«فورين آفيرز»: بعد صراع بين الجهاديين والسلفيين.. كيف سيطر الجهاديون على إدلب؟


muhammed bitar

تركز معظم التغطية الإعلامية لسوريا على جانبين من الحرب الأهلية في البلاد: أولًا، الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) في شمال شرق سوريا، بما في ذلك معركة القوات السورية المدعومة من الولايات المتحدة لاستعادة العاصمة الفعلية للتنظيم في الرقة، وثانيًا، المشاركة الروسية الأوسع نطاقًا في سوريا.

غير أن الزميل الباحث في منتدى الشرق، أيمن جواد التميمي، يرى أن ثمة معركة أخرى لا تحظى بالتغطية، بالرغم من أهميتها، تدور رحاها في شمال غرب سوريا، تضم كلًا من «هيئة تحرير الشام»، التي تشكل جبهة فتح الشام أبرز مكوناتها، ضد تنظيم «أحرار الشام»، وهو تنظيم سلفي منافس مدعوم من تركيا وقطر. وقد انخرط التنظيمان في قتال عنيف من أجل السيطرة على محافظة إدلب، مركز قوات المعارضة المناهضة للأسد، وحصل تنظيم «هيئة تحرير الشام» على مكاسب هامة.

وأشار التميمي في مقال نشرته مجلة «فورين آفيرز» الأمريكية، إلى أن تنظيم «هيئة تحرير الشام» استولى على عاصمة المحافظة، مدينة إدلب، وأجبر تنظيم «أحرار الشام» على الخروج من باب الهوى، وهو المعبر الحدودي الرئيس مع تركيا. تنظيم «هيئة تحرير الشام»، وبعبارة أخرى، سجل بالفعل انتصارًا استراتيجيًا كبيرًا ضد تنظيم «أحرار الشام»، ومن المرجح أن يهيمن على محافظة إدلب من الآن فصاعدًا.

بحسب الكاتب، تعني سيطرة «هيئة تحرير الشام» على إدلب أن المحافظة سوف ينظر إليها بشكل متزايد على أنها منبوذة دوليًا، وعلى الرغم من أن التنظيم يدّعي أنه مستقل، إلا أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي يرون أن التنظيم يقف في صف تنظيم القاعدة.

وأحد نتائج هذا التصور هو أنه على الرغم من أن تنظيم «هيئة تحرير الشام» قد يدّعي قدرته على المحافظة على استقلالية المنظمات غير الحكومية، إلا أن عددًا أقل وأقل من المنظمات غير الحكومية سوف تكون على استعداد للعمل في إدلب، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التدهور في الوضع الإنساني للمحافظة. وعلاوة على ذلك، من المرجح أن يحظَى نظام الأسد وحلفائه بدعم دولي أكبر لشن هجوم لاستعادة المحافظة، ولكن كيف حدث هذا التحول الكارثي للأحداث، ومن هو المسؤول عن ذلك؟

تساؤل طرحه الكاتب وأجاب بقوله إنّ الخطأ يكمن في تنظيم «أحرار الشام» نفسه إلى حد كبير، واستعرض الكاتب في السطور التالية مراحل صعود كلا التنظيمين (هيئة تحرير الشام وأحرار الشام) والتفاعلات التي أدت إلى الواقع الحالي.

ضعف وسقوط

بدعم من القوى الخارجية مثل تركيا وقطر، برز تنظيم «أحرار الشام» خلال الحرب باعتباره واحدًا من أقوى التنظيمات المعارضة في سوريا. ولدى التنظيم شبكات في جميع أنحاء البلاد، لكنه يحظى بقوة في الشمال. بروز التنظيم جعله موضوع نقاش جدلي بين المعلقين وصناع القرار الغربيين، الذين لم يعرفوا ما إذا كانوا سيعاملونه كحليف أو عدو محتمل. وقد ركزت المناقشات حول التنظيم (والسياسة الغربية تجاهه) على اتجاهاته الأيديولوجية الداخلية.

وعلى الرغم من أن التنظيم معترف به عمومًا بأنه تنظيم سلفي، إلا أن المعلقين وصناع القرار الغربيين يختلفون حول ما إذا كان التنظيم جماعة جهادية مختلفة قليلًا عن تنظيم القاعدة وداعش أو جماعة أكثر تعقيدًا – حركة مع فروع إيديولوجية متنوعة ومتطورة، وبعض الجهاديين، البعض منهم أكثر قومية أو اعتدالًا.

لكن الكاتب ذكر أن النقاشات حول أيديولوجية «أحرار الشام» غالبًا ما تحجب الصورة الأكبر. فالمشكلة الرئيسة مع التنظيم، من المنظور الغربي، كانت دائمًا دوره كعامل تمكين للجهاديين، سواء كان من الممكن وصف أعضائه بأنهم جهاديون أم أنهم غيروا موقفهم على مر الزمن. تمت الإشارة إلى هذه المعضلة بشكل جيد في موقع McClatchy عام 2014، حيث تناول الصحفي السوري مصعب الأحمدي شخصية الزعيم الأول للتنظيم، حسن عبود، الذي قُتل في انفجار غامض في سبتمبر (أيلول) 2014.

قبل وفاته، يبدو أن عبود كانت لديه محاولات لإبعاد «أحرار الشام» عن جبهة تنظيم القاعدة، والتي كان التنظيم على علاقة به عن طريق أبي خالد السوري، وهو عضو «أحرار الشام»، الذي عينّه زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في عام 2013 للتوسط بين جبهة النصرة وتنظيم داعش، والذي قُتل في فبراير (شباط) 2014.

