مترجم: مجاهد أفغاني يؤكد أن الرياض أرادت فتح مكتب لـ«طالبان» قبل الدوحة


muhammed bitar

كشف مجاهد سابق في أفغانستان من المجاهدين العرب، أن المملكة العربية السعودية حاولت استضافة مكتب لحركة طالبان الأفغانية، وهو المكتب الذي انتهى به الأمر إلى أن يتخذ من العاصمة القطرية الدوحة مقرًا له.

وقال موقع «ميدل إيست آي» البريطاني في تقرير له كتبه الصحافي الشهير ديفيد هيرست: «إن الانتقادات التي توجهها دول الحصار لقطر بسبب استضافة مكتب لحركة طالبان تأتي على الرغم من أن السعودية حاولت استضافة المكتب ذاته».

وفيما يلي ترجمة «عربي 21» الكاملة لتقرير «ميدل إيست آي»:

لقد حاولت المملكة العربية السعودية، استضافة مكتب ارتباط لحركة طالبان لكنها أخفقت في ذلك، حسبما صرح به إلى موقع «ميدل إيست آي» مجاهد سابق من المجاهدين العرب كان قد لعب دورًا مهمًا في عملية السلام في أفغانستان.

كما قال عبد الله أنس إنه تملكته الحيرة حينما سمع بمزاعم دولة الإمارات العربية المتحدة وحلفائها في الرياض بأن قطر تدعم التطرف الإسلامي من خلال استضافة مكتب لطالبان في الدوحة.

وكان سفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة الأمريكية يوسف العتيبة قد قال: «لا أظن أنه من باب المصادفة أن تجد داخل الدوحة قيادة حماس، وأن تجد سفارة لطالبان، وأن تجد قيادة الإخوان المسلمين». كانت تلك التصريحات جزءًا من الانتقاد الذي طالما وجه إلى قطر انطلاقًا من عواصم الخليج بما في ذلك الرياض.

إلا أن عبد الله أنس صرح لميدل إيست آي بما يلي:

إذا كانت قطر تستضيف طالبان من أجل إجراء محادثات هدفها التوصل إلى مصالحة بين الفصائل المتحاربة في أفغانستان، فتلك مبادرة بدأت في المملكة العربية السعودية قبل غيرها. كما أجريت جولات من المحادثات في الإمارات أيضًا. ولذلك إذا كانت قطر تتهم باستضافة الإرهابيين، فهناك من استضاف نفس الإرهابيين قبل ذلك.
ما من شك في أن عبد الله أنس من العارفين في هذا الشأن، فقد كان هو صاحب فكرة البدء بالعملية من خلال سلسلة من الزيارات التي قام بها إلى أفغانستان وإلى المملكة العربية السعودية ما بين عام 2006 وعام 2007.

وتمكن خلال تلك الفترة من الحصول على دعم قوي وتعاون مباشر ليس فقط من قبل حميد كارزاي، الذي كان حينها رئيسا لأفغانستان، بل أيضًا من قبل الأمير مقرن، الذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب رئيس الاستخبارات السعودي، وأخيرًا من قبل الملك الراحل عبد الله.

وكان لهذا المجاهد السابق، الذي تحول إلى وسيط بين الفصائل الأفغانية، أكثر من لقاء مع رئيس الاستخبارات السعودي.

يقول عبد الله أنس: «وجدت نفسي وجهًا لوجه أمام رئيس الاستخبارات السعودي الأمير مقرن (المدير العام للمخابرات العامة)، والذي قال لي: سمعت شيئًا، ما رأيك في أن أفغانستان تراوح مكانها، وأنها تعاني من حرب لا معنى لها؟ هل يمكن أن تطلعني على مجريات الأمور؟ أود أن أسمع منك».

وأضاف: «كان ذلك بالنسبة لي بمثابة فرصة ذهبية لأشرح الوضع لصانع قرار. ولذلك عقدنا عدة اجتماعات في مايو (أيار) ويونيو (حزيران) ويوليو (تموز) من عام 2007.

جهاد من نوع آخر

بدأت المهمة السلمية لعبد الله أنس في عام 2006. ويذكر أن هذا الجزائري قد غادر أفغانستان في عام 1993 بعد أن أمضى عشرة أعوام في قتال الروس إلى جانب أحمد شاه مسعود. كان والد زوجته، الشيخ عبد الله عزام، قد شارك في تأسيس مكتب الخدمات الأفغانية بالاشتراك مع أسامة بن لادن. وكانت مهمة مكتب الخدمات هي جمع الأموال وتجنيد المجاهدين الأجانب والإنفاق عليهم أثناء مشاركتهم في الحرب ضد السوفييت.

