المسكوت عنه في ثورة الشعب السوري


هشام أسكيف

طوال سنوات ست، بقيت الأحاديث التي تمس حلفاء الثورة ضمن المسكوت عنه، حبيسة جدران الصمت، لعدة أسباب، منها ما هو مُقنع، وهي قليلة، ومنها ما يعود لصالح تيارات أُغدِق عليها المال؛ فأصبحت أسيرة لتيارات ومواقف هذه الدول.

لا بد أن نكشف المستور، وأن نتحدث عن المسكوت عنه؛ كي تبدأ الثورة باستعادة مسارها الذي يعتقد البعض أن المسار العسكري ، وهذا تفكير خاطئ، وقلب للحقائق؛ إذ إن المسار العسكري جاء استجابة لكمّ العنف العاري الذي تلقاه الشعب السوري على يد جلاوزة النظام السوري ضد ثورة سلمية، حملت أهدافًا وطنية طمحت من خلالها إلى التغيير، إلى أن تم اختراق المجال الحيوي للثورة عبر نقل المسار، ونقله من التسليح إلى العسكرة التي فرضتها تيارات امتلكت أيديولوجيا وسلاحًا، ساهم النظام بتظهيرها، محاولًا التخلص من صورة الثورة الوطنية التي أسقطته إلى صورة الإرهاب التي منحته قدرة، ولو طفيفة، لإعادة تدويره وتعويمه.

من أين جاء المهاجرون، وكيف مرّوا، ومن شجعهم على المجيء، ومن موّل نشاطهم، وكيف وجدت “القاعدة” موطئ قدم في الثورة السورية، وكيف تطورت “القاعدة” إلى “داعش”، ومن هي الجهات التي أدخلت يدها اليمنى لمساعدة السوريين الذين ثاروا ضد الجزّار، واليد اليسرى لاغتيال حلمهم بالحرية؟ فباستثناء تركيا التي حملت العبء والمخاطرة بأمنها القومي ودخلت في صراع مع قوى كبرى، لم تبق دولة لم تعبث بالثورة.

لا بدّ من الإشارة هنا إلى أن النظام، من الساعة الأولى للثورة، صاح بوجه العالم بأنها “القاعدة” وليست ثورة، وتفجير القزاز شاهد على ذلك، فللنظام تجارب سابقة في اختراع تنظيمات مثل تنظيم “أبو عدس” الضليع باغتيال الحريري الأب في لبنان.

أبناء لادن سورية، المحيسني والعريدي والعرجاني والقطري والقحطاني والكيني والتونسي والمغربي، وكل الذين أتوا ليقفزوا على اللحظة التاريخية التي اشتعلت بها الثورة، لم ينتموا لحظة واحدة إلى حلم السوريين الأحرار، ببلد بلا أسد، بلد يُنتخب فيه الرئيس عبر صناديق الاقتراع، وتُحفظ كرامة المواطن فيه.

المسكوت عنه يحتم علينا أن نميط اللثام عن هذه التفاصيل، لأنه الوقت المناسب فعلًا للتخلص من هذا الصمت الذي خيّم على السوريين لفترات طويلة، فهل نمتلك الجرأة نحن -أهل الأرض- للقول وتسمية الأشياء بمسمياتها.

ليس عيبًا في السياسة، استغلال الأحداث لجهة استثمارها لصالح هذا الطرف أو ذاك، لكن العيب في السياسة استثمارها وخسارة وطن.

إن العقلية التي أُدير بها العمل المسلح الذي بدأ بحمل السلاح دفاعًا عن النفس، وتطور إلى تمرّد مسلح، وكان في طريقه إلى أخذ شكل النضال المسلح المشبع بالفكر والهدف والاستراتيجيات، وامتلك بوادر التنظيم والتأطير إلى أن انتقل إلى العسكرة، حيث بنت فصائل نفوذًا لها وكيانات، بمواصفات ميليشياوية، كانت بفعل عقلية المسكوت عنهم، وآن الأوان ليطرح السوريون الأسئلة الحساسة حولهم.

مَن أدخل وموّل ودعم هؤلاء، ومن له المصلحة بعدم نشوء الجيش الوطني، بكوادره التي انشقت، والتي حملت السلاح دفاعًا عن الشعب ومفاهيم ثورته، وكيف أُدير الصراع المسلح، وكيف تم الإمساك بمفاصله، ولمن تتبع “النصرة” وأفراخها، ومن شكّل لها الرافعة السياسية، ولمصلحة مَن دخلت الثورة في صراع المحاور وابتعدت عن الروح الوطنية والمصلحة الوطنية؟ كل هذه الأسئلة المسكوت عن إجاباتها، والمسكوت عن فاعليها، ظهرت مفاعيلها بقوة، وتأثر السوريون بنتائجها.

من يريد سورية وطنًا بأسد، بلا دستور عصري؟ ومن يريد أن “يُلبنن” سورية ويُبقيها صندوق بريد يرسل من خلالها إلى العالم رسائله، ويستعرض أمام الآخرين قدرته على العبث؟ كلها أسئلة برسم الإجابة، وبرسم كشف المستور والمسكوت عنه.




المصدر