«طاقة نور» دراما تغوص في كلّ النماذج البشرية


muhammed bitar

لا يقتصر الانهيار الأخلاقي على طبقة بعينها، ويمكن أن يتحول الخير إلى شرّ حين تمتلئ قلوب الناس بالنيّات السيئة، ومع ذلك، ثمة نماذج مضيئة وإيجابية في المجتمع تمثّل أملاً وطاقات نور كبيرة في المستقبل. هذا ملخص عام لأحداث مسلسل «طاقة نور» الذي عرضته الشاشات العربية طوال شهر رمضان الماضي، من بطولته هاني سلامة وحنان مطاوع ووليد فواز وإيهاب فهمي وأشرف عبدالغفور وجيهان خليل وهيدي كرم وعايدة رياض ونضال نجم وميس حمدان وعبير منير ومحمد عبدالجواد، بمشاركة الوجوه الجديدة نورين كريم وهند عبدالحليم ومحمد ناصر وهاجر عفيفي ومحمود فارس وباهر النويهي وأماني كمال، عن قصة وسيناريو وحوار حسان دهشان وأخرجه رؤوف عبدالعزيز الذي تولى أيضاً إدارة التصوير. لقد حقق المسلسل نجاحاً لافتاً على المستويين الجماهيري والنقدي، وكان بمثابة نقطة تحول مهمة في مسيرة هاني سلامة الفنية عموماً والدرامية خصوصاً. فهو أمسك بتلابيب الشخصية في شكل جيد، وقدمها باتزان وهدوء نفسي وعصبي لافت، على رغم أن شخصية ليل عبدالسلام التي يؤديها في المسلسل، مصابة بالصرع الذي ينتابه على فترات متباعدة، وتبعاً لحاجات الدراما والتشويق والإثارة لجذب الجمهور وإعمال عقله، كما ساعدته تفاصيل الشخصية الدرامية في إظهار إمكاناته الفنية.

ليل هو قاتل محترف يعمل لمصلحة كبار رجال الأعمال، ويتعرض للكثير من الحكايات والمشكلات من بينها خلافاته مع رجل الأعمال الأشهر الذي يعمل لحسابه، ومع زوجة ذلك الرجل التي تسعى للانتقام منه بعدما تسبب في إصابة حبيبها السابق بعاهة أفقدته الوعي، ومشكلته مع زوجته التي تكره حياتها معه، ومع شقيقته وزوجها، وتنقلب حياته رأساً على عقب حين تموت ابنته الصغيرة بعد تعرضها للخطف. حينها فقط يقرر التوبة عن أعماله الإجرامية، وتسخير جهوده في مساعدة المحتاجين والضعفاء، ولكنه لا يسلم من أذى من كان يعمل معهم. وظهر أنه قام بتدريبات بدنية شاقة على الألعاب القتالية، وأخرى على الرماية بالسلاح الناري لتقديم الدور في شكل صحيح.

أجاد مؤلف العمل حسان دهشان في ثالث تجاربه الدرامية بعد «خرم إبرة» لعمرو سعد 2012، و «ابن حلال» لمحمد رمضان 2014، ويبدو أنه استفاد كثيراً من عمله لسنوات طويلة كمساعد مخرج مع عدد من كبار مخرجي الدراما التلفزيونية، وفي مقدمهم إسماعيل عبدالحافظ. فنجح في صنع توازن بين شخصياته، على رغم تصديه لثلاثة مستويات مختلفة من المجتمع، أولها الحارة الشعبية التي حرص على تقديمها من دون رتوش. ومع أنه أمعن في إظهار الجوانب السلبية والمظلمة فيها، من تجارة مخدرات وممنوعات وبلطجة وخيانة بكل أشكالها، أظهر جوانب قليلة طيبة ومشرقة لنماذج إنسانية كانت تضحي بنفسها من أجل الآخرين. ومن ثمّ أتقن رسم الطبقة الأرستقراطية وبعض رجالها الذين يتاجرون في كل شيء، ويتقوتون على دماء الآخرين وخساراتهم، وعرض أمراضهم النفسية التي لم تشفها ثرواتهم وشهرتهم وحراساتهم التي يستوردونها من الخارج. ثالثاً، هناك الطبقة المتوسطة التي تحاول الإمساك بقيمها وتقاليدها برغم ضغوطات الحياة. وما ساعد هذه التوليفة الاجتماعية والنفسية والإنسانية في أن تظهر في شكل بديع هي الصورة الرائعة للمخرج رؤوف عبدالعزيز في ثالث تجربة إخراجية له بعد «ألف ليلة وليلة» لشريف منير وآسر ياسين (2015)، و «أبو البنات» لمصطفى شعبان (2016).

