدم من لثاثهم المريضة، مخلوطًا برقائق الصدأ من قضبان حديد السجن.

“لقد فعلنا ذلك سرًا تقريبًا. لم نكن نريد أنْ يعرف أشخاصٌ آخرون؛ لأنَّ هناك خطرًا بأنَّ بعضهم سيخبر الجنرال”، قال السيد عمري، (37 عامًا)، موضحًا كيف تشكل مجموعات الزملاء علاقات صداقةٍ وثيقة في الأوساط المحصورة. وأضاف: “كنا نذهبُ إلى بعض المجموعات، ونجلس معهم، ونطلب أسماءهم”.

قصاصات أقمشة سيعرضها السيد عمري وزملاؤه السجناء، وفيها معلومات عن السجناء السوريين الآخرين، في متحف الهولوكوست التذكاري في الولايات المتحدة في واشنطن. ليكسي سوال لصحيفة (نيويورك تايمز).

ويستعد علماء البيئة في المتحف لدراسة النسيج، ويبحثون عن أفضل السبل للحفاظ عليه. وقالت كبيرة المشرفين، جين إي. كلينغر: إنَّ فريقها يتطلعُ إلى بناء حاوياتٍ (ربما من زجاجٍ شبكي مزوّد بأضواءٍ فوق بنفسجية) للاحتفاظ بالوثائق التي ما زالت مخبئة حتى الآن في ثنايا دفترٍ، اشتراه السيد عمري في السجن المدني، في أواخر عام 2012.

وأضافت: “هذا حلٌّ جيد جدًا لشخصٍ عادي، لأنّهم محميون ومسطحون، وهناك عناية بهم”، بينما كانت ترتدي قفازاتٍ بيضاء، وتستخدم أدوات معدنية صغيرة للنظر في دفتر السيد عمري.

يوم الثلاثاء في متحف دافيد شابل، ومجموعة عائلة شابيل، وهو مركز الحفظ والبحوث، على بعد نحو ساعة بالسيارة من واشنطن، كشف عمري عن أسماء السجناء لمجموعة صغيرة من ناشطي وعلماء البيئة.

من خلال التقليب عبر صفحات الدفتر البالية، كشف عن ذكريات، وكلّها مؤرخةً بعناية على الجزء العلوي من كلِّ صفحة. خربشة بدقة على واجهة الكتاب الممزقة هي عبارة “لا دولتشي فيتا”، أو “الحياة الطيبة”. وقال بلغةٍ إنكليزية هادئة: “أنا لا أعتبر ذلك كثيرًا. إنه أمر عاطفيٌّ جدا بالنسبة إلي، عندما أراها”. وأضاف: “كنت أكتبها لنفسي، في محاولةٍ لرؤية أنَّ الحياة جميلةٌ، حتى بعد كلَّ ما حدث”.

بعض الصفحات مملوءة بالعربية، دروسٌ في الصحافة، والشعر التي علّمها السيد عمري لسجينٍ أمي. هناك أيضًا سطور باللغة الإنجليزية الأساسية -“تعرف أنَّ أنفها كبير”- كجزءٍ من دروس اللغة التي قدّمها للآخرين.

“أنت في مكانٍ لديك الكثير من الوقت. ليس لديك أيّ شيء. أنت لا تفعل شيئًا. ليس عليك أنْ تفعل شيئًا. لذلك كان لدينا الكثير من الأنشطة”. قال عمري، موضحًا كيف أنَّ السجناء خلقوا “أجهزة تلفزيون” من خلال حمل ورقة، والتناوب في التقديم أمامها. “أقنعتُ الناس. نحن محتجزون. نحن لا نعرف كم من الوقت سنبقى هنا، ولكن عندما يتم الإفراج عنك، إذا كان لديك لغة، فمن شأنها أنْ تساعدك”.

يقدّر السيد عمري الذي يعيش الآن في السويد، أنَّ نحو 100 ألف شخصٍ تحتجزهم القوات الحكومية في سورية، ويعتقد أنَّ نصف السكان قد نزحوا، منذ بدء الحرب منذ أكثر من ست سنوات.

ظهرت ببطء قصاصات الوثائق، بما في ذلك رسائل من رفاقه السجناء، والمزيد من أسماء المفقودين، فضلًا عن الصور التي هرّبها شرطي سوري مصور من داخل السجون، وتظهر التعذيب على نطاقٍ واسع.

اعتُقل السيد عمري بسبب اتصاله بهيئاتٍ أجنبية، من بين أمور أخرى. وعلى الرغم من أن أسباب الإفراج عنه لا تزال غير واضحة، يقول من المحتمل أن الضغط الخارجي قد أسهم في ذلك.

وفي هذا الأسبوع، نشرت عائلة باسل خرطبيل، وهو ناشطٌ آخر معروف، أخبارًا تفيد بأنَّه أُعدم في عام 2015، بعد فترةٍ قصيرة من سجنه.

بالإضافة إلى محاولة تبادل القصص عن الفظائع التي تحدث في الحرب السورية، يدعو السيد عمري القوى الأجنبية للتدخل في الصراع. ويقول: إنَّ الكثير من الجمهور يشاركه رأيه.

وقال عن الرئيس السابق باراك أوباما: “إنهم يكرهون كثيرًا أوباما، لأنّه رسم خطًا أحمرًا، ولم يتدخل، يكرهون أوباما كثيرًا، هذا حقيقي”.

وفي الوقت الذي كان فيه قرار الرئيس ترامب بشنّ هجومٍ صاروخي على سورية ردَّا على هجوم بالأسلحة الكيماوية، في نيسان/ أبريل، قد واجه بعض الانتقادات في الخارج، قال السيد عمري: بين الجمهور السوري، “كان الجميع تقريبًا سعداء”.

اسم المقالة الأصلي On Cloth Scraps, Syrian Names Are Immortalized in Rust and Blood الكاتب أفانتيكا تشيلكوتي، Avantika Chilkoti مكان النشر وتاريخه نيو يورك تايمز، The New York Times،9/8 رابط المقالة https://www.nytimes.com/2017/08/09/world/middleeast/mansour-omari-syria-prisons-holocaust-museum.html ترجمة أحمد عيشة




المصدر