إلا أن الحرب في أفغانستان فقدت معناها بالنسبة لعبد الله أنس بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، وباتت تتغذى من قبل خطابين لم يكونا يعنيان شيئًا بالنسبة للأفغانيين: حرب جورج بوش على الإرهاب وجهاد ابن لادن ضد الصليبيين.

يقول عبد الله أنس في ذلك: «أمَّان رأيتهما في مخيلتي تنتحبان، أُم في أفغانستان تبكي ابنها الذي أعيد إليها في تابوت، وأُم أخرى في أوروبا تبكي على ابنها الذي أتاها هو الآخر محمولًا في تابوت. لا تعرف أي من الأمين فيم قتل ابنها ولماذا. أنا على يقين من أنك إذا سألت امرأة في أفغانستان إذا ما كانت تعرف القاعدة أو أسامة بن لادن، فستكون إجابتها: ما هذا الذي تتكلم عنه؟ هل هو نوع من الطعام؟ وإذا ما سألت الأم الأوروبية أو الأمريكية: هل تعرفين ما هي هذه الحرب التي تشن على الإرهاب؟ لما وجدت لديها أدنى فكرة عن ذلك».

يقول عبد الله أنس: «يعني ذلك أن الشيخ عبد الله عزام كان يدعم الجهاد في أفغانستان، ولكنه كان في نفس الوقت يركز على المصالحة».

بدأت رحلة عبد الله أنس الطويلة مع المصالحة في غرفة الملحق العسكري الأفغاني في لندن العقيد أحمد مسلم حياة، والذي كان من رفاق السلاح القدامى. كانا يتابعان معًا على شاشة قناة الجزيرة مقابلة مع حاكم قندهار أسد الله خالد أجريت معه على إثر عملية تفجير انتحارية. بعد عشرة أيام، في شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2006، زار عبد الله أنس حاكم قندهار، والذي عرف عليه قيوم كارزاي الشقيق الأكبر للرئيس الأفغاني.

قال قيوم كارزاي مخاطبًا عبد الله أنس: «لقد شاركتم أنتم العرب في تحريرنا، ولقد روت دماؤكم ثرى البلاد في كل جبل وفي كل قرية، وها أنتم الآن قد جئتم بجهاد من أجل تحقيق السلام. سوف أقوم بكل ما في وسعي من أجل المساعدة في ذلك». تبع ذلك عقد لقاء طويل مع الرئيس.

وجد عبد الله أنس أنه يتمتع بخصال نادرة تؤهله للقيام بمهمة الوساطة التي كان على وشك البدء بها، وخاصة أن جميع زملائه من رفاق السلاح السابقين باتوا يحتلون مواقع متنفذة في كابول، بما في ذلك رئيس البرلمان، ووزير الداخلية، ورئيس المخابرات، إلا أن عبد الله أنس كان يعترف أيضًا بمن يسمون بطالبان «المصطلح معهم»، أي القادة الذين كانوا قد أطلق سراحهم مؤخرًا من غوانتانامو وباتوا الآن يقيمون في كابول. فهؤلاء جميعًا كانوا يوقرون حماه والد زوجته.

حصلت زيارة ثالثة بعد ذلك قبل أن يواجه عبد الله أنس أول تحد عملي له – وهو الذي لم يكن لديه وضع سوى أنه مجاهد سابق انتهى به المطاف ليستقر الآن في لندن. وافقه الجميع في أن الحرب تراوح مكانها، واتفقوا على الحاجة إلى إجراء مصالحة، وعلى أن جميع الفصائل ينبغي أن تشارك في تلك العملية، بما في ذلك الحكومة، والمجاهدون السابقون وجناحا طالبان، جناح المصطلح معهم وجناح القيادة التي ماتزال في الجبال.

ويقول عبد الله أنس في ذلك: «لقد أوصلت الفكرة، ولكن ماذا بعد؟ لم أكن دولة. لو تيسر لهؤلاء الناس أن يجتمعوا، فمن ذا الذي سينظم اللقاءات، ويوفر المطار، ويمنح التأشيرات، ويشرف على الأمن؟ كانت كل هذه الأمور خارج سيطرتي». وكان قد استبعد كلًا من باكستان وإيران كمواقع محتملة لإجراء المحادثات، لأن كل جارة من جارات أفغانستان كانت لها أجندتها الخاصة بها.

وقال عن زيارته الأولى في شهر مايو (أيار) من عام 2007: «وهكذا وجدت نفسي أطرق أبواب السعوديين».