لقد احتوى المسلسل على مشاهد أكشن ومطاردات وحرائق واستعراض وغيرها، ما أظهر إمكانات المخرج في شكل جيد، لا سيما أنه يخوض للمرة الأولى في هذه النوعية من الأعمال، بعد تجربتين سابقتين في مجال التاريخ والكوميديا، ويمكن القول إنّه وُفّق كثيراً في اختيار المنشد الديني ليغني شارات البداية والنهاية وأيضاً في اختيار عمرو إسماعيل لوضع الألحان والموسيقى. وعلى رغم ظهور لمساته الجيدة على أداء هاني سلامة ووضوح التناغم بينهما، بخاصة أنه عمل مع سلامة من قبل كمدير تصوير في مسلسله «الداعية» 2013، فإن الأداء خرج عن السيطرة من بعض الشخصيات، ومثل دور شعبان الذي جسده وليد فواز، البلطجي المأجور الذي يعمل لمن يدفع أكثر، وإنجي (مي سليم)، وناريمان التي أدتها جيهان خليل.

«طاقة نور» من المسلسلات التي حققت نسب مشاهدة مرتفعة ونالت استحسان الجميع، وتفوق بعض من شاركوا فيه على أنفسهم، خصوصاً حنان مطاوع في دور ليلى، الفتاة الشعبية المسالمة التي تتحول إلى أسد حين يقترب أحد منها، وتحب ليل في صمت وتتمناه رجلاً لها، على رغم علمها باستحالة حدوث ذلك. وإيهاب فهمي (أشرف) الزوج الطيب ضعيف الشخصية الذي تتحكم فيه زوجته، ويجد ضالته في العجوز كاميليا (عايدة رياض) التي تستغل طيبته وتوقعه في براثنها وتتزوجه. وجاء دور إبراهيم فرصةً عرف كيف يقتنصها الفنان أشرف عبدالغفور ليُغيّر جلده، من خلال شخصية شريرة ودنيوية، وهي ثرية درامياً على رغم شرها وكره الجمهور لها. وحققت أدوار أخرى خطوات مهمة لمن جسدوها، ومنهم عايدة رياض كاميليا، ونضال نجم (الرائد سيف) وهيدي كرم أو نبيلة طنطاوي، وأشرف مصيلحي «حمادة التيتي»، ومحمود فارس «خيري رستم»، ونورين كريم «حسيبة القرعة»، وجاء دورها نموذجاً جديداً للبلطجة في صورة نسائية.

والأهم أنّ العمل قدّم من خلال الشخصية الرئيسة وعلاقاتها بالآخرين، خطوطاً درامية مهمة لمشكلات عدة، بعضها أخذ حظه الوافر من الطرح، وبعضها الآخر تمت الإشارة إليه سريعاً، ومنها الفتنة الطائفية ومحاولة إشعالها من وقت إلى آخر ولو من طريق إشاعات لا أساس لها من الصحة، والفساد الضارب بجذوره في أعماق هيئات ومصالح حكومية عدة، والدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه الصحافة وبرامج «التوك شو» في كشف بؤر فساد كبيرة يرغب أصحاب المصالح في وأدها. كما واحتوى المسلسل على نماذج وحكايات فتحت «طاقة نور» لإعادة الدراما إلى وضعها الطبيعي، وهي أن النص يأتي أولاً وقبل أي شيء.




المصدر