مساومة على استفتاء كردستان: ضغوط أميركية لتأجيله وشروط كردية لبحث المقترح


muhammed bitar

يدخل ملف الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان عن العراق المقرر الشهر المقبل، مرحلة جديدة، مع بدء تحرك أميركي بهدف تأجيله، الأمر الذي قابله مسؤولو الإقليم بطلب “بدائل” و”ضمانات”، التي يبدو أنها ستكون في ملفات أخرى يحملها وفد كردي إلى بغداد خلال الأيام المقبلة، في ظل تصعيد الحكومة العراقية لهجتها ورفضها الاعتراف بنتيجة الاستفتاء مقابل تأكيد انفتاحها للحوار.

وبدأت واشنطن تحركاً علنياً للضغط على سلطات كردستان لتأجيل الاستفتاء المقرر في 25 سبتمبر/ أيلول المقبل، وذلك عبر اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، برئيس الإقليم مسعود البرزاني. وذكرت رئاسة الإقليم في بيان، أن البرزاني طلب “ضمانات” و”بدائل” لتلبية رغبة واشنطن في تأجيل الاستفتاء على الانفصال، مؤكداً أن “شعب كردستان سيمضي في طريقه ويقرر مصيره”. وأفاد البيان بأن تيلرسون اتصل هاتفياً بالبرزاني معرباً عن رغبة واشنطن في تأجيل الاستفتاء و”تأييدها استمرار المباحثات والمفاوضات بين الإقليم وبغداد”. وأشار البيان إلى أن تيلرسون “أشاد بدور قوات البشمركة في القضاء على داعش”، ورحب بدور البرزاني والقيادة السياسية الكردستانية و”بقرار تشكيل وفد رفيع المستوى من الإقليم الى بغداد للتفاوض معها حول الأمور السياسية”. وفي هذا الإطار، أكد البرزاني أن وفداً من الإقليم “سيزور بغداد قريباً للتباحث حول المسائل المتعلقة بمستقبل العلاقات”. وتساءل البرزاني، حسب البيان، “ما هي الضمانات التي من الممكن أن يتم تقديمها لشعب كردستان مقابل تأجيله للاستفتاء، وما هي البدائل التي ستحل محل تقرير المصير لشعب كردستان؟”. واعتبر البرزاني أن “الشراكة والتعايش السلمي الذي كان يشكل الهدف الرئيسي لكردستان مع العراق في المراحل التاريخية المتعاقبة التي مر بها الطرفان لم يتحقق، لذلك سيمضي شعب كردستان في طريقه وسيقرر مصيره”.
لكن الطلب الأميركي لا يبدو أنه لاقى آذاناً صاغية في أربيل، إذ نقلت وكالة “رويترز” عن عضو المجلس الأعلى للاستفتاء، مستشار البرزاني، هوشيار زيباري، قوله تعليقاً على طلب تيلرسون، إن “الموعد (للاستفتاء) كما هو في 25 سبتمبر ولم يتغير”.

التمسك العلني بموعد الاستفتاء قد لا يكون نهائياً، لا سيما إذا ما نجحت الضغوط الأميركية في التوصل إلى تسوية تفضي إلى تأجيله وتضمن تحقيق عدد من المطالب الكردية.
وفي السياق، كشف مسؤول كردي طلب عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، أنّ “تيلرسون طلب من البرزاني تأجيل موعد الاستفتاء حتى الانتهاء من تحرير الأراضي العراقية من داعش”. وقال المسؤول إنّ “البرزاني أكد لتيلرسون أنّه سيبحث موضوع تأجيل موعد الاستفتاء ويتخذ القرار المناسب بشأنه”، مشيراً إلى أنّ “تيلرسون وعد بأن تعمل واشنطن على تسوية الخلاف بين أربيل وبغداد بما يضمن حقوق الطرفين”. وأكد المسؤول أنّ “الجانب الكردي لا يصر على هذا الموعد، فهو ليس موعداً مقدّساً، لكنّنا نريد ضمانات لحقوقنا التي تجاوزتها الحكومات المتعاقبة في بغداد”، معتبراً أنّ “الشعب الكردي يضغط باتجاه الحصول على حقوقه”.

من جهته، أكد النائب عن “الحزب الديمقراطي الكردستاني”، ريناس جانو، لـ”العربي الجديد”، أنّ اتصال تيلرسون برئيس إقليم كردستان لم يكن لبحث الاستفتاء فقط، وإنّما كان الاستفتاء من ضمن المحاور التي بحثها الرجلان. ورجّح أن “تكون بغداد هي التي طلبت من الطرف الأميركي التدخّل للضغط على البرزاني لتأجيل موعد الاستفتاء”، مستدركاً بالقول “لكن هذا لا يعني أنّ الإقليم ليس له رأي في ذلك”. وأكد أن “واشنطن وكل الجهات لم تبد معارضتها لإجراء الاستفتاء وموضوع حق تقرير المصير للأكراد، لكن معارضتها تتعلّق بالتوقيت فقط”، مشيراً إلى أنّ “رئاسة الإقليم ترى أنّ هذا التوقيت مناسب جداً”. وأشار إلى أنّ “البرزاني لم يقدّم أي وعود لتيلرسون بشأن تأجيل الموعد من عدمه، ونحن ننتظر الوفد الكردي الذي سيزور بغداد خلال أيام، وسيبحث الموضوع مع عدد من المواضيع العالقة الأخرى”.