المشاركة السعودية

بدأ عبد الله أنس جهوده مع مقاتلين سعوديين سابقين تعرف عليهم في أفغانستان، فاقترح عليه أحدهم المحامي منصور صالح خنيزان. وفعلًا، توجه إليه عبد الله أنس وبدأ يشرح له طبيعة المهمة التي كان يقوم بها. وعندها تذكر خنيزان أنه سمع أنس ذات مرة يتحدث في بيشاور عن حاجة المجاهدين إلى البقاء موحدين.

بعد ذلك رافق عبد الله أنس المحامي خنيزان إلى أفغانستان وعرفه على الشخصيات التي كان يتواصل معها بدءًا من قيوم كارزاي فنازلًا. تشكلت لدى خنيزان القناعة بأنه كان من الممكن التوصل إلى اتفاق السلام، وقدم بذلك تقريرًا إلى الديوان الملكي في الرياض. بعد شهور تلقى عبد الله أنس اتصالًا هاتفيًا طالبه بالعودة إلى الرياض. يقول عبد الله أنس: إن خنيزان أخبره بأن لديه أخبارًا سارة: «لقد وافق الملك على البدء بإجراء محادثات السلام تلك. ولديك الصلاحية الكاملة بدعوة قائمة من الناس الذين في ذهنك من أفغانستان».

ما لبث أن شعر عبد الله أنس في حدود عام 2011 أنه بدأ يُستثنى من العملية، ففي ذلك العام انطلق الربيع العربي ووقع اغتيال رباني أول رئيس لمجلس السلام الأعلى الذي كان قد تشكل حديثًا في كابول، كما انشطر طالبان على إثر وفاة الملا عمر. وحينما افتتح مكتب لطالبان في الدوحة كان عبد الله أنس قد استبعد نهائيًا ولم يعد له علاقة بالأمر.

يقول عبد الله أنس: «لم يستشرني أحد، وذلك على الرغم من أنني كنت أعرف ممثل طالبان في الدوحة. التقيته في أوروبا ولكني لم أصبح جزءًا من العملية. مازلت أعتقد أن المصالحة يمكن أن تتحقق في أفغانستان، ولكن ينبغي أن يتم إنجاز ذلك داخليًا».

الدور الذي قررته للرياض لندن وواشنطن

تم تأكيد صحة الرواية التي تقدم بها عبد الله أنس من مصدر ثان صرح بأن قطر فتحت مكتب ارتباط لطالبان في يونيو (حزيران) 2013 بعد إخفاق السعوديين في إيجاد آلية فعالة للارتباط والاتصال. يقول المصدر: إن الرياض كلفت بالمهمة أثناء فترة رئيس الوزراء البريطاني جوردان براون والرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش. ويضيف المصدر أن خنيزان ساعد قيوم، شقيق حميد كارزاي، في القيام برحلة إلى دبي حيث فتح حسابات مصرفية.

يزعم المصدر أن بريطانيا والولايات المتحدة لم تتوجها إلى قطر للتواصل مع طالبان إلا بعد إخفاق السعوديين.

فما كان من العتيبة إلا أن أرسل خطابًا إلى صحيفة «نيويورك تايمز» يدحض فيه ما ورد في تقريرها، مؤكدًا أن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت على استعداد لاستضافة طالبان، ولكنهم حسبما زعم وضعوا ثلاثة شروط – أن يندد طالبان بالقاعدة، وأن يعترفوا بالدستور الأفغاني، وأن يضعوا أسلحتهم. إلا أن ما ادعاه العتيبة يتناقض تمامًا مع ما صرحت به مصادر ميدل إيست آي.

يقول عبد الله أنس إنه متأكد من شيء واحد، ألا وهو أن الحكومات التي حاول دعوتها للانضمام إلى العملية ساهمت في تلك الأثناء في تدميرها بسبب إعطائها الأولوية لأجنداتها الخاص. ويضيف: «اكتشفت فيما بعد بأنه على الرغم من أن كلمات مثل (المصالحة) أو (محادثات السلام) كانت مقبولة لدى الجميع، إلا أن ذلك لم يكن يعني أنهم كانوا يبغون محادثات حقيقية للسلام. وأدركت أن للسياسيين وللحكومات أجنداتها الخاصة. فبالرغم من أنهم يقبلون بالمبدأ، إلا أنهم في واقع الأمر لم يكونوا بالضرورة يعملون من أجل السلام الذي كنت أنشده».

سيصدر قريبًا كتاب لعبد الله أنس يوثق فيه تجربته بعنوان: «الجبال: حياتي في الجهاد الأفغاني».

رابط المادة الأصلي: هنا.




المصدر