ولكن الأحمدي أدرك أنه في ظل قيادة عبود، فقد عمل تنظيم «أحرار الشام» على جلب أعداد كبيرة من الجهاديين الأجانب إلى البلاد، وكذا على تقويض المجالس المحلية والمجتمع المدني. لعب التنظيم دورًا كبيرًا في ظل قيادة عبود على تمكين صعود تنظيم داعش في سوريا في عام 2013، حيث تعاون عبود مع تنظيم داعش في تل الأبيض والحسكة، ووقف بجانب داعش بينما كان التنظيم يسحق المجموعات الأخرى، مثل تنظيم «ألوية أحفاد الرسول» في الرقة. وقد جاءت هذه المشكلات في وقت كان يمكن فيه للحشد المبكر للمتمردين ضد داعش أن يمنع التنظيم من الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي السورية.

إلا أن وفاة عبود وصراع «أحرار الشام» مع تنظيم داعش لم يدفع «أحرار الشام» إلى التخلي عن علاقة العمل الوثيقة مع جبهة النصرة، حتى بعد أن طردت جبهة النصرة أهم مجموعة مدعومة من الغرب في شمال سوريا، جبهة الثوار السورية، من إدلب قبل نهاية عام 2014. وفي عام 2015، شكل تنظيم «أحرار الشام» وجبهة النصرة تحالف جيش الفتح، وهو اتحاد عسكري بين قوات المعارضة السورية في محافظة إدلب، الذي قام بطرد قوات النظام من جميع المدن الكبرى في إدلب في ربيع ذلك العام.

لكن تحالف جيش الفتح لم يحقق المزيد من المكاسب، وكان تقدمه في إدلب محفزًا للتدخل الروسي في سبتمبر (أيلول) 2015، الذي ساعد الأسد على تحقيق النصر بعد النصر، بما في ذلك استعادة حلب في ديسمبر (كانون الأول) 2016؛ مما وجه ضربة قوية لقوات المعارضة. إن عدم رغبة «أحرار الشام» في حل جيش الفتح يعني أن جبهة النصرة استطاعت مع مرور الوقت أن تدمج نفسها بعمق في مجتمع إدلب وتنمو بقوة.

مع مرور الوقت، نمت بعض الخلافات السياسية بين «أحرار الشام» وجبهة النصرة، مثل رغبة النصرة في الانفصال عن تنظيم القاعدة، بشكل أكثر وضوحًا، مما أسهم جزئيًا في إعادة تسمية جبهة النصرة، أولًا باسم جبهة فتح الشام، وفي وقت لاحق باسم «هيئة تحرير الشام». على سبيل المثال، في أوائل عام 2016، رفضت «أحرار الشام» فكرة الاندماج مع جبهة النصرة التي كانت تابعة للقاعدة، ولكن حتى بعد أن تم إسقاط هذه التبعية رسميًا، فقد كانت قيادة «أحرار الشام» تشعر بالقلق من أن الاندماج قد يضر بعلاقاتها مع تركيا، الداعم الخارجي الرئيس للتنظيم.

إلا أن سقوط حلب فرض مزيدًا من الضغوط على قوات المعارضة الرئيسية المتبقية للتوحد ضد النظام. مرة أخرى، ظهرت فكرة الاندماج بين «أحرار الشام» و«جبهة فتح الشام»، لكنه لم ينجح بسبب خوف «أحرار الشام» من الابتعاد عن تركيا. اندلع الاقتتال في وقت لاحق بين قوات المعارضة في إدلب؛ مما دفع مجموعات أصغر للحصول على الحماية من «أحرار الشام». وفي الوقت نفسه، اندمجت «جبهة فتح الشام» والمجموعات التي لها علاقة عمل وثيقة معها، في «هيئة تحرير الشام» في نهاية يناير (كانون الأول) 2017.

انتصار للجهاديين

وفقًا للكاتب، لا يمكن وصف صعود «هيئة تحرير الشام» في إدلب إلا بكونه انتصار رئيسي للجهاديين في شمال غرب سوريا. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى وضع دولي منبوذ لمحافظة إدلب، ويزيد من فرص شن هجوم جديد للنظام. في هذه المرحلة، فإن الخيار الوحيد القابل للتطبيق لعكس هذا الانتصار سيكون التدخل العسكري التركي المباشر لصالح «أحرار الشام» والفصائل المتمردة الأخرى في إدلب، على الرغم من وجود حافز ضئيل لتركيا – التي لا ترى «هيئة تحرير الشام» تهديدًا مباشرًا لأراضيها – لتفعل ذلك. وبغض النظر عن التدخل، فإن البديل الأكثر احتمالًا هو هجوم مدعوم من قبل النظام لاستعادة إدلب، مما سيؤدي إلى المزيد من تدفق اللاجئين إلى تركيا.

اقرأ أيضًا: تهجير قسري وتجميع المعارضة في إدلب.. النظام السوري قد يسعى للضرب مرةً واحدة

واختتم الكاتب بقوله: «ليس بالضرورة أن يكون هذا الهجوم على إدلب وشيكًا. وفي الوقت الراهن، سيظل النظام وحلفاؤه يركزون معظم ضرباتهم العسكرية على داعش في الشرق، على أمل كبح جماح القوى المدعومة من الولايات المتحدة، والسيطرة على الموارد الطبيعية القيمة، وكذا على الحدود مع العراق. لكن على المدى البعيد، من غير المرجح التوصل إلى حل وسط تفاوضي بين الأسد و«هيئة تحرير الشام» التي أكدت بوضوح في بيان صدر مؤخرًا أن «الثورة مستمرة». في نهاية المطاف، سيحاول الأسد السيطرة على إدلب، وربما يكون على تركيا والغرب التحضير لموجة جديدة من اللاجئين».

رابط المادة الأصلي: هنا.




المصدر