هذا التطور يستبق زيارة الوفد الكردي إلى بغداد الذي “يحمل في جعبته الكثير من الملفات العالقة بين الطرفين، والتي تنتظر الحلول من حكومة بغداد، من أهمها ملف الاستفتاء”، وفق ما أوضح النائب عن “التحالف الكردستاني”، عبد القادر محمد، لـ”العربي الجديد”. وأفاد محمد بأنّ “من الملفات العالقة الأخرى التي سيناقشها الوفد في بغداد، المناطق المتنازع عليها والتي حُدّد لها سقف زمني، لكن حكومة بغداد تجاوزت السقف ولم تحسم الملف حتى الآن، وملف المستوطنين العرب الذين أرسلتهم الحكومة الاتحادية إلى المناطق الكردية، وضرورة تعويض الحكومة الاتحادية لهم لأجل العودة إلى مناطقهم، وتعويض الأكراد المرحّلين، وهي أيضاً محدّدة بسقف زمني، لكن الحكومة لم تنفذ أي فقرة منها”.
وأضاف محمد أنّ من بين تلك الملفات أيضاً ملف ما سماها بـ”الأراضي المستولى عليها من قبل الحكومة الاتحادية في القرى والمناطق الكردية، وإرجاع الأراضي لأصحابها”، مؤكداً أنّ “كل هذه الملفات عالقة بين الطرفين، وهناك جملة من الخلافات بشأنها، وكانت حكومة بغداد تتباطأ وتضع العراقيل بوجه تنفيذها، محاولة تمرير الزمن لكي تكسب الخلاف لصالحها”، مشدداً على “أننا لم نجد أي استجابة من قبل حكومة بغداد لحل كل هذه الملفات”. وأشار إلى أنّ “هذه الملفات قابلة للمناقشة، وبالنتيجة إذا أرادت بغداد الوصول إلى حل، وهو بيدها، فعليها أن تخطو خطوات ديمقراطية حقيقية للحل”، مضيفاً: “لم نلمس أي جدية من قبل حكومة العبادي لحل هذه الملفات، ولسنا متفائلين بحلها”.

و مع إعلان حكومة كردستان عزمها على إرسال وفد إلى بغداد، وحديثها عن تمسكها بإجراء الاستفتاء، قابلت بغداد ذلك بتصعيد لهجتها بشأن الحوار المرتقب، مؤكدة أنّ “أي حل مع إقليم كردستان يجب أن يكون وفقاً لنصوص الدستور، الذي لا يجيز إجراء الاستفتاء”. وقال سعد الحديثي، المتحدث باسم مكتب رئيس الحكومة حيدر العبادي، في تصريح متلفز، إنّ “موقف الحكومة تجاه الاستفتاء ثابت وصريح ولم يتغير، وهو أننا مع حوار جدي مع الإقليم لتجاوز المسائل الخلافية في حال توافقت مع نص الدستور وتواءمت مع أحكامه العامة بما يحقق المصلحة العليا للبلاد وبما يحفظ وحدتها”.
وأضاف أنّ “العراق بلد اتحادي ديمقراطي واحد، والدستور ضامن لوحدة العراق ونحن على استعداد للحوار لكننا بحاجة إلى تجاوز القرارات الأحادية الجانب، والتي تُفرض من طرف على آخر، لأنّ هذه الحلول غير المقبولة لا تؤدي إلى استقرار البلاد”. وشدّد على أنّ “الدستور بكل الأحوال لا يعطي أيّ سند قانوني لأي طرف في العراق بإجراء استفتاء لتقرير المصير والانفصال، وبالتأكيد إنّ أي إجراء وأي استفتاء قد يُجرى سيكون مخالفاً للدستور وغير شرعي، وبالتالي نحن لا نعترف بهذا الاستفتاء ولا بنتائجه إن حدث”.

وكان من المقرّر أن يصل الوفد الكردي إلى بغداد الأسبوع الماضي، بينما تم تأجيل زيارته، في وقت يؤكد فيه مراقبون عدم جدوى الحوار بسبب تصاعد الخلاف والتصريحات المتشنجة بين الطرفين، ما ينذر بأزمة جديدة.
وقال الخبير السياسي، نعيم العوادي، لـ”العربي الجديد”، إن “علاقة بغداد وأربيل على المحك، وهذه الصفحة الجديدة من الحوار ستفتح صفحة من الأزمات بين الطرفين”، موضحاً أنّ “الأزمة سبقت حتى الحوار، فنحن نرى ونسمع تقاذف الاتهامات بين الطرفين، وكل منهما يتهم الآخر بمخالفة الدستور، ما ينذر بأزمة جديدة”. ولفت إلى أنّه “مع ذلك الخلاف، فإنّ عدم وصول الوفد في الأسبوع الماضي يطرح تساؤلات كثيرة عن الأسباب التي أعاقت وصوله، كما يطرح تساؤلات عن إمكانية إرسال وفد خلال الأسبوع الحالي”، مؤكداً أنّ “الخلاف سيؤثر كثيراً على التحالفات الانتخابية وعلى ملفات كركوك والموصل، والحرب على داعش”.




المصدر