الليلة الثانية من ليالي شهرزاد


فوزات رزق

قالت شهرزاد:

بلغني، أيها الملك السعيد، أنه بعد أن وصلت النار إلى قصر الملك؛ شعر الملك بالخطر، وعظم في نظره الأمر، فاستدعى وزيره في الحال، وقال له:

– ماذا فعلت أيها الوزير؟ ألم تحسب حساب القصر؟! أنت من أشعل هذه النار، وأنت من سيطفئها. فقال له الوزير:

– أصلحك الله يا مولاي، أنت من أمرَ بذلك. وما فعلت ذلك، إلا وفق رغبتك ومشتهاك. ألم تسمع ما قال الشاعر:

النار تأكل نفسها      إن لم تجد ما تأكله

قال الملك: دعني من كلام الشعراء، فالشعراء يتبعهم الغاوون. عليك أن تتصرف قبل أن تصل النار إلى قاعة العرش وإلا….

وكظّ الملك على أسنانه، واحمرّت عيناه من شدة الغضب؛ عند ذلك أمر الوزير أن يُنضح الماء من جميع آبار المدينة لإطفاء النار. وما إن خمدت النار حتى أصبحت المدينة فحمة سوداء، وقد أتت النار على كل ما في المدينة من حجر وبشر وماء، ولم يبق في المدينة غير قصر الملك متشحًا بالسواد.

نظر الملك إلى قصره، وندم ندمًا شديدًا، وأصيب بالاكتئاب؛ إذ لم يبق لديه ماء لتنظيف جوانب القصر من الشحار، كما لم يبق لديه رعية تنفّذ أوامره ونواهيه. وشكا أمره ثانية إلى وزيره؛ فقال له الوزير: “يداك أوكتا وفوك نفخ” يا مولاي. وأخشى ما أخشاه أن يصيبك ما أصاب العصفورَ في حكاية الصياد والعصفور. قال الملك: وما حكاية الصياد والعصفور؟ قال الوزير:

يحكى يا مولاي -والله أعلم- أن صيادًا حمل سلاحه وخرج يتدبر أرزاق أولاده الذين يتضوّرون جوعًا، فسار مسافات طويلة في البراري دون أن يحظى بصيد يعود به ظافرًا. ولما أعياه الوصول إلى أي طريدة؛ قرر العودة إلى بيته، لعل غده يكون أحسن من يومه. وبينما هو يضرب بين البساتين في طريق عودته؛ إذ به يبصر عصفورًا يقف على غصن شجرة، يتهيّأ للطيران. أخذ الصياد يفكّر في نفسه: ما عسى أن ينفعني هذا العصفور؟ لو اصطدته لما أسمن أولادي، ولا أغناهم من جوع. والرجل صاحب الرأي من يصل إلى رزقه بحسن حيلته ودهائه، فوقف يخاطب العصفور قائلًا:

مهلًا أيها العصفور الجميل، هل تستطيع أن تقدم لي خدمة وسأجزيك عليها جميل الجزاء. قال العصفور:

– وماذا أستطيع أن أقدم لك؟ قال الصياد:

– سأكون سعيدًا لو تدلني على مملكة الطيور، وسوف تكتمل سعادتي حين أستمع إلى غناء الشحارير الشجي ومنظرها البديع. قال العصفور وما جزائي لقاء هذه الخدمة؟ قال الصياد: دلّني على مملكة الطيور أجعلك ملكًا على الطيور جميعًا.

وثق العصفور بكلام الصياد، وأغراه أن يصبح ملكًا، وطار طيرانًا خفيفًا، والصياد يتبعه، حتى أوصله إلى مملكة الطيور.

فرح الصياد أيّما فرح، وأخذ يتردد كل يوم على مملكة الطيور ويصطاد منها ما يشاء، حتى أتى على آخر طير فيها، ولم يبق غير ذلك العصفور المسكين. وحينما جاء يطالب الصياد كي ينجز وعده قال له الصياد:

– على من تريد أن تصبح ملكًا، وقد خلت المملكة من الطيور.

شعر العصفور بسوء فعلته، وندم حيث لا ينفع الندم، وقال للصياد:

– لقد أصابني ما أصاب السلطان عمريط سلطان شامستان وتلك الديار.

عندئذٍ أدرك شهرزاد الصباح، وسكتت عن الكلام المباح.




المصدر